المقالات

في ذكراك رفيق سعيد

يوم الخامس من حزيران – يونيو 1982 توجهنا بالسيارة من الفاكهاني في بيروت الى النبطية مع القائد أبو يعقوب، كان برفقتنا الرفيق الشهيد سعيد اليوسف عضو اللجنة المركزية للجبهة وابن مخيم عين الحلوة. كنا ننوي زيارة قلعة الشقيف (أرنون) وبعض المواقع الأخرى في الجنوب اللبناني، حيث بدأت عمليات القصف الصهيوني لكل الأرض اللبنانية، وبدأ أيضا التقدم البري لدبابات ووحدات جنود الاحتلال نحو القلعة ومحيطها.

برفقة قائد جبهة التحرير الفلسطينية وأمينها العام الرفيق طلعت يعقوب ” أبو يعقوب”.. هذا الذي يحرص المنشقين عن جبهته منذ 1983 على تغييبه وتشويه سيرته واستبدال مكانته بمناسبة وبدون مناسبة. انظروا بياناتهم وتصريحاتهم ومقالات بعض كتبتهم فسترون أن اسم الشهيد القائد الراحل أبو العباس دائما يذكر قبل اسم الشهيد القائد الراحل طلعت يعقوب. مع أن طلعت هو الأمين العام وأبو العباس نائبه. ومع أنهم يحرصون على ترويج مثل هذا الابتكار الجبهوي الانشقاقي حتى في معانيه ومقاصده.. أليس استخدام هذه المجموعة من الناس لاسم الجبهة بكل تضحياتها -تضحياتنا – استهتارا وتشويها للتاريخ… تاريخنا كلنا، تاريخ الشهيد القائد سعيد اليوسف الذي تحل هذه الأيام ذكرى رحيله وفقدانه في معركة بحمدون بالجبل اللبناني مع جحافل الغزاة الصهاينة في حزيران – يونيو 1982. يومها فُقِد الرفيق سعيد ومنذ ذلك اليوم لم يعثر له على أثر. ولا نعرف أن كان شهيدا أو أسيرا. ولا احد يعرف ذلك إلا الذين قتلوه أو اعتقلوه.

الشهيد سعيد اليوسف
الشهيد سعيد اليوسف

توجهنا مع أبي يعقوب قائد الجبهة المحبوب نحو القلعة في ارنون.. طوال الطريق من بيروت الى صيدا فطريق صور النبطية كان القصف من البر والبحر والجو مستمرا بلا توقف. وصلنا الى النبطية بأعجوبة أذهلت رفاقنا هناك. وهؤلاء بدورهم ابلغونا بان الوصول الى القلعة مستحيل لان الدبابات تتقدم نحو القلعة وتدور معارك ضارية هناك. للأسف القصف الشديد منعنا من التقدم فيما المدرعات والدبابات الصهيونية كانت تتقدم باتجاه قلعة الشقيف. لذا كانت النبطية آخر وابعد محطة جنوبية وصلناها يوم الغزو. ومن هناك انقسمنا الى مجموعتين الأولى برفقة الأمين طلعت يعقوب توجهت من النبطية عائدة الى مخيم عين الحلوة في صيدا ومن هناك الى بيروت عبر طريق الساحل. والثانية برفقة الرفيق سعيد اليوسف توجهت الى صور سالكة طريق مطار أنصار، هذا المطار الذي أصبح فيما بعد معتقلا شهيرا زج به الصهاينة آلاف المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين. لم يتمكن الرفيق سعيد اليوسف من الوصول الى دوار البص ومنطقة صور، حيث كانت الدبابات الصهيونية سبقته الى هناك. فزار قاعدة الجبهة في الشبريحا قرب نهر الليطاني ومن ثم عاد الى بيروت. في ذلك الوقت كان الرفيق طلعت يعقوب أيضا عاد الى بيروت بعد زيارة وداعية لمخيم عين الحلوة ولقاءات حارة مع أبطال الجبهة والمخيم هناك. فبعد أيام على الزيارة التاريخية استشهد أثناء صد الدبابات الصهيونية الغازية وفي معركة مشرفة الرفيقان عبد حمد وحاتم حجير، وفيما بعد غسان كايد وشربل، وقبلهم الرفيقان ابو على الحمصي وعبد الستار اللذان بقيا خلف مدفعهما في منطقة الجرمق يقصفان مستوطنات الجليل المحتل حتى استشهدا هناك يوم استهدفتهما ومدفعهما الطائرات الصهيونية. صحيح أننا لم نستطع زيارة موقعهم قرب القلعة في تلك الرحلة المثيرة، لكنهم حين تحدثوا عبر الجهاز اللاسيلكي أكدوا أنهم سوف يقاتلوا حتى الشهادة وهذا ما حصل بالفعل. هؤلاء كلهم من الرفاق الأوفياء للقائد أبو يعقوب، تماما مثلما كان القائد سعيد اليوسف وفيا لقائده ورفيق دربه الراحل طلعت يعقوب. وبعكس من خانوه وخذلوه وساهموا في وفاته المبكرة بأزمة قلبية حادة.

