المقالات

الفيروس كورونا يتحطّم على أسوار غزّة ..!!

د. احمد محيسن – برلين في 2020/03/19

يا له من مشهد مُهيب .. ونحن نشاهد كيف يقف الجمع احتراماً وتقديراً وإجلالاً لغزّة العزّة .. ويتعجّب من أداء أهلها وإبداعاتهم بإمكانيّات متواضعة .. وهي الّتي لم يسجّل فيها إصابة واحدة بالفيروس كورونا .. الّلهم احمي اهلنا وأحبّتنا والإنسانيّة من هذا الوباء ..

هي غزّة المُحاصرة منذ ما يقارب العقد ونصف العقد من الزّمن .. ولا تصلح للحياة البشريّة من كلّ النّواحي .. وذلك حسب ما قاله وقيّمه وقدّره الخُبراء والمتخصّصين والعلماء والسّاسة والباحثين .. فقد حيّرت غزّة العالم بصمودها وبقاء استمراريّة المعيشة فيها .. أمام حصار وعدوان وجبروت وقوّة وإمكانيّات ووحشيّة أعتى جيوش الأرض .. وما زالت غزّة صامدة ثابتة شامخة .. تتصدّى للعدوان .. ويهابها الكورونا الّذي يغزو شعوب الأرض .. ويرعب ساستهم وجنرالاتهم .. ويشلّ الحياة في بلدانهم ويذعر ساكنيها ..

ولكن في غزّة المهدّدة بالغرق في الصّرف الصّحي .. ما زالوا يقولون لك هناك في غزّة .. “يْنوّر عليك” .. و “عليك نور ” .. و”متقْلقش”.. أي لا تقلق .. يقولونها وطيران العدوّ يقصف صفائح الزّينْكو في مخيّمات البسالة والصّمود في غزّة .. والشّهداء ترتقي والدّمار مستمرّاً .. تعبيراً منهم عن الثّقة المطلقة بقدرة شعبنا في الصّمود .. وبحتميّة النّصر القادم ..

لقد بات من الضّروري اليوم أن تصحو ضمائر هذا العالم الّذي يدّعي التّحضّر والإنسانيّة ويتشدّق بها .. وأن يقف المجتمع الدّولي في هذه الظّروف والمصاب الجلل .. متأملّاً ومقدّراً حال غزّة .. الّتي تقبع تحت الحصار المُطبق منذ أربعة عشر عاماً .. بفعل الكورونا البشري الظّالم .. وينهي حصاره على غزّة ..

إنّ هذا الفيروس كورونا .. الحقير بحجمه وشكله ووزنه وبكلّ أبعاده .. ولكنّه فتّاك بفعله .. فهو الّذي أذاق هذا العالم طعم مرارة الحصار وأذلّ وقهر العواصم الّتي كانت تعتقد بأنها أبداً لن تقهر .. وعلّم كورونا العالم كيف يكون فقدان الأحبّة .. والألم الجسدي والنّفسي .. والسّجن المنزلي .. وعدم الإستقرار وفقدان الأمان .. وشُحّ المواد الغذائيّة والمعيشيّة وغيرها .. علّمهم فيروس الكورونا درساً في كيفيّة الفتك بالمجتمعات بهول وبغير ذنب .. هو درس في المعاناة واكتشاف معادن البشر ..

إن العالم يحتاج اليوم مزيداً من التّأمّل في ظاهرة الفيروس كورونا واستخلاص العِبَر منها .. لعلّ الضّمائر تجد فرصة لكي تصحو من غفلتها .. ولعلّ بعض البشر الّذين طبع الله على قلوبهم .. وتقطر نفوسهم سمّاً وحقداً .. ولَم يتّعظوا بعد ممّا أصابهم في مسيرتهم الحياتيّة من مصائب وعثرات .. كانت بمثابة إنذارات قرعت خزاناتهم لعلّهم يرتجعون ويتوقّفون عن ظلاميّتهم وظلمهم .. فهي فرصة اليوم لهم وكورونا يطرق الأبواب .. لعلّهم يجدون الفرصة اليوم ليفيقوا من غفلتهم .. وليتوبوا توبة نصوحا .. ويعودوا إلى آدميّتهم .. ويكفّوا عن المتاجرة بكلّ شيئ .. حتى المتاجرة بالوطنيّة والأخلاق والقيم.. من أجل منفعتهم الذّاتيّة الزّائلة لا محالة .. وقد لفت انتباهي مقال للمفكّر العربي الفلسطيني منير شفيق بعنوان الإستغلال الرّخيص لمصيبة كورونا .. وعلى ذلك قس…

إنّه حصاراً ظالماً بغير ذنب اقترفوه في غزّة .. سوى التّصدّي للإحتلال ومقاومته .. وعدم الإذعان لأوامر طواغيت الأرض .. بالقبول بالمذلّة والمهانة وبيع الأوطان والتّساوق مع المستعمر الغاصب ..

هو حصار ظالم يضرب من الآدميّين البشر على أهلنا في غزّة .. لأنّ غزّة أبَتْ إلّا أن تكون شامخة مرفوعة الرّأس .. واقفة كالأشجار .. متمسّكة بكامل حقوق شعبنا وثوابته .. أبَتْ أن تنكسر إرادتها وتركع لغير خالقها .. وبقيت خزّان وقود الثّورات .. وظلّت تردّ على عدوان الإحتلال بمقاومتها الباسلة .. بكلّ السّبل والأشكال والإمكانيّات .. وبما لديها من قوّة وعزيمة وثبات ..

وعلى هذا العالم اليوم أن يعتذر من الشّعب الفلسطيني في غزّة .. على حصاره لهم منذ أربعة عشر عاماً بدون وجه حق .. وعلى العالم المتحضّر .. ليثبت بأنّه بالفعل متحضّراً .. أن يمدّ لهم في غزة يد العون وينهي الحصار .. وذلك بعد أن تذوّق هذا العالم وشعر وقدّر وعرف وأحس .. بمعنى الحصار والتّجويع وتضييق الخناق وفقدان أبسط مقوّمات الحياة ..

على هذا العالم .. بجبروته وقوته وإمكانيّاته الهائلة .. الّذي يخضع اليوم لحصار كائن شبح .. لا يرى ولا يسمع ولا ينطق ولا رائحة له ويُدعى فيروس كورونا .. هذا هو من أضعف خلق الله .. يَفرض اليوم على شعوب الأرض قاطبة .. السّجن والحصار والذّعر والإختناق .. حصار إختياري في عقر دارهم وبمحض إرادتهم .. ويقف هذا العالم عاجزاً عن التّصدي له ومكافحته والإنتصار عليه .. فلا ‏الصّواريخ والدّبابات والطّائرات والغوّاصات والمضادّات .. ولا القنابل النّوويّة و الجيوش الجرّارة وأدوات الرّصد العسكرية ولا غيرها من الأسلحة والإمكانيّات الفتّاكة .. نافعة أو قادرة على وقف تقدّم زحف قوّات الفيروس كورونا .. وهي تجتاح القارّات ..

أنصِفوا غزّة العزّة .. وافتحوا الأبواب وأنهوا الحصار .. وتعلّموا الدّروس من صمود وإبداعات أهلنا في قطاع العزّة غزّة .. لعلّ في ذلك جُرعة من التّرياق لكم في مواجهة قوّات الكورونا ..

مقالات ذات صلة