المقالات

الى المثقفين والوطنيين الشرفاء من الشعب الفلسطيني الحر

بسام ابو ليلى .. 26 أغسطس 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما فعلته بنا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية

اتفاقية أوسلو لم تكن كارثة سياسية فقط ونكبة اخرى من نكبات الشعب الفلسطيني فهي تعدت اكثر من ذلك بكثير حيث انها اصبحت الحالة الأكثر تدميراً عندما تحولت الى ثقافة . نعم يا سادة اليوم اتفاقية اسلو هي ثقافة اكثر منها اتفاقية واصبحت منهج سياسي ثقافي بنيت عليه التركيبة الفلسطينية الحديثة سواء السياسية او الأجتماعية او الثقافية او العسكرية فاصبحت الأساس والمصدر لكل الخطوات المستقبلية فهي التي تحدد المسموح والممنوع وتحدد من اين تبدأ والى اين تنتهي حدودنا الأجتماعية والثقافية . اثرت هذه الأتفاقية على منظمومة المفاهيم والرؤيا للقضايا الوطنية والأجتماعية والسياسية والعسكرية فجعلت الحلال حراماً والحرام حلالاً واستولت على العقول المنتفعة التي تسعى الى رغد العيش الذليل.

اتفاقية اسلو هذا الجرح الفلسطيني الملتهب افراز القيح بألوان مختلفة وروائح كريهة تتفاوت في شدتها وعفونتها . فكانت هناك ظواهر لهذا القيح والعفن ومنها : أنه ساوت في المعيار الأخلاقي بين المغتصب والقاتل الفاشي وصاحب الأرض والدار المغدور فأعطت للطرفين الحق بالرد على عنف الأخر فأصبح الصراع الفلسطيني الصهيوني عنف وعنف مضاد . وهنا تغيّر مفهوم الصراع حيث كان بين غرباء اغتصبوا أرضاً ليست لهم وقتلوا وشرّدوا ونكلوا بشعب اخر مسالم وهو صاحب الأرض هذا الصراع تحول الى نزاع بين شعبين على اراض وصفت بالقانون الدولي المهترئ بأراض متنازع عليها . وتحول النضال من اجل التحرير والقتال من اجل استرجاع الوطن السليب وعودة الشعب المشرد في الشتات الى صراع بين طرفين متجاورين وهناك عنف وعنف مضاد واعتداء على اراض الجوار. وأصبحت آلة القتل الصهيوني مشروعة ولها الحق بالرد على عنف الأخر.

هذه الحالة هاجمت التاريخ وحولت اصل الرواية من احتلال أرض وأحلال شعب محل شعب أخر اضعف سياسيا وعسكريا ، الى رواية أخرى تقول بأن هناك دولة وشعب ( أسرائيل ) وهناك مجموعات تسمي نفسها الشعب الفلسطيني لا تحترم القانون الدولي وتعتدى على الدولة الأصل وهذه الدولة تملك الحق بالرد بما تراه مناسب . هذه الرواية والمفهوم الطارئ الجديد كرّس الأنقسام الفلسطيني الى مجموعات تتفاوت في المفهوم والثقافة الوطنية وتتفاوت في قربها وبعدها عن سلطة الأحتلال وتتفاوت في مدى قبولها العربي والدولي وتتفاوت في مطالبها الوطنية . المجموعة الأقرب الى الأحتلال وهي المجموعة المقبولة عربيا ودوليا أختزلت الوطن والشعب وطالبت بأقامة الدولة لجزء من الشعب الفلسطيني على جزء من الوطن الفلسطيني فجعل الحق الصهيوني حق ثابت واضح غير قابل للأنتقاص سواء السياسي او العسكري او على صعيد الأرض والحق الفلسطيني حق غير واضح المعالم ليس له خريطة وقابل للتعديل والتفاوض.

