المقالات

غزو العراق لتصفية القضية الفلسطينية..

غزو العراق لتصفية القضية الفلسطينية..

نواف الزرو

حينما كتب محمد حسنين هيكل في مطلع الثمانينيات قائلا: إن كل الاحداث بعد كامب ديفيد أخذت تتحرك لصالح اسرائيل”، كان مصيبا وعميقا، وحينما أشار عدد من كبار المحللين والسياسيين الى “أن غزو وتدمير العراق إنما كان في اجندته الخفية لصالح اسرائيل”، فقد أصابوا، وكنا كتبنا في حينه: إن كان الحصاد الصهيوني – الإسرائيلي من وراء العدوان على العراق واحتلاله وتفكيكه ينطوي على آفاق وتداعيات استراتيجية تعم المنطقة برمتها، فإن الحصاد الاستراتيجي الأساسي المخطط والمبيت له من وراء العدوان، يتعلق بصورة مباشرة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على الأرض هناك في فلسطين، ويتعلق بالوجود الفلسطيني وبالقضايا والحقوق الفلسطينية الجوهرية التي كان ولا يزال مطلوبا تصفيتها، وقد ربطت المحافل والمصادر والتحليلات والتوقعات السياسية والاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية وغيرها، ما بين العدوان على العراق وضربه وتفكيكه واحتلاله، وما بين تداعيات ذلك على القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وفي صميم ذلك يأتي اعتراف نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق جون بريسكوت- الذي حصل على لقب “لورد” بعد استقالته من منصبه- امس الأول، فيكشف النقاب عن الهدف الكبير المخفي وراء غزو وتدمير العراق قائلا: إنه “أيّد الحرب على العراق عام 2003 لاعتقاده بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش وقتها لديه خطة لتسوية – أي تصفية – الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني- أي لصالح اسرائيل”، مؤكدا: “أن غزو العراق لا يمكن تبريره وكان قراراً خاطئاً-1 / 03 / 2013”.

فاسرائيليا، ربطت الادبيات السياسية الاسرائيلية ما بين تدمير العراق وتصفية القضية الفلسطينية، أعربت مصادر عسكرية إسرائيلية عن أملها في: “أن تغير النظام في العراق أساسي بمقدار ما يؤدي إلى إضعاف الفلسطينيين”، في حين كان بلدوزرهم شارون قد صرّح قائلاً:” إن هجوماً أمريكياً ناجحاً ضد العراق يمكن أن يؤدي إلى وجود فرصة جديدة أمام المسيرة السياسية في المنطقة، فطالما لا يتوفر خيار عسكري لدى العرب سيبدون استعداداً أكبر لإجراء مفاوضات وللتوصل لحلول وسط”، في حين قال الجنرال أهارون زئيفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية آنذاك قائلاً:” إن الحرب ضد العراق ستؤدي إلى تهدئة المناطق الفلسطينية، وإلى اعتدال المنظمات الفلسطينية خشية قيام إسرائيل بعملية حربية واسعة النطاق”، غير أن أبلغ إشارة رابطة بهذا الصدد جاءت على لسان نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني الذي أعلن محرضاً: “أن الحرب ضد العراق يمكن أن تدفع عملية السلام الفلسطينية -الإسرائيلية إلى الأمام- وفق الاجندة الاسرائيلية “. ولذلك، وعلى هذه الأرضية والخلفية حصراً، سارعت الإدارتان الأمريكية الإسرائيلية معاً، حالما” سقطت بغداد ” إلى توجيه رسائل التحذير والوعيد للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وإلى دعوتهم لاستخلاص العبر والدروس مما جرى في العراق، وإن كانت الإدارة الأمريكية قد وجّهت تحذيراتها بشكل اساسي لسورية، فإن الحكومة الإسرائيلية أعربت عن املها في أن: “يستخلص الفلسطينيون العبر المناسبة من بغداد وأن يختاروا قيادة مسالمة أكثر تعمل على مكافحة الارهاب”، فيما عبّر الجنرال شاؤول موفاز وزير الحرب الإسرائيلي والوجه الأكثر فاشية في حكومة شارون حينئذ، عن وجهة النظر الإسرائيلية عموماً قائلاً:” آمل أن يتعلم الفلسطينيون الدرس من سقوط الرئيس العراقي صدام حسين بأن ينصبوا قادة جدداً وأن يوقفوا انتفاضتهم، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تعمل على معاقبة المتشددين الفلسطينيين وإجبارهم على القاء سلاحهم، وآمل أن يفهم الفلسطينيون بأن العالم قد تغير”، وذهب ايهود اولمرت نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس بلدية القدس السابق في ذلك الوقت، إلى أبعد من موفاز بمزيد من التفصيل حينما قال: ” إن على الفلسطينيين أن يعوا أن نتائج الحرب تفرض عليهم مرونه كبيرة بل غير مسبوقة بكل ما يتعلق بسقف توقعاتهم من أية عملية سياسية معنا، وعليهم أن يعوا أنه لا طائل من الان فصاعداً من الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة، ولا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين”. ولعل البروفيسور الإسرائيلي المناهض للصهيونية “يسرائيل شاحك” كان خير من شرح تلك الاستراتيجية الصهيونية، حيث قال: “إن الهدف الرئيسي للسياسة الإسرائيلية هو السيطرة الإقليمية على الشرق الأوسط بأكمله، والمخطط الإسرائيلي هو تحييد الفلسطينيين والسيطرة التامة عليهم، حتى تتفرغ إسرائيل لتحقيق اهدافها الحقيقية، والسيطرة على الشرق الأوسط أكثر أهمية في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي”.

ولذلك حينما أجمعت القيادة العراقية لاحقاً كما أعلن طارق عزيز على :”أن الحملة الأمريكية هي حرب شاملة على الجميع، وأن العراق وفلسطين الهدف المباشر ولن يسلم أحد من الخطر، وأن إسرائيل هي المتهمة التي تقف وراء الحرب”، إنما كانت تحذر العرب من ذلك المخطط، وهو ما أكده باتريك بوكنان المرشح السابق لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حينما كتب يقول: “إن أنصار إسرائيل استدرجوا بوش إلى كمين الحرب”.

ويبدو اليوم وبعد هذا الاعتراف على لسان نائب رئيس الوزراء البريطاني وإن جاء متأخرا جدا، هو الحقيقة الكبرى في المشهد العراقي، وإن كانت الادارتان الامريكية الاسرائيلية فشلتا في تصفية القضية الفلسطينية، إلا أن المخطط مستمر، فما كان في المشهد العراقي، نتابعه اليوم في المشهد السوري عبر سيناريو آخر مختلف، فالذي يجري في سورية من تدمير للدولة والجيش والوحدة إنما يصب في الخلاصة الاستراتيجية لصالح الاجندة الاستراتيجية الاسرائيلية ..!

العرب اليوم، عمّان، 3/3/2013

مقالات ذات صلة