المقالات

في ذكرى انطلاقه الجبهة الشعبية واندلاع انتفاضة الحجارة

طارق أبو بسام، براغ 11.12.2021

مناسبتان عظيمتان، اكتب عنهما اليوم، الذكرى ال ٥٤ لانطلاقة الجبهة، والذكرى ال ٣٤ لاندلاع انتفاضة الحجارة المجيدة، وهما مناسبتان مترابطتان لا يمكن الفصل بينهما.
وكلاهما انطلق من اجل تحرير فلسطين، كل فلسطين، وكلاهما انطلق في ظروف غاية في الصعوبة،
الأولى بعد هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ وجاءت ردا عليها، والثانية بعد اجتياح عام ١٩٨٢ والذي اخرج منظمة التحرير وفصائلها من لبنان، وحالة اليأس التي سادت بعد ذلك، وجاءت كرد على ذلك.
وكلاهما جاء ليؤكد خيار الشعب الفلسطيني التمسك بخيار المقاومة، والتصدي لحالة اليأس والإحباط، والتاكيد ان الشعب الفلسطيني لن يستسلم، وسوف يبقى يقاوم حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني.
لقد حققت الانتفاضة انجازات كبرى، حيث اعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، وعزلت الكيان والحقت به الخسائر الاقتصادية والبشرية وهددت وجوده.
اما الجبهة، فقد حققت الكثير من خلال تجربتها ونضالاتها ودفاعها الدائم عن الوحدة الوطنية ومنظمة التحرير، وتمسكها بتحرير كل فلسطين، واستطاعت ان تثبت مجموعة من المفاهيم والمبادئ ليس فقط لدى قطاعات واسعة من ابناء شعبنا، بل وعلى المستوى القومي العربي والساحة الأممية.
الجبهة كانت وما زالت مستهدفة، وتم التآمر عليها، بالاغتيال والاعتقال والملاحقة المستمرة لأعضائها و مناصريها ليس فقط من قبل العدو، بل وتم الضغط عليها ومحاصرتها من قبل سلطة الحكم الذاتي، ومعاقبتها من خلال وقف مستحقاتها المالية، وباستخدام كل الوسائل المتاحة لديهم، وهذا يحدث منذ الانطلاقة حتى الآن، وصمدت الجبهة ولا زالت شامخة.
اما الانتفاضة، فقد تم التآمر عليها سياسيا، وتم وقفها من خلال اجهاضها عبر اتفاقيات اوسلو، ولكنها تجددت بانبعاث انتفاضة الأقصى، التي توقفت أيضا بفعل التآمر، ولكننا نعيش في هذه الايام مخاض انطلاق انتفاضة جديدة بدات تتشكل وتنموا في كل يوم.
ونحن نحتفل بهاتين المناسبتين، نتوجه بالتحية لشعبنا الفلسطيني العظيم في كل مكان ولمقاوميه الابطال.

تحية لأرواح الشهداء… تحية للجرحى…تحية للاسرى والمعتقلين، واسرهم
بعد هذه المقدمة ساتحدث عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وما مثلته في تاريخ المقاومة من صفحات مشرقة الى جانب التوقف أمام تقييم لتجربتها العظيمة، والتوقف امام بعض الاخطاء التي وقعت فيها ونقدها من موقع المحب.
تميزت الجبهة، بوضوح رؤيتها وبفكرها الثوري، انطلاقا من القاعدة التي تقول، لا حركة ثورية دون نظرية ثورية، كما تميزت بمواقفها السياسية الواضحة والصلبة، المواقف التي لا تهادن ولا تساوم، كما تميزت باعتمادها خيار الكفاح المسلح والمقاومة طريقا رئيسا للتحرير… ورفضت التنازلات وتمسكت بالثوابت الوطنية، وتحرير فلسطين كل فلسطين، آمنت بحتمية الإنتصار وإن الاحتلال الصهيوني الى زوال.

الجبهة الشعبية تنظيم متجذر في صفوف الشعب الفلسطيني، ومن الصعب ان تجد بيتا فلسطينيا، لم تدخله الجبهة ولم تتواجد فيه، فهي منتشرة كما الزعترالميرامية في تلال فلسطين، وجذورها عميقة تمتد في الأرض، مثل جذور التين والزيتون، لن يتمكن اي كان من اقتلاعها، مهما حاول..