وهنا دخلنا زمن المفاوضات الوقح ، ثقافة أخرى او قيح اخر من افرازات الجرح الفلسطيني المتعفن ، مجموعة من المنتفعين الأقتصاديين أرتبطوا مع المحتل بمصالح ومكتسبات أقتصادية شخصية ، فأبتدعوا تقافة جديدة وأفكار خبيثة تبناها الكثيرون من الجهلة وفاقدي الرؤيا ، وهي ان المفاوضات لا تقل شراسة عن الكفاح المسلح . هذه البدعة والخدعة التي مارسها سحرة أوسلو على الشعب المسحور والفقير حجبت عنه الرؤيا لحقيقة هذه المقايضات التي يسميها السحرة مفاوضات ، فلم يرى بأن الطرف الأقوى يحدد صفات المفاوض الفلسطيني ، وهو من يقرر من يصلح للتفاوض ومن لا يصلح ، ويتم تصفية من لا يصلح ليعتبر من يصلح ، فهو في حقيقة الأمر يبحث عن مقايض ولا يبحث من مفاوض. وهناك حقيقة أخرى لا يراها الشعب الفلسطيني وهي ان المقايض الفلسطيني مهزوم اخلاقياً وعسكرياً وسياسياً وثقافياً أمام المفاوض أو الحاكم الصهيوني فهذه العلاقة بينهما هي علاقة المغالبة ، وفيها الغالب والمغلوب مسبقاً ، وقبل فنجان قهوة أهلاُ وسهلاً بكم في مبنى الشباك .والمغلوب وهو الفلسطيني يعرف تماماً بأن الأعتراض على ما يمليه الصهيوني يعني انه سيذهب الى القبر لا محالة وكل ذلك تحت الرعاية الدولية المنحازة انحياز وقح الى الدولة المحتلة المتغطرسة . أذن هذه مقايضات وليست مفاوضات يا شعب التضحيات والمذابح العلنية والسرية يا شعب الجبارين الذين تحول بثقافته الجديدة الى شعب المساكين.

بعد عشرون عاماً من شرب قيح أوسلو والتدجين والتهجين والمقايضات المستمرة والأصدارات الثقافية مثل الحياة مفاوضات تبلورت ثقافة جديدة وانهزام حضاري اخر في تقيمي انه مرض عضال يحتاج الى علاج طويل المدى وقد يحتاج الى البتر والمبضع ، أفرز الجرح الفلسطيني المتعفن جيل جديد بثقافة جديدة تحمل مفرادات جديدة وبديلة أحتال بها السحرة على الشعب المسحور الذي حوّل بفعل هذه الثقافة مجموعات كبيرة من الجيل الجديد الى منتفعين متسلقين يقولون بأنهم واقعين وليسوا مغلوبين فهذه هي مفردات القاموس المقلوب التي تسند على ثقافة أوسلو . هذا الجيل الذي يرضع القيح ويتربى على الثقافة البديلة ، ثقافة الواقعية والعلمانية وقبول الأخر ويعتنق مفرادات الأنكسار والأنهزام والتفريط بقالب جديد هذا الجيل الذي لا يعرف ما معنى الصهيونية والأمبرالية والأستعمار والثورية والثورة كل هذه الشعارات في قاموسه البديل شعارات لحركات متخلفة قادت الأمة الى التخلف والهزيمة فهو يرى الثورة عنف ويرى الأستشهاد سفك دماء ومقاومة المحتل عبث واقامة الدولة المستقلة تسّلط والعمل الثوري أرهاب وحرية الرأى فوضى والمطالبة بالحقوق تجاوز على السلطة والأنتقاد في قاموسه قدح مقامات عليا . في ثقافته الرديئة ان أسرئيل أمر واقع وان نكبة 1948 كانت نتيجة عدم القبول بقرار التقسيم فنحن لا نجيد انتهاز الفرص فأصبحت الجرائم الصهيونية خارج حسابات التاريخ وأصبح هذا الجيل يروج للفشل أكثر مما يروج للحق وأصبح خطاب الأستسلام والأقرار بالهزيمة وان المقاومة كارثة هو موقف حضاري وطني يصب في مصلحة الوطن والمواطن .

