المقالات

ثوار “الأمعاء الخاوية”

ثوار “الأمعاء الخاوية”

ربى الحسيني

لا يكتب عن معركة الأسرى للبكاء على حالتهم أو لفت انتباه زعماء القصور، بل لعرض معركة ثورية أبطالها في سجون الاحتلال، لعل هناك من يأخذ عبرة أو يجعل منهم شرارة لثورته.

تنشغل عائلاتهم بعدّ أيام الإضراب عن الطعام، بانتظار أي خبر عنهم، فسامر العيساوي تخطى اليوم ال213، وطارق قعدان وجعفر عز الدين دخلا يومهما ال86، أما أيمن شراونة فدخل شهره الثاني، وهو الذي أضرب سابقاً 140 يوماً.

يصر هؤلاء على خوض معركة «الأمعاء الخاوية» حتى النهاية دفاعاً عن حقهم وحق الأسرى الآخرين وحق أي فلسطيني أو عربي يقع في يد الاحتلال. وتواجه سلطات الاحتلال الأسرى الأربعة بالاعتقال الإداري من جهة، وهي حالة عز الدين، أو بتعديل على أمر عسكري يقضي بإعادة اعتقال المحررين في صفقة «شاليت» من دون أي أدلة ضدهم، وهي حالة العيساوي.

سامر العيساوي: دفاعاً عن الأسرى

سامر عضو قديم في «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين»، اعتقل في الانتفاضة الثانية أو انتفاضة الأقصى في العام 2001، وحكم عليه بالسجن 26 عاماً بتهمة الانتماء ل«كتائب المقاومة الوطنية» التابعة للجبهة، بحسب مدير مركز «الحريات والحقوق المدنية» حلمي الأعرج.

لم يتخطّ اليوم ال31 من عمره، يقول الأعرج ل«السفير»، قضى منها عشر سنوات في السجن قبل الإفراج عنه في صفقة «شاليت» لتبادل الأسرى، وذلك في 18 تشرين الأول العام 2010. يذكر أنه كان قد اعتقل سنتين قبل الانتفاضة بالتهم ذاتها.

وفي 7 تموز العام 2012، قررت سلطات الاحتلال إعادة اعتقاله بحجة أنه خرق شروط الاتفاقية بذهابه إلى ضاحية الرام في القدس المحتلة، وذلك يقع ضمن التعديل العسكري الجديد. ويطالب الاحتلال اليوم بإعادة الحكم السابق ليقضي 16 عاماً أخرى في السجن.

أما اليوم، فقد «رفضت المحكمة الإفراج عنه بالكفالة وأجلت القرار للتداول والدراسة شهر كامل… ما يعطي تشريعاً بالقتل»، بحسب الأعرج.

وعائلة سامر، تشبه غالبية العائلات الفلسطينية، ففي منزلها شهيد وأسرى حاليون ومحررون. شقيق سامر استشهد في صفوف «الجبهة الديموقراطية» في انتفاضة الحجارة، وعم آخر استشهد أيضاً مع الجبهة في جنوب لبنان، يشرح الأعرج.

ولا تتوقف اللائحة هنا، فشقيقه شادي اعتقل منذ عدة أيام، وهو أصلاً أسير سابق، أما الذي قضى المدة الأطول في الأسر فهو مدحت الذي أمضى 20 عاماً متفرقة في المعتقل، وهو لم يتجاوز اليوم ال38. وشقيقته شيرين بدورها أمضت حوالي سنة في المعتقل.

ووفقاً للأعرج، الحل اليوم «ليس قانونياً بل سياسي، أي أن توعز الحكومة الإسرائيلية للمحكمة بالإفراج عنه، وبذلك توجد مخرجاً لهذه المعضلة». وإذا لم يحصل ذلك، «فإن الأسرى مصرون على مواصلة حربهم، فمنذ البداية كان واضحاً أنها معركة كسر عظم»، فالاحتلال يتخوف من الإفراج عن أسير محكوم، لأن ذلك قد يفتح الأبواب أمام حالات أخرى.

ويؤكد الأعرج أن «قضية العيساوي هي الأولى من نوعها، فهو يرفض إعادة اعتقاله لأنها حصلت من دون وجه حق». و«الخوف الآن يكمن في تعرضه إلى الموت المفاجئ، كما أبلغه الصليب الأحمر… لكنه مصر على الاستمرار دفاعاً عن صفقة التبادل، والأسرى الآخرين».

طارق قعدان: حكاية عائلة أسيرة

هي ليست قصة أسير واحد بل رواية عن عائلة أسيرة لم تنته بعد. تحدثت «السفير» مع شقيقه معاوية ليسرد مسيرة طارق وعائلته مع «مطاردة الاحتلال».

بدأ الاحتلال بمطاردة طارق في العام 1988 أي فترة انتفاضة الحجارة، يقول معاوية، «واليوم هو الاعتقال الرقم 14، 11 منها إدارياً وثلاثة أحكام بتهمة الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي». لم يبقى طارق ثلاثة أشهر خارج السجن، ليتم اعتقاله مجدداً في 23 تشرين الثاني الماضي، وبدأ بعد أربع أيام إضرابه عن الطعام إثر صدور الحكم الإداري. وبالطبع ليس هناك تهمة معينة، بل ما حصل أساساً، بحسب معاوية، هو «رد فعل سلطات الاحتلال على الانتصار في غزة».

