المقالات

حول القلق عند أبناء الجالية العربية في ألمانيا أسباب ومصادر، رؤى ومقترحات

بقلم: الدكتور نزار محمود

القلق ليس حالة، وحتى ظاهرة، غريبة عن بني الإنسان. فالإنسان، ذلك الكائن الاجتماعي، بكل كيانه الروحي والنفسي والعاطفي والعقلي وحاجاته وإمكاناته وطموحاته وأحلامه يعيش بين الفينة والأخرى حالة قلق تؤرق نومه وتهز ذلك الكيان.

وهكذا نعيش نحن، أبناء الجالية العربية في ألمانيا، تلك الحالة أو الظاهرة كذلك. أحاول في هذا المقال أن أتطرق، متجرئاً، إلى أسباب هذه المسألة ومصادرها، وكذلك طرح بعض الرؤى والمقترحات في التعامل معها.

في أسباب القلق ومصادره:

أود أن أبوب تلك الأسباب والمصادر وفق المحاور التالية:

المحور السياسي:

انحدرنا، نحن أبناء الجالية العربية وفي أجيالها الأولى ولأسباب قهرية في غالبيتها، من بلدان تعيش ظروفاً وأجواء وأحزاب وتكتلات سياسية كان الكثير منا يعيشها التزاماً أو تنظيماً أو تعاطفاً أو حلماً وأملاً، فكراً ووجداناً.

هذا الانتماء السياسي أو العاطفي، بقي يشكل عند كثيرين هاجساً من القلق على أحلامه من ناحية، وعلى ما يتقاطع من واقع سياسي في بلد الاغتراب أو الهجرة ألمانيا، من ناحية ثانية.

ولم ينته الأمر عند جيلنا الأول، لكنه إمتد بهذا الشكل أو الآخر، وبهذه الدرجة أو تلك، إلى أجيالنا اللاحقة.

لست متخصصاً في علم النفس لكي أدعي أنها انفصامية سياسية بين مثالية الانتماء للأوطان الأم وبين واقعية الحياة في ألمانيا. وبغض النظر عن صحة الاستنتاج فهي تشكل سبباً ومصدراً للقلق عند أصحابها.

المحور الاقتصادي:

يشمل هذا المحور مجالات متعددة، منها التعليمي والتأهيلي، والمعيشي ومجال التملك والثروة.

فنحن الآباء، على وجه الخصوص، نعيش القلق على حسن تعلم أبنائنا ونتائجهم المدرسية ولاحقاً التأهيلية المهنية والجامعية، في ظل صعوبات ومحددات إمكاناتنا التربوية والتعليمية.

كما تقلقنا امكانات وفرص العمل في اقتصاد سوق يتجه إلى شكله الرأسمالي، وحيث المنافسة الشديدة والقاسية أحياناً، ناهيك عن الصعوبات المتعلقة بنا كمهاجرين أو مغتربين عرب ومسلمين.

المحور الثقافي والتربوي:

ولعله الأشد في أسباب قلقنا، نحن الحريصين على ثقافتنا ديناً وقيماً ونمط حياة.

فكثيراً ما يؤرقنا تأخر أبنائنا وبناتنا، وكثيراً ما يفرحنا ذهابهم لتعلم اللغة العربية والتزامهم المعتدل بالدين، رغم ما نعانيه من تقاطعات ثقافية وتربوية مفهومة في مجتمع الغربة والهجرة.

قد تقلقنا أفكارهم وسلوكياتهم وحرياتهم الفردية أحياناً، وكم يكون لزاماً علينا تفهمهم والأخذ بأيديهم كلما كان ذلك بالمستطاع. لكنه يبقى القلق، الذي لا دواء له إلا بالوعي والتوكل على الله.

المحور الاجتماعي:

وهو قلق الشعور بالغربة والوحدة والانعزال. فعمارات سكننا ليست كحارات بلداننا، فلا زيارات وصحب ولقاءات مع الجيران، ولا تبادل لأطباق الطعام. فقد نكتفي برد التحية من بعض الجيران!.

برامج قنواتنا العربية باتت شريكات الحياة، وأجهزة الهاتف ومحطات اللعب ( البلاي ستيشن) تلازمنا ليل نهار.

رؤى ومقترحات في التعامل مع قلق الحياة:

مع التأكيد على لا موعظية هذه الرؤى والمقترحات، وإلى خصوصيات أبناء جاليتنا العربية، أشارك ببعض الأفكار في هذا المقام:

⁃ أجد من المفيد أن يراجع المرء بين الحين والآخر نفسه في وعيه وفهمه لظروف حياته في بلد الإغتراب أو الهجرة، في خصوصياتها وواقعها.

⁃ إن زيادة الثقة بالنفس استعانة بالإيمان بالله وقدره ، وبالإمكانات المتوفرة، الظاهرة منها والباطنة، تعيننا على فهم معالجة حلات القلق.

⁃ كما أن إيجابية تفكيرنا وواقعيته، وعدم بخس ما تمكنا من إنجازه، يساعدنا هو الآخر على التغلب على قلقنا.

⁃ يكفينا أننا على استعداد للمشاركة في ما نقدر عليه من عمل وخدمة، ربما حتى طوعياً من خلال جمعيات أو منظمات خيرية.

⁃ وأخيراً، فلتكن الآيات التالية ما يرشدنا ويطمئننا في حياتنا وكسبنا:

“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”

وقوله تعالى:

“قل لن يصيبنا، إلا ما كتب الله لنا”

” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله”

برلين، ١٣/٥/٢٠٢٠

مقالات ذات صلة