هذه الثقافة التي افرزها الجرح الفلسطيني المتعفن ( أوسلو ) غيّرت الرواية التاريخية التي يستند عليها الحق الفلسطيني بأرضه التاريخية وكل ما تفعله المجموعة التي تتحكم اليوم بالقرار الفلسطيني والمقدرات الفلسطينية من خطوات على الصعيد المحلي او الدولي هي خطوات لتكريس الحالة الفلسطينية الجديدة بثقافتها الجديدة بقيحها المتعفن. الرواية الفلسطينية في خطر وتتعرض للتشويه وخذفاً للنصوص واحلال نصوص اخرى لا تمت للواقع الفلسطيني بصلة واللوحة الفلسطينية أصبحت ألوانها باهتة يصعب التعرف عليها وبعض ملامحها اخذت بالتلاشي وهذه كارثة للأجيال القادمة حيث ان تكريس دولة اسرائيل على خرائط العالم العربي هو تكريس الذوبان الفلسطيني فهذه ليست واقعية وليست عقلانية بقدر ما هي مؤامرة على الذوبان والتلاشي والأختفاء القصري لفلسطين.

خلاصة القول:

من يتحدث اليوم أو يكتب مستخدماً مفردات الثورة والثورية والمقاومة والتحرير ، ويدعو الى الحرية والكرامة والأستقلال الوطني أو الذاتي ، وأسترجاع الحقوق المدنية والسياسة والوطنية ، سواء كانت مهدرة أو مغتصبة أو مسلوبة أومغيبة أو مباعة بسوق الواقعية والعقلانية والتكتيك والفلهوة السياسة ، التي أشتهر بها بعض قادتنا ، يدخل هذا الكاتب قائمة المحرضين على الأرهاب والراعين له ، وأذا كان كلامه لاذعاً وغير رطب بعبارات المجاملة وتلميحات الخضوع ، رغم القول المفضوح ، فيدخل قائمة الأرهابين المطلوبين فهناك حدود لكل شيء في وطني ، وأكثرها وضوحاً ، حدود حرية التعبير والنقد والمراجعة ، فالقانون يكفل لك حرية أنكار الوجود الألهي ولا يحق لك أنكار القرار الرئاسي ، وعند هذه الحدود تتوقف الأقلام ، وتصمت الحناجر ، ويقٌتل منظرين الحالة الثورية، ومنظرين الحياة الحرة الكريمة ، ويسدل الستار على مسرحية بشعة ودنيئة بكل في الكلمة من معاني ، يسدل الستار على مسرحية تشكل في حد ذاتها حرب على المفاهيم والمعاني، بدون تقيم أو نقد، فالمشروع الغير مشروع ، يمرّر من خلال مسرحية الواقعية والعقلانية . علينا الوقوف بوجه المشروع الغير مشروع ، الذي يحاول البعض تطبيقه علينا ، وأقناعنا به ، وتفرض علينا الظروف المحيطة ، الحيطة والحذر من اليد الخفية ، التي تخنق كل صوت ، وهنا علينا وبهدوء أن نقف موقف الناقد المحايد ، الذي لا يقف مع المسرحية ولا مع المشاهد المسكين ، الذي لا يملك ألا ان يصفق للممثلين مهما كان المشهد سخيفاً أو خطيراً أو خارج عن النص .