الجبهة الشعبية جاءت تعبيرا عن حاجة موضوعية، وردا على هزيمة الخامس من حزيران، ولم تأت تعبيرا عن ترف فكري او ردة فعل ميكانيكي، او اضافة كمية، لما هو موجود، بل شكلت اضافة نوعية ومميزة وعلى كل الصعد، وحققت نجاحات كبيرة، رغم بعض الإخفاقات هنا أو هناك.

الجبهة الشعبية كانت ولا زالت أحد اعمدة النضال الوطني الفلسطيني وبنيانه، تنظيم اصاب وأخطأ. تقدم وتراجع.. نجح واخفق عبر مسيرته الطويلة لكنه بقي محافظا على مبادئه، متمسكا بخياراته، ملتزما بمقاومته، حريصا على الوحدة الوطنية، على اساس البرنامج الوطني والوضوح السياسي ونهج المقاومة.
الجبهة الشعبية بقيت متمسكة بالاهداف التي رسمتها وناضلت من اجلها وفي مقدمتها تحرير فلسطين كل فلسطين، وبقيت محافظة على العهد ملتزمة بالوعد، بقيت متمسكة بخيار الكفاح المسلح والمقاومة في الوقت الذي الذي ادار الكثيرون ظهورهم له و باتوا يعملون ضده، واستمرت في رفع الراية التي أسقطها العديد من ايديهم، ورفعوا بديلا عنها رايات الاستسلام.
الجبهة الشعبة وقفت مع الوحدة الوطنية الحقيقية وبقيت خيارها، رغم ذهاب الكثيرون الى خيار الانقسام
الجبهة الشعبية دافعت عن منظمة التحرير الفلسطينية والأسس التي قامت عليها، في الوقت الذي ساهم فيه الكثيرون وفي مقدمتهم القيادة المتنفذة، في حرف المنظمة عن الاهداف التي وجدت من اجلها، و حولوها الى اداة في يد سلطة العمالة والخيانة الناتجة عن اوسلو.
الجبهة الشعبية لا زالت تشكل احد اعمدة البيت الفلسطيني الأساسية، اذا ما انهار انهارت معه البناية كاملة.
الجبهة الشعبية بقيت حريصة على البعد القومي للقضية الفلسطينية، انطلاقا من ايمانها انها قضية العرب جميعا وبقيت متمسكة بهذا الشعار، في الوقت الذي رفع البعض فيه شعار (يا وحدنا).
الجبهة الشعبية حافظت على التواصل مع اهلنا في ال٤٨ ولم تتخل في يوم عنهم رغم بعض التقصير، وظلت تعتبر دورهم مركزيا في تحرير فلسطين والقضاء على دولة الاحتلال، في الوقت الذي بات ينظر فيه الكثيرين الى شعبنا في ال٤٨ كجزء من إسرائيل، واخرجوهم من دائرة الصراع.

الجبهة الشعبية حاربت ضد الفساد في السلطة والمنظمة، وقالت ثورة يقودها الفاسدون والمستسملوين لن تنتصر، وأن الثورة والثروة لا يجتمعان.
الجبهة الشعبية آمنت بالديمقراطية، واعتبرتها نهجا في حياتها…احترمت الرأي والرأي الآخر، وبقيت بعيدا عن ثقافة التعصب
الجبهة الشعبية آمنت ورسخت القيادة الجماعية في العمل وحاربت الفردية، وكم من مرة كان أمينها العام او نائبه في موقع الاقلية.
الجبهة الشعبية تميزت بالتواضع وعيش قيادتها وسط الجماهير، لم تسكن القصور والفلل، ولم تركب افخم السيارات، ولكنها قدمت الشهداء والجرحى والمعتقلين ومسيرتها حافلة بالامثلة على ذلك، من جورج حبش وأبو علي مصطفي وغسان كنفاني ووديع حداد و جيفارا غزة والقادة العظام الذين لا يتسع المجال هنا لذكرهم جميعا
الجبهة الشعبية حاربت اتفاقيات التطبيع واعتبرتها خيانة، و قاومتها،وشكلت حائط سد منيع لها.
الجبهة الشعبية، مثلت مدرسة في الأخلاق والمصداقية في تعاملها مع الجماهير.
الجبهة الشعبية بقيت دوما من يقوم بدور قرع الجرس، كلما تعرضت الثورة للخطر.
الجبهة الشعبية بقيت دوما باعثا للامل عندما يسود اليأس، وبقيت حصان الرهان، الذي يراهن عليه شعبنا، للخروج من المازق.
الجبهة الشعبية لعبت دورا أساسيا في انطلاق انتفاضه الحجارة وانتفاضة الاقصى وهبة القدس والشيخ جراح ومعركة سيف القدس مرورا بكافة المعارك التي خاضها شعبنا في غزة والضفة وبيروت وعمان
الجبهة الشعبية واجهت الواقع، لم تخضع له وعملت على تغييره
الجبهة الشعبية لم تنافس احدا على موقع او منصب، لكنها نافست على حب فلسطين والالتزام بالقضية.
هذه بعض من صفات الجبهة الشعبية، التي نحتفل بذكرى انطلاقتها اليوم.
وفي هذا اليوم المجيد من تاريخ شعبنا الفلسطيني، لا بد لي، بل من واجبي، ان اتوجه بالتحية كل التحية لشهداء الجبهة وجرحاها، من اسراها ومعتقليها، منذ الرواد الاوائل اليماني وعساف وسكران سكران وجميع من سار على هذا الدرب عبر هذه المسيرة الكفاحية الطويلة.
تحية للقائد الكبير المؤسس الدكتور جورج حبش، الذي شكل نموذجا ومدرسة في الفكر والممارسة والعطاء، والذي قدم نموذجا للتجديد، عندما تخلي عن منصبه في الامانة العامة، وهو قادر على العطاء، وقدم بذلك درسا للجميع، جميع من يتمسكون بمناصبهم حتى يداهمهم الموت.

