المقالات

خشية إسرائيلية من فوضى السلاح السوري

خشية إسرائيلية من فوضى السلاح السوري

ماجد الشّيخ

بين السيناريوات التي يستعد لها الجيش الإسرائيلي صعود قوى «التطرف الجهادية» بعد سقوط النظام السوري. كما يستعد الجيش الإسرائيلي لهجوم محتمل قد يشنه مدنيون سوريون على الجولان، من دون أي تدخل من جانب الجماعات المسلحة. ونسب إلى مسؤول وصف بأنه رفيع المستوى في جيش الاحتلال إنه من الممكن جداً أنْ يسقط النظام السوري من دون تدخل أجنبي، أما رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال بيني غانتس، فقال إن الأسد ينزف دماً، لكنه ما زال يمتص دماء الشعب السوري.

وفي تقدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، يرى أن العام الحالي 2013 سيكون عام الصراعات المتفجرة، وسيكون الشرق الأوسط قابلاً للاشتعال؛ نتيجة أربعة صراعات أساسية يمكن أن تُحسم خلال العام المقبل: الأزمة النووية الإيرانية، والحرب في سورية، والصراع على السلطة في مصر، والصراع الأوسع على صورة العالم العربي، الذي يتفرع عنه عدد من الصراعات الثانوية، مثل الصراع ما بين الأنظمة القديمة والمعارضة، وبين الراديكاليين والمعتدلين. وبالإضافة إلى ذلك كله، ليس واضحاً كيف سيتطور الوضع في الضفة الغربية المحتلة، وإن كان الهدوء النسبي، الذي ساد في الأعوام الأخيرة سيتواصل.

ورأت التقديرات أن الحرب في سورية تُشكل نموذجاً للواقع الحالي، فقد تبددت التوقعات السابقة في شأن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد، ويبدو أن طرفي النزاع قد تعادلا داخل المواجهة، التي لا حسم فيها حتى الآن، على رغم تزايد حدة العنف. وفي الوقت الذي لا تزال تقديرات الاستخبارات الغربية متمسكة بحتمية سـقوط نظام الأسد، فإن بعض السيناريوات المتداولة هـو الغرق التـدريجي لـسورية فـي الفوضى.

وأكدت بعض التقديرات التي أشارت إليها الصحافة الإسرائيلية، أن إسرائيل تجد الوضع القائم حالياً في سورية يصب في مصلحتها، على رغم عدم اعترافها بذلك علناً، لا سيما بعد تبدد مخاوف قادة جيش الاحتلال من إقدام الجيش السوري على هجوم مباغت في الجولان، إذ بات، بحسب التقديرات الإسرائيلية، من الصعب على الجيش السوري المبادرة إلى شن هجوم تقليدي، وسيمر وقت طويل قبل أن يتمكن من ترميم قدرته العسكرية.

فوضى إقليمية

وخلافاً للموقف الرسمي الإسرائيلي والغربي عموماً الذي يرحب بسقوط الأسد، قال قائد الجبهة الشمالية في جيش الاحتلال، الجنرال يائير غولان، إن سقوطه سيؤدي إلى حالة عارمة من الفوضى الإقليمية، التي تؤدي إلى سيطرة حزب الله وتنظيمات أخرى وصفها بالإرهابية، على مخازن الأسلحة التقليدية وغير التقليدية ونقلها إلى لبنان. وأضاف إن هناك خطراً حقيقياً بأنْ يؤدي سقوط نظام الرئيس السوري، إلى حصول حزب الله على كميات هائلة من الصواريخ، بما في ذلك صواريخ أرض بحر، ومنظومات للدفاع الجوي، وأيضاً صواريخ عابرة للقارات، لافتاً إلى أن الحدود الإسرائيلية السورية هي من أهدأ الحدود، على رغم التحالف الإستراتيجي بين سورية وإيران، وعلى رغم الدعم الذي تمنحه سورية لحزب الله ولفصائل المقاومة الفلسطينية.

