أرشيف المنتدى

وظلم ذوي القربى أشد مرارة من ظلم الغربة!.

وظلم ذوي القربى أشد مرارة من ظلم الغربة!.

دعونا نتساءل، هل كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يمتلك الشخصية القادرة على قيادة شريحة عريضة من الشارع اللبناني كما يفعل الآن، لو لم تختاره الأقدار ليكون الوريث الشرعي للسيد كمال جنبلاط؟!.

مسألة التوريث السياسي في لبنان وعموم الوطن العربي هي جزء من تركيبة الشخصية العربية. وإذا ما إستثنينا التوريث الملكي، فهو عُرف يُعمل به، بالرغم من عدم تقنينه في الدساتير العربية، لكنه أكثر عراقة من الدستور!. فما أن يغادر الزعيم لأي سبب كان الحياة السياسية، حتى يهتف الجميع بحياة الإبن الوريث للزعامة القادمة. والكل لا يرى في ذلك غضاضة، بغض النظر عما إذا كان هذا الوريث يصلح لإرتداء عبائة الزعامة أم لا، يكفيه شرف النسب ليستحق منا الهتاف والمبايعة.. وليصبح الزعيم المنتظر!.

ما دفعني لقول ذلك، هو حوار دار بيني وبين أحد رفقاء رحلة سفر إستمرت لأكثر من عشر ساعات. أرقام مقاعدنا المتجاورة داخل الطائرة هيأت التواصل، ومن ثم البحث عن وسيلة تُنسينا معاناة الرحلة.

بعد التعارف، علمت أنه لبناني من الشوف، لكنه يعيش في بلاد الإغتراب. أخبرته بأننا لم نختار الإغتراب.. بل الإغتراب هو من إختارنا، بعد أن ذُقنا من ظلم ذوي القربى ما هو أشد من مرارة الإغتراب!.

قال: يا عزيزي، لا تنسى بأن هناك ظلم الأهل، وهو أشد قساوة من ظلم ذوي القربى!. أعجبتني فلسفته، فأردتُ الإطلاع أكثر على مخزونه الفكري فقلت: وكيف ذلك؟! قال: أن تكون غريب الدار (واعذرني للتعبير) وتشعر بالغربة، فهو أمر طبيعي بالرغم من قساوته، هي ضريبة طبيعية تدفعها بإسم القانون، كونك لا تحمل جنسية البلد الذي تعيش فيه. لكن المرارة هو أن تعيش في وطنك وتحمل جنسيته، لكنك تشعر بضعفك وغربتك، وبأنك مسلوب الإرادة والطموح.. اللهمَّ إلا إذا كنت من أتباع الزعيم الفلاني أو المسؤول الفلاني!. إبتسمت لقدرته على إختصار معاناتي ومعاناته ومعاناة عموم المواطن العربي داخل دولنا العربية بجمل بسيطة، فأردت إثارته أكثر، قلت: لكنك مواطن وتمتلك صوتك الإنتخابي، وتسطيع من خلاله أن تحاسب من أخطأ بحقك وبحق الوطن!.

نظر إلي بعتب وقال: يبدو أنك تعيش في بلاد الغربة منذ سنين طويلة!. وقبل أن أجيبه تابع: المواطن العربي يا عزيزي يعيش كالمملوك داخل دولنا العربية، خذ مثلاً أنا مواطن عربي لبناني درزي. كان أبي محسوباً على كمال جنبلاط الزعيم السياسي للطائفة الدرزية. وعندما إستشهد كمال جنبلاط في سنة 1977م وجاء إبنه وليد بيك جنبلاط ليرث الزعامة الجنبلاطية كنت أنا من موروثاته السياسية.. بعد أن كان أبي من موروثات أبيه. والآن قرر وليد بيك جنبلاط توريث إبنه تيمور الزعامة الجنبلاطية، وبالتأكيد إبني من بعدي سيكون من موروثات تيمور بيك جنبلاط!. ثم أضاف: المسألة هنا لا تتعلق بحسن سلوك هذا الزعيم من عدمه، بل في الخيارات المتاحة أمامنا. فهي ضعيفة إذا لم تكن معدومة أمام جبروت العُرف الطائفي المُقنن داخل الدستور، والذي يدفعك إلى الإحتماء بالطائفة بدل من الذوبان داخل الوطن لكي تستطيع من خلالها الحصول على وظيفة تمنحك الحياة!. وبحكم القانون الطائفي البغيض، أصبح الوطن عبارة عن كيانات صغيرة.. المواطن فيه أشبه بالمملوك من قبل زعيم يرث طائفته بكل ما فيها من بشر وشجر وحجر!. وطبعاً هذا المثل ينطبق تماماً عل كل مواطني الطوائف الأخرى!.

إبتسمت مرة أخرى، وقد فاجأتني صراحته الثقافية، فقلت بنوع من المزاح السياسي:

لأجل ذلك يا صديقي، إلتقينا سوياً على متن طائرة الغربة وإن إختلفت طرق معاناتنا..

أغمض عينيه.. وكذلك أنا. وكل منا راح يعاود إجترار قراءة حجم معاناته مع ذوي الأهل والقربى داخل وطننا العربي..

ولنا لقاء..

أبورياض