المقالات

فلسطينيو سوريا ووفد المنظمة الرسمي

فلسطينيو سوريا ووفد المنظمة الرسمي

علي بدوان

انتهت قبل أيام قليلة زيارة الوفد الرسمي الفلسطيني القادم من رام الله للعاصمة السورية دمشق برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لـمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح زكريا الآغا، المسؤول عن ملف اللاجئين في منظمة التحرير، في زيارة كان عنوانها الأساسي النَظر بأوضاع عموم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في مختلف مناطق انتشارهم (مخيمات، تجمعات)، وفي مخيم اليرموك على وجه التحديد، فماذا كان حصاد تلك الزيارة، وهل استطاع الوفد الفلسطيني تحقيق إنجاز ملموس على هذا الصعيد؟

زيارة تقصي حقائق

في حقيقة الأمور، وانطلاقاً من المتابعة الحثيثة لوقائع وتفاصيل زيارة الوفد الفلسطيني لدمشق، فإن حصادها كان متواضعاً ولم يكن بالمستوى المطلوب أو المنشود من عموم الناس، ولم تكن تلك الزيارة سوى زيارة “تقصي حقائق …!” على حد قول قيادي فلسطيني كان من بين أعضاء الوفد الذي تَشَكَّل إضافة لرئيسه زكريا الآغا من الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني أحمد مجدلاني، وأمين سر المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية بلال قاسم، وعضو المكتب السياسي للجبهة العربية عمران الخطيب، ومشاركة السفير الفلسطيني بدمشق محمود الخالدي، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح الدكتور سمير الرفاعي.

والطامة الكبرى التي بانت في هذا المجال، أن الوفد الفلسطيني في زيارته، وضع على رأس جدول أعماله إضافة لموضوع حال الفلسطينيين في سوريا، مناقشة مسألة الأملاك والعقارات العائدة لحركة فتح ولمنظمة التحرير في سوريا مع الجهات الرسمية في البلد، والحديث عن السعي لافتتاح مبنى آخر للسفارة الفلسطينية بدمشق بدلاً من مكانها الحالي، وهو أمر مقبول من حيث المبدأ، لكنه كان أمراً غير منطقي في الحالة الراهنة للوضع الفلسطيني في سوريا، فالوفد الفلسطيني كان يفترض به أن يركز على عنوان واحد في زيارته، وهو العنوان الأهم والأساس والمتعلق بأحوال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في ظل الاشتعال المتواصل للأزمة الداخلية في سوريا.

وعليه، إن أعمال الوفد ركزت على العنوان المتعلق بالأملاك والعقارات العائدة لحركة فتح وللمنظمة وإشكالياتها القائمة منذ العام 1983 إبان الانشقاق المعروف في صفوف حركة فتح والمنظمة، والاطلاع على حال اللاجئين الفلسطينيين في ظل الأزمة الكبرى المشتعلة هناك، وعلى هذا الأساس تم الاتصال واللقاء مع الطرف الرسمي السوري، ورشحت معلومات شبه مؤكدة أشارت بأن الموضوع إياه قيد المعالجة، وأن خطوات ستجري في هذا المضمار خلال الفترة القادمة.

إنصات وغياب الفعالية

أما في الجانب المتعلق بأوضاع وحال الفلسطينيين في سوريا، فقد تم عقد ثلاث لقاءات للوفد مع مختلف الفصائل والقوى، كان في جوهرها لقاءات “استماع وإنصات” للوفد الرسمي الفلسطيني القادم من رام الله لممثلي الفصائل لما جرى ويجري في مناطق التواجد الفلسطيني في سوريا (مخيمات/ تجمعات).