تحية لروح الرفيق الشهيد القائد ابوعلي مصطفى الذي شكل مدرسة في الكفاح والنضال، وشعلة متقدة على درب المقاومة، وهو من جسد خيار الشعب بمقولته عندما عاد إلى أرض الوطن حين قال (عدنا لنقاوم ولم نعد لنساوم)
نترحم على ارواح الشهداء ونتذكرهم في هذه المناسبة.

وديع حداد، غسان كنفاني، ابو ماهر اليماني، ابو نضال مسلمي، ابو عصام، تيسير قبعة، عمر قطيش، صابر محي الدين، جيفارا غزة، ابو طلعت، حمدي مطر، ماهر اليماني، ابو احمد الزعتر، وابو امل وشحادة غنام، وعلي قاصد، ونادر العفوري، وعمر النايف وعمر ابو ليلى، شادية أبوغزالة، و اوكوموتو باتريك ارغويللو ومظفر جايل العرجا، واشرف نعالوة،وسامر العربيد وغيرهم العشرات من القياديين والالاف من المناضلين اللذين اعتذر عن تسميتهم واحدا واحدا وهم من نحتفظ بسجلهم في قلوبنا
التحية اليوم لابطال الجبهة واسراها واسيراتها المعتقلين في سجون الاحتلال، وفي المقدمة منهم الامين العام القائد احمد سعدات، الذي جسد مقولة العين بالعين والسن بالسن والراس بالرأس، وللرفيقة ختام سعافين ورفيقاتها في السجون، تحية لهم واحدا واحدا وكل باسمه تحية لهم وهم يجسدون ارادة شعبنا في النضال..تحية لأصحاب الامعاء الخاوية والمضربين عن الطعام،تحية لأبطال نفق الحرية، تحية لأطفالنا في الأسر
والتحية في هذه المناسبة للرفاق وكافة الجرحى من ابناء شعبنا وأمتنا، وهم يحملون اوسمة الشرف والعزة على صدورهم
واخيرا بهذه المناسبة، التحية كل التحية، لقيادة الجبهة ممثلة بامينها العام ونائبه واعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، وعموم كوادرها وأعضائها ومحبيها ولكل من يضمه التيار الواسع، الذي باتت تمثله الجبهة فلسطينيا وعربيا، وعالميا
لقد مثلت الجبهة عبر تاريخها النضالي الطويل كتابا مشرقا، يعتز به كل من شارك بهذه المسيرة، مسيرة العزة والكرامة، مسيرة الكفاح والشرف، مسير ة العزة والكرامة،مسيرة الدفاع المتواصل بلا تراجع او هوادة عن تحقيق، اهداف شعبنا في تحرير فلسطين من نهرها الى بحرها.