وبحسب غولان فإنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، أيْ أنْ تكون هذه الفصائل والتنظيمات تحت إشراف نظام قوي ومركزي، فلا مشكلة لدى إسرائيل، وبإمكانها الاستمرار في الوضع الذي بدأ في عام 1974، لكنه استدرك قائلاً إنه في حال انتقال الأسلحة إلى «تنظيمات جهادية» متطرفة، فإن الأوضاع ستصبح سيئة للغاية، ذلك أن إسرائيل لا يُمكنها أنْ تراقب التطورات والمستجدات على الأرض، وبالتالي فإن الوضع سيُصبح مقلقاً جداً.

ويرى جهاز الأمن الإسرائيلي أن سورية ما بعد «الحرب الأهلية»، لن تكون مستقرة، وربما مقسمة إلى دويلات، وأن الصدامات الجارية شبيهة بما دار بين المعسكرين الغربي والشرقي خلال حرب فيتنام، فيما عبرت إسرائيل عن تخوفها من قرب انتهاء عمل قوات «أندوف» بالجولان عقب اختطاف جنود لها هناك.

وقالت صحيفة «معاريف» يوم الجمعة (8/3)، إن الاعتقاد السائد في جهاز الأمن الإسرائيلي هو أن «الدولة السورية الجديدة التي ستقام في نهاية الحرب الأهلية لن تكون مستقرة»، وأن «سورية تتجه نحو التفكك إلى دويلات، وربما سيبقى نظام الرئيس السوري بشار الأسد موجوداً، ضمن دويلة في الشمال الغربي، وبالقرب من مدينة اللاذقية؛ إذ أن هذه المنطقة تعتبر معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها».

ونقـلت صحيفة «هآرتس» في اليوم نفسه، عن مسـؤول رفيـع المـستـوى في جـهاز الأمن الإسرائيلي، قوله إنه «بدأ عهد ما بعد الأسد، علـى رغـم أن هـذا الأمـر يحدث فيما لا يزال الطـاغية موجوداً»، واعتبر أن «الدولة السـورية أخـذت تـفـلت من بيـن يديه». ووفـقاً للتقارير الإسرائيلية، فإن جهاز الأمن ينظر إلى الوضع في سورية حالياً، على أنه «ساحة صدام بين معسكرين، تماماً مثلما استـُخدمت فيتنـام كسـاحة صراع بين الاتحاد السوفياتي (السابق) والولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي».

وتابعت التقديرات الإسرائيلية أنه «مثلما حدث في تلك الفترة، فإن جهات دولية عدة ضالعة في الصراع السوري الداخلي، ويبدو أن الولايات المتحدة والغرب يؤيدون بشكل كبير قوات المتمردين، التي تشمل مزيجاً كبيراً يضم أكثر من 90 تنظيماً، وبينها تنظيمات كثيرة تتماهى مع أفكار الجهاد العالمي، بينما نظام الأسد يستمد دعماً مكثفاً من روسيا وإيران وحزب الله، ودعماً سياسياً صينياً».

وأضافت هذه التقديرات أن «الحرب الأهلية في سورية، تدل على أن فترة دامت أكثر من 20 سنة كانت فيها الهيمنة الأميركية العالمية مطلقة، قد انتهت، والمشكلة هي أن دعم الدول العظمى لطرفي الصراع يؤدي إلى تعادل في الحرب الأهلية التي قد تستمر لفترة أخرى».

ووفقاً لتحليل جهاز الأمن الإسرائيلي، فإن «طرفي الصراع في سورية يمسك كل منهما بعنق الآخر، الأمر الذي يمنع حسم الحرب»، وأن «عمليات قوات المعارضة ليست منظمة كفاية في المجال العسكري، كي تتمكن من هزم الرئيس والموالين له».

ليست المرة الأولى التي يبدي الإسرائيليون فيها قلقهم البالغ من إمكانية سقوط النظام السوري، وتبدد الستاتيكو الذي لازم وجود هذا النظام منذ سبعينات القرن الماضي، فبالإضافة إلى القلق؛ هناك خشية من تعاظم قوة حزب الله العسكرية، وانتقال الكثير من أسلحة النظام التقليدية وغير التقليدية إلى أيدي الحزب، كما إلى أيدي تنظيمات متطرفة لا تبدي كثير اهتمام «بستاتيكو النظام»، الذي امتازت به بداية فترة حكم الأسد الأب، وصولاً إلى حكم الأسد الابن.

الحياة، لندن، 18/3/2013

مقالات ذات صلة