ومن هنا ندخل إلى قصة العائلة المكونة من ثلاثة شبان (طارق ومحمود ومعاوية) ومنى الفتاة الوحيدة. منى اعتقلت قبل طارق بعدة أيام أي في 17 تشرين الثاني الماضي، وهي التي أُفرج عنها في «صفقة شاليت». وكما هي الحال مع العيساوي، تطالب سلطات الاحتلال بإعادة حكمها القديم.

وأمس، قررت المحكمة تأجيل البحث في قضيتها إلى 19 آذار المقبل. ومنى مخطوبة لأسير هو إبراهيم إغبارية، المحكوم بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل أربعة جنود إسرائيليين في عملية اقتحام معسكر «جلعاد» في العام 1992. سمع إبراهيم الكثير عن منى ورأى صورتها على صفحات الجريدة، فما كان منه إلا أن طلب يدها من أخيها طارق وهو المعتقل وقتها، يشرح معاوية.

ولم تنتهِ حكاية العائلة مع الاحتلال هنا، فمحمود وهو الشقيق الأكبر، اعتُقل ست مرات، ومعاوية ثلاث مرات، بسبب انتمائهم إلى «الجهاد».

جعفر عز الدين: حكم إداري مؤجل دائماً

لجعفر قصة طويلة مع الأسر، بدأت منذ الانتفاضة الأولى، مروراً بانتفاضة الأقصى في العام 2000 إلى اليوم. خمسة اعتقالات، جميعها في إطار الاعتقال الإداري، بحسب ما يقول شقيقه محمد عز الدين ل«السفير». ومجموع السنوات التي قضاها في السجن خمس سنوات ونصف سنة، من بينها عام ونصف العام متواصلة.

تم الإفراج عن جعفر في تموز الماضي، إثر معركة «الأمعاء الخاوية» التي أطلقتها «الحركة الأسيرة» في 17 نيسان العام 2012 وانتهت بعد 26 يوماً حين رضخ الاحتلال لمطالب الحركة الأسيرة، وأُفرج وقتها عن الأسرى الإداريين بعد انتهاء محكوميتهم. إلا أن جعفر خاض وقتها إضراباً استمر 54 يوماً احتجاجاً على اعتقاله الإداري، بحسب شقيقه.

لكنه لم يمكث خارج المعتقل سوى شهر ونصف الشهر، يقول شقيقه، فاعتُقل في 22 تشرين الثاني الماضي لأنه ببساطة تضامن مع الأسرى. وجعفر بدأ إضرابه يوم الحكم عليه إدارياً أي في 27 تشرين الثاني الماضي.

«لا يوجد أي تهمة في الحكم الإداري… لو كان له أي نشاط سياسي لكانوا حاكموه… إن الإسرائيليين بعد حرب غزة قرروا الانتقام من الشباب»، يقول محمد. أما وضعه الصحي، فبالطبع سيئ جداً، فهو «لا يزال يعاني من تبعات الإضراب الأول».

يذكر أن محكمة العدل العليا في القدس رفضت طلب الاستئناف بحقه في 13 شباط الحالي، حيث «طالبت النيابة بتجديد الاعتقال الإداري بحجة المعلومات السرية»، بحسب محمد. ومن المفترض أن تعقد المحكمة في 21 من الشهر الحالي، «أو يتجدد الاعتقال أو يفرج عنه».

ويفيد محمد بأن سلطات الاحتلال «عرضت على جعفر التجديد له ثلاثة أشهر فقط بشرط تعليق إضرابه»، إلا أنه طلب قراراً من محكمة أو اتفاقية تحفظ له حقه، ولكن طلبه قوبل بالرفض، فما كان منه إلا أن استمر في معركته.

أيمن شراونة: إضراب مستمر

اعتُقل أيمن للمرة الأولى في العاشر من أيار العام 2002، بعد خمسة أيام من تنفيذه عملية بئر السبع مع رفيقه مراد الرجوب، وهما المنتميان ل«كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة حماس. وأسفرت العملية وقتها عن إصابة حوالي 24 جندياً إسرائيلياً.

وحكمت سلطات الاحتلال على أيمن بالسجن 38 عاماً، بحسب ما يقول شقيقه جهاد ل«السفير»، وأُفرج عنه في «صفقة شاليت». ليعيد الاحتلال اعتقاله في آخر كانون الثاني العام 2012، ولكن هذه المرة في إطار الحكم الإداري، وكما حال غيره من الأسرى، يريد الاحتلال إعادة محاكمته بتهمه السابقة.

ويشرح جهاد أن شقيقه بدأ إضراباً عن الطعام في تموز الماضي، إلا أنه علقه لفترة ممتدة بين 20 كانون الأول والأول من كانون الثاني، ولكن سلطات الاحتلال لم تتجاوب مع مطالبه، فدخل مجدداً في إضراب استمر حتى اليوم.

ومن المفترض أن تعقد اليوم المحكمة الخاصة بأيمن، ويأمل شقيقه الإفراج عنه ليس فقط من أجل صحة أيمن، إنما أيضاً من أجل والدته التي دخلت هي أيضاً في إضراب عن الطعام منذ أربعة أيام، وتصر على عدم إيقافه بالرغم من وضعها الصحي المتدهور.

السفير، بيروت، 20/2/2013

مقالات ذات صلة