وقد جرى ذلك دون إجراء نقاشات مشاورات جدية وعملية ملموسة، ودون وضع تصورات واضحة لإنقاذ حال اللاجئين الفلسطينيين المتدهورة في سوريا وتقديم يد العون والمساعدة لهم في ظل حالة الفاقة والعوز المتزايدة في صفوف الغالبية منهم، وتأمين الحماية لعموم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. والعمل على تخفيف مضاعفات الأزمة السورية على أوضاعهم الاقتصادية من خلال تأمين المساعدات اللازمة والبحث مع وكالة أونروا في واجباتها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عموماً وفي مخيم اليرموك بشكل خاص وتأمين الخدمات وفق برنامج طوارئ يعالج الأوضاع المتدهورة للاجئين في هذا المخيم.

هذا إذا ما أضفنا إلى الوارد أعلاه، فإن غياب المعالجة أو المقترحات العملية، لم تلحظ أيضاً الحالة العامة لبعض المخيمات والتجمعات التي تتعرض لعمليات قصف بالهاونات شبه يومية، فقد توالى تساقط القذائف وما زال على عدد من المخيمات الفلسطينية وهو ما أدى بالنتيجة لسقوط نحو 1100 شهيد فلسطيني في سوريا منذ بدايات الأزمة الداخلية في البلاد وحتى منتصف فبراير/شباط الجاري 2013، إضافة لتوالد ونشوء وضع استثنائي صعب في ظل حالات النزوح الداخلي للسكان، وتحديداً بالنسبة لعدد من المخيمات الفلسطينية بدمشق وريفها كمخيم اليرموك، ومخيم سبينه، ومخيم الحسينية الواقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة دمشق قرب بلدة “السيدة زينب”.

وفيما يخص حالات النزوح من المخيمات المذكورة إلى لبنان وفقاً لتصريحات آن ديسمور، صرحت مديرة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مؤتمر صحفي عقدته في بيروت الجمعة 15 من فبراير/شباط 2013، أن “عدد النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان تجاوز 25 ألف شخص”، مضيفة أن “أعداد النازحين الفلسطينيين من سوريا في تزايد مستمر” وأن “وكالة أونروا تقدم خدمات تعليمية للنازحين، وتوفر صفوفًا خاصة للطلاب للحيلولة دون ضياع العام الدراسي عليهم”.

في هذا السياق، إن أقصى ما تحدث به الوفد الفلسطيني كان تأكيده، وعلى لسان رئيسه زكريا الآغا أن “منظمة التحرير الفلسطينية ستعمل على تأمين المساعدات، وأنها ستعمل مع وكالة أونروا التي تقدر احتياجات اللاجئين في سوريا بمبلغ تسعين مليون دولار أميركي كمساعدة عاجلة، للاتصال بالدول المانحة والمتبرعين لتأمين هذا المبلغ”.

شهداء العمل الإغاثي

وبالنتيجة، إن لقاءات الوفد المركزي الفلسطيني القادم في زيارته الدمشقية، وهو الوفد المُبتَعث من قبل القيادة الفلسطينية في رام الله، وبتكليف من الرئيس محمود عباس، كانت لقاءات فوقية تمت مع القيادات الفلسطينية المتواجدة في سوريا من فصائل منظمة التحرير وفصائل تحالف القوى الفلسطينية، إضافة للجهات الرسمية في البلد.

ولم يلحظ الوفد في زيارته سوى لقاء واحد مع بعض أعضاء الهيئة الوطنية الأهلية في مخيم اليرموك، وبالأحرى مع وفد يمثلها، حين طالب الوفد بمعالجة أوضاع المخيمات والتجمعات الفلسطينية الواقعة في قلب مناطق التوتر كمخيم السيدة زينب، ومخيم سبينة ومخيم درعا، ومخيم الحسينية، ومخيم خان الشيح الواقع غربي مدينة دمشق، ومخيمي النيرب وحندرات الواقعين قرب مدينة حلب شمال سوريا.

