المقالات

حكومة التناقضات المعبرة عن هيمنة اليمين الإسرائيلي المنقسم على ذاته

حكومة التناقضات المعبرة عن هيمنة اليمين الإسرائيلي المنقسم على ذاته

حلمي موسى

تختلف حكومة إسرائيل الجديدة عن كل سابقاتها بما تحويه من تناقضات. وتبلغ هذه التناقضات ذروتها إذا أخذنا بالحسبان نتائج الانتخابات العامة. ومن الجائز أن التناقض والاختلاف يبرزان هذه المرة أكثر من أي وقت مضى على أرضية تغيير المعايير وربما منطق القياس. فالحكومة الجديدة من وجهة نظر سياسية حكومة متجانسة وقد تكون أكثر تجانسا من حكومات سابقة كثيرة. كما أنها من وجهة نظر أيديولوجية ليست مفرطة التناقض وربما أقل من غيرها.

فمن وجهة نظر سياسية يمكن القول ان حكومة نتنياهو الجديدة هي أكثر تطرفا من الليكود قبل الانتخابات الأخيرة. وبينما يمكن تصنيف يائير لبيد من «هناك مستقبل» وتسيبي ليفني من «الحركة» ضمن خط التيار المعتدل سابقا في الليكود يمكن اعتبار نفتالي بينت من «البيت اليهودي» أشد تطرفا. ومن وجهة نظر أيديولوجية تعتبر كل مكونات الحكومة الحالية، عدا البيت اليهودي، علمانية من نوع يمين الوسط. والبيت اليهودي، رغم احتوائه على عناصر قريبة من التوجه الحريدي إلا إنه أقرب إلى منطق الدولة العلمانية من أي شيء آخر.

لكن الحكومة الجديدة تعاني اختلافات حادة على الصعيدين الشخصي والمجتمعي. فالكثير كتب عن العداء الذي يكنه بنيامين نتنياهو وزوجته لزعيم البيت اليهودي نفتالي بينت الذي سبق وكان رئيسا لطاقم نتنياهو. ورغم الحفاوة التي حاول بها نتنياهو استقبال زعيم «هناك مستقبل»، يائير لبيد فإن التنافس بينهما على زعامة المجتمع وعلى حشد الناخبين، شكل أرضية صلبة للعداء. وجاءت المفاوضات الائتلافية لتؤكد مقدار انعدام الثقة بين نتنياهو وكل من لبيد وبينت.

غير أن الخلاف الجوهري يستند في أساسه إلى تناقض الرؤية بين ما بات يعرف في إسرائيل بالسياسة الجديدة وتلك التقليدية أو القديمة. وقد قامت السياسة القديمة على أساس الصراع بين معسكري اليمين واليسار وبين أنصار التسوية السياسية ومعارضيها. وولدت تلك السياسة ما عرف بالتحالف الطبيعي الذي جعل من القوى اليمينية الدينية والقومية شركاء استراتيجيين في الائتلافات الحكومية وحتى خارجها. وتقريبا منذ أربعة عقود وهذا التحالف يسند أطرافه عبر المزيد من الميزانيات للمستوطنين من ناحية وللحريديم من ناحية أخرى.

ويبدو أن تطور الأوضاع سواء لجهة زيادة ثقة إسرائيل بنفسها أو مخاطر تدهور اقتصادي محتمل واحتجاجات الطبقة الوسطى قاد إلى نوع جديد من التحالف ظهر أثره في التحالف بين «هناك مستقبل» و«البيت اليهودي». وقاد هذا التحالف شابان قادمان من بيئة يمكن اعتبار أنها تمثل إسرائيل الجديدة سواء تلك العلمانية المرتكزة إلى التقاليد أو التدين الصهيوني غير التقليدي. وعلى الأقل من الناحية الرسمية ارتكز التحالف الجديد ليس على أساس التقسيم التقليدي وإنما على أساس جديد.

وللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل المعاصر ينقسم اليمين في تحالفاته على نفسه. فالليكود، الذي كان قيادة اليمين، لم يعد المعبر الأبرز عن تطلعات المستوطنين، وخصوصا بعدما ازداد تطرفا وأبعد عن مراكزه الأولى من كانوا يعتبرون معتدلين. واليمين الديني انقسم على نفسه هذه المرة بشكل علني بخروج الصهيونية الدينية على الحريديم وقبولها بمبدأ إخراجهم من الحكومة والائتلاف. كما أن العلاقة بين اليمين الديني واليمين القومي لم تعد تقوم على أساس تبعية الأول للثاني كما كان سابقا وإنما على أساس التنافس الجاد بينهما وبشكل مفتوح.

وللمرة الأولى أيضا يغدو المستوطنون بالأصالة وليس بالوكالة أسياد الحكم ويقررون من يريدون. واحتل بعضهم المناصب الأعلى في الدولة المسؤولة عن توسيع الاستيطان وتمويله. وكتبت «هآرتس» في افتتاحيتها حول هذا الشأن أن «الوزارات المسؤولة عن التخطيط والبناء في المناطق ـ الدفاع، الاسكان، الداخلية والاقتصاد ـ سلمت لسيطرة المستوطنين ومقربيهم السياسيين. وتبشر هذه التركيبة بجهد مركز لتوسيع المستوطنات وتعميق الضم الزاحف للضفة الغربية». ومن المؤكد أن احتلال أشخاص مثل تسيبي ليفني مناصب شكلية كإدارة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لا يعني شيئا أكثر من ورقة توت لا تغطي أي عورة.

وللمرة الأولى تقريبا لم يعد سحر الأمن ومشاكله ينطلي على قادة الحلبة السياسية خصوصا من أنصار السياسة الجديدة. ولاحظ مراقبون أن التحديات الكثيرة التي تواجهها إسرائيل على الصعد الإقليمية والدولية لم تؤثر كثيرا في موقف كل من يائير لبيد ونفتالي بينت اللذين اهتما بالمقابل بالشأن الاجتماعي – الاقتصادي أكثر. وأظهر الاتفاق الائتلافي أنه تقريبا لم يتطرق لمواقف سياسية إلا بالعموم في حين أنه أكد على تغييرات داخلية في عدد الوزراء وإصلاحات دستورية واجتماعية تتعلق بالخدمة العسكرية للحريديم وبالتعليم الديني ورفع نسبة الحسم في الانتخابات العامة إلى 4 في المئة.

وفي كل الأحوال ورغم كل ما يشاع عن تزاوج بين اليمين والوسط في الحكومة الحالية فإن الواقع يشير إلى أن الحكومة الراهنة أشد يمينية مما كانت وأن الليكود أكثر يمينية مما كان وأن الكنيست ذاته أشد يمينية. وكما سلف فالمسألة لم تعد غلبة اليمين على الوسط واليسار وإنما الصراع الدائر ليس فقط داخل معسكر اليمين وإنما أيضا داخل مكوناته الرئيسية.

فالانقسام بين الصهيونية الدينية والحريديم قد يبقى لأجيال ويتفاقم. والانقسام بين اليمين الصهيوني القومي واليمين الصهيوني الديني وخصوصا داخل المستوطنين يتعاظم. وكذلك الحال داخل الليكود نفسه الذي يشهد صراعا شخصيا عنيفا جراء التطرف في قيادته من جهة وتراجع شعبيته من جهة أخرى.

عموما يرى كثيرون أن حكومة نتنياهو الجديدة لن يطول عمرها بسبب صراعاتها الداخلية وانعدام الثقة بين مكوناتها.

السفير، بيروت، 18/3/2013

مقالات ذات صلة