المقالات

أبحث عن توأم روحي غسان كنفاني

كنا قد اتفقنا أن نلتقي الساعة العاشرة صباحا في مقر مجلة الهدف في الثامن من تموز عام 1972 ، وكنت قد أبلغتني أنك ستصطحب لميس ابنة اختك فايزة لأذهب معها للجامعة الاميركية ، وأسجلها في السنة الاولى بعد أن نجحت في التوجيهي ، وكانت من العشرة الأوائل في دولة الكويت .

لكنك لم تصل الى الهدف حسب الموعد ،

قررت الرحيل الى عكا .

واليوم ، هو الثامن من تموز من العام 2020 ،

لقد مضى على ذلك الموعد ثمانية واربعون عاما .

لا أدري يا غسان عم أخبرك !

فقد مضت خمسة عقود منذ غادرتنا

خمسة عقود مليئة بالأحداث والحروب

سالت خلالها دماء أبناء امتنا في كل مكان

ومازلنا نعاني من الاحتلال ، ونقاوم بما تيسر

بين أيدينا من وسائل مقاومة للعدو

كافة الحروب والعمليات التي شنها العدو كانت

تستهدف القضاء على ثورتنا واغتصاب

بقية أرضنا .

عشنا تحت القصف ، وعشنا في حقل مليء بالغام التآمر والدسائس والاغتيالات .

وكان بعض الحكام في بلادنا يساومون على رأسنا

على قضيتنا خلف الستار ، يريدون للعدو أن

ينتصر علينا لتخلو لهم ميادين الخضوع

والركوع لأسيادهم الذين عينوهم حكاما

وحراسا لعمليات نهب ثروات امتنا .

هل تذكر ذلك المقال الذي كتبته في العام 1970 .

وكشفت فيه اجتماعات تنسيقية بين مسؤولي

العدو ، وحكام الجزيرة من آل سعود .

كنت محقا ، حكمت بالسجن لاخلالك بقانون

الصحافة لكنك كنت على حق .

واليوم شر البلية ، هو أن الحكام الذين يدورون

في فلك أسيادهم من الاميركان والصهاينة

يتسابقون للخضوع لهيمنة الصهاينة وتحكم

واشنطن .

ليس هذا فحسب تصور يا غسان ان هؤلاء

المارقين قلبوا وزيفوا الحقائق ويتهمون

الفلسطينيين بالاعتداء على الاسرائيليين .

ويعتبرون أن أرض فلسطين هي لليهود

التزاما بما وقعه عبدالعزيز آل سعود ( عميل

بريطانيا ) من أنه ” يوافق على اعطاء فلسطين

لهؤلاء اليهود المساكين ” .

عملاء كانوا ، وعملاء هم ، وعملاء سيستمرون

يخضعون للصهاينة .

لذلك نحن نعيش في لحظة مصيرية تتطلب

أن نترجم ما آمنا به طوال سني نضالنا

الوحدة العربية ، هي طريق تحرير فلسطين .

وهذا يعني بلغة الوم وحدة فصائل المقاومة

العربية ، هي طريق التصدي لدحر العدو الذي

غزا أرضنا ، وأقام عليها قاعدة للهيمنة على

المنطقة .

عشنا خمسة عقود ، ورأينا كيف يجيش العدو

عملاءه ليقاتلوا معه ضدنا ، فكانت حرب

لبنان التي اصطف فيها الاسرائيليون الى جانب

قوى اليمين العميلة لضرب الحركة الوطنية اللبنانية

والمقاومة الفلسطينية

وفشلوا .

فكانت الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل يوميا ضد

القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية .

وفشلوا .

وجاء الغزو الاسرائيلي المباشر بعد عشر سنوات

من مغادرتك هذا العالم في العام 1982.

اسرائيل لبنان للقضاء على القوات المشتركة و

لترحيل قواتنا بعيدا عن الحدود مع بلادنا …

بعيدا عن عكا مسقط رأسك

وفشلوا .

ودخلنا في مرحلة الخداع والتآمر السياسي فكان

كمين اتفاق اوسلو ، ويحاولون تحويل م ت ف

الى شرطي يحمي اسرائيل من مقاومة شعب

فلسطين

واتضح الأمر كله

اسرائيل لاتريد السلام انها تريد ابتلاع

كل فلسطين ، والهيمنة على منابع النفط

والغاز والتحكم في العالم العربي بأسره

واغتالت اسرائيل عددا كبيرا من القيادات

واستخدمت ” خارقة كافة القوانين ” ، أسلحة

الجيش المحتل في مهاجمة الأراضي التي احتلتها و

هانحن الآن نقاوم مؤامرة الصفقة

التي أهدى فيها ترامب لنتنياهو القدس

والضفة والجولان

ويسعدني بعد هذا أن أخبرك بأننا

لم نيأس ، ولم نستكن .

نحن نقاوم ، وسنصعد مقاومتنا ، ونشدد

من قوة هجومنا الدفاعي ، وسوف

نهزم مخططاتهم ، ونهزمهم لنصل الى عكا

ويافا .

ياغسان

ان شعبنا جبار فعلا ، فهم أناس يقاتلون

تحت شمس الأغوار الضارية ، وعلى قمم جبل

الشيخ التي تغطيها الثلوج ، ولن يتوقفوا

الا بانهاء الاحتلال الاستيطاني ، ورفع راية

الحرية والاستقلال .

رسالتي لك تحمل لك نسمة من جبالنا

وروابينا ، وتحمل لك البشرى

اني والله ياغسان أراها كما أرى

الشمس .

سوف ينتصر شعبنا على الباطل لأن الباطل

زهوق ….

شعبنا سينتصر على الغزاة لأنه صاحب

حق ، ويقاتل لرفعة راية الحق

شعبنا سينتصر لأنه يعلم أن ما يخطط

له العدو هو افناء شعبنا ، والقضاء على

قضيتنا العادلة

وسيلفظ شعبنا من بين صفوفه كل المتساوقين

مع الخضوع ، والراكعين لقوة المحتل .

فهؤلاء لا يمثلون شعبنا ، وأنت تعلم ذلك

سوف نعود الى مدننا وقرانا ، ونلتقي معك .

أيها الغالي في هذا الزمن يفتقد الأفذاذ

أمثالك ، وأنا ببعدك عني أشعر أن

توأم روحي الذي غاب يجعلني أعيش

لأبحث عنه ، ولا بد أن نلتقي ليلتقي

التوأم .

مازلت يا غسان موجودا في كل بيت فلسطيني

وفي كل قلب يعشق الوطن ، وفي كل قبضة

تخض الليل ، وتزرع الهلع في صفوف

أعدائنا .

مقالات ذات صلة