لكن، كان من الضروري على الوفد، عقد أكثر من لقاء عمل مع وفود شعبية تمثل الشخصيات الاجتماعية الفاعلة ورجال الدين، ورجالات المجتمع المدني ومثقفي المخيم، ومن النشطاء الشباب من عموم التجمعات الفلسطينية ومن مخيم اليرموك على وجه التحديد، وهم الذين ما زالوا حتى الآن متواجدين على الأرض.

وفي مخيم اليرموك على سبيل المثال، يقوم هؤلاء النشطاء بتأدية مهام عظيمة ونبيلة في الإغاثة والتربية والصحة والرعاية لمن تبقى من أبناء اليرموك داخل حدوده، وقد سقط منهم عدة شهداء أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني والوطني والأخلاقي تجاه من تبقى من شعبهم داخل مخيم اليرموك، فهناك ثلاثة شهداء منهم سقطوا أثناء العمل لإحضار الخبز للمخيم، وما زال العشرات منهم يَسعَون (ليل-نهار) لتأمين القوت اليومي الضروري لبقاء الناس الموجودين في المخيم على قيد الحياة، وكان آخرهم من الذين سقطوا مؤخرا الشهيد “أيمن محمد جودة” عضو قيادة منطقة اليرموك في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الذي استشهد في مخيم اليرموك وتحديداً في “ساحة الريجه” القريبة من شارع اليرموك والتي تشهد توتراً واشتباكات دائمة.

وانطلاقاً من الوارد أعلاه، فإن ملاحظات نقدية ومحقّة إضافية، سُجِلتْ على عمل الوفد الفلسطيني في زيارته الأخيرة لدمشق، فقد تمنى الناس على الوفد أن يقوم بزيارة لبعض مواقع التجمعات الفلسطينية النازحة بدمشق وريفها، والقيام بزيارة عمل ميدانية تضامنية لبعض المخيمات الفلسطينية ومنها مخيم اليرموك على سبيل المثال، ورؤية الأمور كما هي على أرض الواقع، وذلك بمواكبة من شباب ونشطاء المخيم لتأمين سلامة الوفد، وهو أمر ممكن ومُتَيسر على أرض الواقع ولا صعوبات أمنية أو لوجستية في تحقيقه.

الوجع الكبير

زيارة الوفد الميدانية لمخيم اليرموك، ومشاركة الناس في مصابهم الحالي في ظل ظروف القصف والحصار والتغريبة الكبرى لغالبية سكانه، كانت فيما لو تمت ستنعكس إيجابا.

وكان لها أن تحدث وقعاً كبيراً في نفوس وأفئدة اللاجئين الفلسطينيين لجهة بروز الدور الفلسطيني الرسمي في رعايتهم ومتابعة أمورهم في ظل مصابهم الكبير، بدلاً من الحسرة التي ألقت بظلالها عليهم في ظل نسيانهم من قبل جهاتهم الرسمية، وانطلاق بعض التصريحات غير المسؤولة التي خرجت على لسان البعض ومنهم عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الذي قال “إنه من الصعب على منظمة التحرير أن تتحمل مسؤولية الداخل والخارج” وهو تصريح يعرب بوضوح تام عن موقف المنظمة من قضية فلسطينيي سوريا بهذا الشكل.

أخيراً، إن فلسطينيي سوريا، الذين كانوا على الدوام في قلب العملية الوطنية الفلسطينية، ولم يبخلوا في لحظة من اللحظات في تقديم قرابين التضحية والفداء في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، في مختلف محطاتها، يشعرون بوجع كبير مع غياب الصوت الرسمي الفلسطيني في رعايتهم، ومتابعة أحوالهم بشكل جدي وملموس. فالوفد الرسمي الذي زار دمشق مؤخراً كان له أن يلعب دوراً أكبر وأفعل، وكان له أن يُسهم ببلسمة جراح تنزف من جسد شعب مثقل بالجراح والآلام.

الجزيرة نت، الدوحة، 17/2/2013

مقالات ذات صلة