هنا النص المسرحي والسيناريو القبيح ، وصل الى الذروة ، وأخذت الأمور تتعقد والخروج عن النص أخذ مداه ، ولا يجب السكوت على هذه المهزلة ، لذا علينا ان نقول وبصوت عالي من هم رعاة المشروع القذر والأشارة الصريحة الى ماهية المشروع القذر وما هي تفاصليه ، بدون تبريرات لأصحاب النص السيء وبدون مورابات ومجملات وتجميل للعبارات وتسويف للمعاني التي تسخّف العقول وتضحك على الذقون . لقد مارست الأدارة الأمريكية حقها في التقيم والنقد فأصدرت قائمة تقول عنها القائمة السوداء رغم نصاعة بياضها ، تتضمن أسماء من هم أرهابيون ومن هم الداعمون لهذا الأرهاب وأصدرت القوانين التى تلجم خطرهم ووجودهم فداهمت وسجنت وعذبت وقتلت ودمرت وعربدت ولم نفعل شيء سوى ان نبكي كالنساء على ملك لم نستطع حمايته والحفاظ عليه كالرجال . أدعو كتبة الكلمة الأمينة الشجاعة ، المناصرين لحقوق الوطن والمواطن ، لتشكيل كتيبة من الأقلام ، تكون بمثابة الحرس الثقافي العربي تحمي الثقافة واللغة والجغرافيا والتاريخ العربي ، وأول ما تقوم به هو أصدار قائمة قاتمة السواد ، يوضحون فيها وبها من هم رعاة المشروع الصهيوني ، والداعمون له وأصدار قائمة الأجراءات التي يجب أتخاذها للجم خطرهذا المشروع ، ووجوده ، وعليهم القول الصريح بلا مواربة وبلا تجميل للكلمات وبدون مجاملات وبدون الكلام الدبلوماسي عليهم التصريح من هم دعاة المشروع الصهيوني وأساليب عملهم ومن يدعمهم وكيف يتم الدعم وألياته ، ومن أرتبط مع هذا المشروع سياسياً وأقتصادياً وأجتماعياً ، وتوضيح مدى الخراب الذي أصاب الشعب العربي وثقافته ، وكيف أعدم الحق العربي وتم أتلاف وتشويه ملفات قضيته العادلة ، وكيف يتم التخلص من المستندات التاريخية والوطنية لقضية شعب يمارس عليه التجّهيل وحجب الرؤيا ومنع يقظته، وأحلام هذه اليقظة مهددة بالأغتيال ، وأن مقاولين السياسة العرب ومقاولي الأغتصاب و الأحتلال الصهاينة ومتعهدي الدمار والقتل والعربدة أسسوا شركة قابضة أخذت على عاتقها تمزيق الجغرفيا وطمس التاريخ وأبادة البيولوجيا وتشويه اللغة والحرب على المفاهيم وتحريف العقيدة وتفسريها كما يحلو لما ملكات أيمانهم . يجب أصدار القائمة التي تحدد من هم دعاة التدمير الوطني والأجتماعي والأقتصادي والسياسي وفضح أساليبهم وشخصياتهم وبرتوكولاتهم الجديده ، المضافة للبرتوكولات الصهيونية القديمة فالجديدة أدهى وأمر لأن صاحبها ومنفذوها منا وفينا ، علينا الكتابة عن هذه الزمرة الفاسدة المفسدة بدون مبرارات وتفسيرات تسوف المعاني وتغتال الكلمات .

ندعو الكتاب والصحفين والمؤرخين والمفكرين العرب الشرفاء الغيورين على هذا الوطن ومقوماته ان يبادروا الى تأسيس دار الأفتاء السياسي العربي تعمل هذه الدار على أنجاز الدراسات الأستراتيجية ونشرها وتقديم التوصيات والنقد والمحافظة على الحضارة العربية والجغرافيا والتاريخ وأعادة الأعتبار للمفردات التي تم شطبها من قاموس اللغة ، ندعوهم للمبادرة الى المحافظة وأعادة ما تم تحريفه وتشويه ، أعيدوا ترتيب البيت العربي ، أعيدوا ترتيب صفوفكم لمواجهة الخطة الموضعة من خلال كتاب أوراق ديمقراطية أعيدوا الوجه المشرق للحضارة العربية الأصيلة أعيدوا المجد لهذه الأمة وتاريخها العريق أطردوا الخوف وأستلوا أقلامكم ، وأذا نفذ مدادكم فدماء الشرفاء من هذه الأمة الغيورة على شرفها وتاريخها ستكون لأقلامكم المداد ، أنهضوا رحمكم الله

كابتن بسام ابو ليلى

26 أغسطس 2020

 

مقالات ذات صلة