المقالات

مخيم اليرموك .. النكبة الثانية

مخيم اليرموك .. النكبة الثانية

عريب الرنتاوي

وفقاً للمعلومات المحدثة العام 2011، فقد بلغ عدد سكان مخيم اليرموك 680 ألفا، نزح معظمهم إلى خارج المخيم..مخيم خان الشيح الصغير وحده، استقبل ثلاثة عشر ألف عائلة، وكذا الحال بالنسبة لبقية المخيمات الفلسطينية والتجمعات الشعبية السورية، فضلاً عن عشرات الألوف الذي لجأوا إلى لبنان، وعشرات أخرى منهم لجأت للأردن.

في قراءة لما يحصل من عدوان على المخيم، ثمة وجهتي نظر رائجتين…الأولى، وتتبناها أقلية من الفصائل والشخصيات والمثقفين الفلسطينيين، وترى أن المخيم كان عرضة لعدوان من المعارضات المسلحة التي سعت في السيطرة على المخيم لضمان التواصل الجغرافي بيد التقدم والحجر الأسود ويلدا وحي التضامن، ليكون بذلك “خاصرة” دمشق الضعيفة.

ووجهة النظر الثانية، وتدعمها الفصائل الرئيسة وكثرة كاثرة من الفلسطينيين، وتُحمل مسؤولية ما تعرض ويتعرض له المخيم للنظام، الذي أراد بإدخاله المخيم في أتون الحرب الأهلية السورية، الدفع بكرة النار الفلسطينية إلى الملعب الأردني واللبناني، من ضمن استراتيجية تقول: الاستقرار في سوريا استقرار للمنطقة، والخراب في سوريا خراب على المنطقة.

أين الحقيقة فيما يجري في المخيم؟

لا شك أن سياسة “النأي بالمخيم”، لم تقع بصورة طيبة على مسامع الطرفين المصطرعين في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، النظام أراد للمخيم أن يكون “خندقاً” متقدماً في معركة الدفاع عن وجوده..والمعارضة أرادت للمخيم أن ينضم إلى صفوفها، وأن يتقدم لائحة “الضحايا” لاستدراج العطف والتأييد العربي والإسلامي والدولي، وقد جرّب الفريقان على مدى العامين الفائتين، الزج بالمخيم في أتون المواجهة، وقد نجحا أخيراً.

سياسة النأي بالمخيم، لا تعني أن الفلسطينيين فيه، يقفون “سياسياً وضميرياً” على الحياد في هذه المعركة..معظم الفصائل الفلسطينية لا تبدي وداً ظاهراً حيال النظام القائم في دمشق…فتح دفعت أثماناً باهظة في معركتها للحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني في مواجهة محاولات الهيمنة السورية..حماس تبدي تعاطفاً مع المعارضة المسلحة، سيما الإسلامية منها…بقية الفصائل وعموم اللاجئين، يختزنون ذاكرة مؤلمة من المعارك والمواجهات مع النظام، في سوريا وبالأخص على الأرض اللبنانية.

ثمة فئة قليلة من الفصائل والشخصيات المرتبطة وجودياً بالنظام السوري، وضعت نفسها في يد النظام وأجهزته، وأحالت نفسها إلى كتيبة من “كتائب الشبيحة”..هذه الفئة التي تحيط مواقفها بهالة من الحديث عن “المقاومة والممانعة”، تدافع عن ارتباطاتها وتسدد فواتيرها، لنظام لطالما استخدمها في حروبه ضد المنظمة والحركة الوطنية، من التدخل السوري في لبنان العام 1976 إلى معركة القرار المستقل في العام 1983، وصولاً إلى حروب المخيمات في بيروت بعد ذلك.

المخيم ليس على “عهد الولاء” للنظام السوري، هو على عهد الولاء والحب والامتنان للشعب السوري، الذي أظهر من التسامح والوفاء والدعم للشعب الفلسطيني، ما لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين.

مخيم اليرموك يعيش هذه الأيام، نكبة ثانية..مظاهر التشرد واللجوء والقتل الجماعي والتدمير المنهجي، تستدعي الإدانة والاستنكار…ومسؤولية النظام عن هذه الجريمة، ليست خافية إلا على كل أعمى وبصير ومتواطئ، ومن دون أن نعفي بعض الجماعات المسلحة من المسؤولية عن استدراج المخيم، وتعريض حيوات أبنائه وبناته للخطر.

لكن من قامر بحياة أكثر من أربعين ألف سوري، ومن دمر المدن والقرى، ومن مارس القتل الجماعي والعشوائي، ومن قارف جرائم الحرب بشهادة المنظمات الدولية، من هانت عليه أرواح أبناء وبنات شعبه، لن يضيره كثيراً التحاق مخيم اليرموك بـ”مدن الحرب العالمية الثانية” المنكوبة في سوريا…ولن يزعجه التحاق بضع مئات من الفلسطينيين بعشرات ألوف الشهداء من السوريين…إنها الحرب الأهلية الضروس، لا تبقي ولا تذر، ولن ينجو منها مواطن أو مُقيم.

الدستور، عمّان، 20/12/2012

مقالات ذات صلة