بعد ذلك بأيام عديدة حوصرت بيروت عاصمة المقاومة والفكر. واذكر أنني سجلت في دفتري الكلمات التالي :

(( في اليوم التالي للقصف الخيالي الذي تعرضت له كافة المناطق اللبنانية، توجهنا برفقة الأمين العام طلعت يعقوب، قائد جبهة التحرير الفلسطينية إلى الجنوب اللبناني وكان الهدف هو زيارة القواعد في قلعة الشقيف وجبل الجرمق والنبطية وصور وصيدا ومخيمات الجنوب، كانت الرحلة من بيروت إلى الجنوب كعملية انتحارية، ورفض الأمين أبو يعقوب أي نقاش في تغيير جدول العمل وتبديل أمكنة الزيارة، أصر على التوجه بداية إلى قلعة أرنون، عبر الموكب المؤلف من 3 سيارات المدينة الرياضية حيث كانت آثار القصف العنيف لازالت قائمة، وبنفس الوقت كانت القواعد الفدائية هناك لازالت قائمة بالرغم من نار جهنم يوم أمس. وكان من ضمن القادة الذين رافقوا الرفيق طلعت، عضو اللجنة المركزية للجبهة سعيد اليوسف.)) .

نضال حمد
بقلم نضال حمد

في هذه الأيام تمر ذكرى رحيل أو فقدان الرفيق سعيد اليوسف في معركة الجبل وأثناء التصدي للقوات الصهيونية في بحمدون، هذه القوات التي كانت تندفع باتجاه بيروت لمحاصرتها. أود أن أسجل بعض الكلمات لذكرى رفيقي سعيد اليوسف الذي عرفته عن قرب بحكم قربي من القائد الشهيد طلعت يعقوب. استطيع القول بأمانة وبدون تردد ولمعرفتي بذلك ان سعيد اليوسف لو كان حيا يوم انشق المنشقون عن الجبهة لكان وقف مع القائد طلعت يعقوب ضدهم. لقد كان سعيد يحترم ويجل ويلتزم بأوامر وقيادة الرفيق أبو يعقوب ولا يتردد عن تنفيذ أي قرار يأتيه منه. تماما كما فعل حين عاد بعد عودته من رحلتنا الى الجنوب وتوجه بسيارته مرة أخرى الى الجنوب عبر الجبل، ولكنه لم يصل الى الجنوب ولم يعد من الجبل الى بيروت ليبقى مفقودا في تلك المعركة وحتى يومنا هذا.

أقول كلامي هذا لمعرفتي بالرفيق سعيد اليوسف الذي كان في بعض الأحيان يسألني عن أمور طلبا لنصيحة أو معلومة تفيده، وخاصة بعض الأمور التي تخص بعض الرفاق من مخيمنا عين الحلوة، الذين عملوا تحت إمرته. ففي مرة من المرات جاء ثلاثة من أبناء المخيم وكلهم من الأصدقاء وعملوا مرافقين مع سعيد اليوسف, وبما ان سعيد لا يعرفهم جيدا طلب مني مساعدته بالتعريف بالشباب وسال عنهم كيف هم وان كانوا مدربين و مناضلين وفدائيين وقت الجد… فأجبته بالإيجاب لمعرفتي الجيدة بالشباب. هذا الاعتراف من قبلي عن سؤال سعيد عنهم يأتي بعد 33 عاما من كتمانه عنهم وفي ذكرى غياب الرفيق سعيد اليوسف.. وأمل أن يعيد لبعضهم توازن مواقفه خاصة فيما يخص جبهة التحرير الفلسطينية والذين شقوها وشوهوا تجربتها الرائدة.

الوفاء للشهداء ومنهم الرفيق سعيد اليوسف يكون أولا بالكف عن استخدامهم لإغراض شخصية ومنفعية .. وبإظهار نية صافية ورغبة واضحة في توحيد الصفوف وليس فقط في صف ألحكي ونثر الكلام هنا وهناك. والذي يرفض ويعيق منذ سنة 1983 إعادة اللحمة لصفوف تنظيم صغير وعن توحيده لا يمكنه الحديث عن وحدة وطنية وإنهاء انقسام والقيام بعملية إعادة بناء وإصلاح شاملة في منظمة التحرير الفلسطينية. والأهم لا يمكنه إقناع أي كان بأنه يمكن او يستطيع اتخاذ موقف واضح وصريح برفض سياسة الاستسلام التي تمارسها قيادته في المنظمة ويمارسها رئيس سلطته الفلسطينية.

يا رفيقنا سعيد اليوسف سوف يشهد التاريخ ان هؤلاء استخدموا ويستخدمون اسمك واسم الجبهة للمصلحة الفردية والشخصية فقط لا غير. فلا تسامحهم. أما نحن فباقون على العهد والوعد، حراس للمبادئ والقيّم ولجيل العودة والتحرير وقواعد وبنادق الفدائيين، فنم قرير العين الى جوار رفاقك الشهداء لأنه لا نهاية بدون تحرير فلسطين كل فلسطين.

– سعيد اليوسف عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية، من مخيم عين الحلوة، فُقِد – استشهد – في معركة مع الدبابات الصهيونية في بحمدون بجبل لبنان في حزيران – يونيو 1982 .

نضال حمد

* مدير موقع الصفصاف

مقالات ذات صلة