هذه المسيرة التي يعتز ويفتخر بها شرفاء الأمة واحرار العالم
ورغم هذه المسيرة الطويلة، المعمدة بالدم والتضحيات، مسيرة لا تعايش مع العدو الصهيوني
مسيرة تحرير فلسطين كل فلسطين، مسيرة خيار المقاومة والكفاح المسلح، مسيرة رفض التنازل والمفاوضات، مسيرة عدم الرهان على ما يسمى بالشرعية الدولية، مسيرة رفض التطبيع، مسيرة التكامل والتحالف مع القوى التقدمية والديمقراطية العربي والعالمية في مواجهة الظلم والاضطهاد.
بعد ذلك وبعد هذا الاستعراض السريع لتاريخ الجبهة وما مثلته، اري من واجبي تجاه الجبهة من ناحية وحقها علينا من ناحية ثانية، ان لا نكتفي في مثل هذه المناسبات بتوجيه التحايا والحديث عن الإيجابيات فقط بل من موقع الحرص على الجبهة وعملية تطورها المستمرة
ومن موقع الشريك والمنخرط في العملية النضالية منذ اكثر من نصف قرن وليس الجالس على مقاعد المتفرجين، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات النقدية في اطار تقييم هذه المسيرة الطويلة ليس من موقع الذم والشتم والتشفي، وانما من موقع المعرفة التامة ان الجبهة الشعبية، جسم حي مكون من بشر، والبشر يخطؤون ويصيبون، وليس هناك من هو معصوم عن الخطأ، وبالتالي من الطبيعي أن تقع الجبهة في بعض الاخطاء، ومن المهم الاعتراف بالخطأ والعمل على تصحيحة، وهذا ما عودتنا الجبهة على ممارسته في مؤتمراتها واجتماعات هيئاتها المركزية وليس هذا فقط وانما على مستو ى اجتماعات كافة المراتب الحزبية فيها، حيث يكون النقد والنقد الذاتي بندا ثابتا في كل اجتماع من هذه الاجتماعات.
وفيما يلي بعض الملاحظات النقدية
وفي اطار عملية النقد والتقييم ارى لزاماً وواجبا على كل الوطنيين والمخلصين تحويل هذه المناسبات الى وقفات تقييم موضوعية تستهدف استخراج الدروس والعبر والوقوف امام اخطاء الماضي من اجل تجاوزها في المستقبل، وادعوا الي اوسع مشاركة في تقييم هذه التجربة يشارك ، فيها كل اصدقاء الجبهة ومناصريها في مختلف انحاء العالم كون الجبهة اصبحت تشكل تيارا جماهيريا واسعا ولم تعد حكرا على أعضائها، على ان يساهم العقل الجماعي في عملية التقييم هذه من داخل الجبهة وخارجها ومن اجل الاجابة على الاسئله الكبرى، من نوع لماذا عجزنا حتى الآن عن تحقيق وحدة وطنية حقيقية رغم حاجتنا اليها ومن المسؤول، ولماذا لم نحقق اهدافنا بعد كل هذه السنوات الطويلة من النضال واين يكمن الخلل.
هل يكمن في البرنامج ام في القيادة، ام في عدم نضج الظروف الموضوعية والذاتية وجميعها أسئلة مشروعة يجب البحث عن اجابات لها.
اما الملاحظات النقدية، استطيع ان اوجزها بما يلي
ايجازا يبدو طويلا…، لكن ما يشفع لي هنا ان المسيرة نفسها طويلة وتمتد لاكثر من نصف قرن ولا يمك تقييمها بسرعة لن تعطيها حقها

والآن نتوقف عند اهم محطات المراجعة والتقييم

اولا. في الجانب السياسي
رغم وضوح الفكر السياسي للجبهة الشعبية منذ انطلاقتها حين حددت موقفها السياسي ورسمت استراتيجيتها منذ التاسيس في كتاب الاستراتيجية السياسية والتنظيمية الذي يعتبر من اهم الوثائق المرجعية، وحددت فيه الرؤيا السياسية والتنظيمية، الاانها وقعت في مجموعة من الاخطاء، يمكن إيراد بعضها كالتالي:

1_ تغليب الجانب السياسي على الجانب التنظيمي في اطار الوحدة الوطنية، حيث كانت تركز دوما في الحوارات على اهمية الخط السياسي وان تتبنى المنظمة مواقف واضحة ولم ترفق هذه المسألة بالجانب التنظيمي ودور الجبهة ومشاركتها في المؤسسات (المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية ودوائر المنظمة المختلفة والمشاركة في السفارات على سبيل المثال..الخ)، ورغم التفهم لموقف الجبهة بتاكيدها على وضوح الموقف السياسي كان يجب ان يترافق ذلك مع الجانب التنظيمي حيث علمتنا التجربة ان اي قرار سياسي او غيره يحتاج إلى قوة تنظيمية لتطبيقه وقد عودتنا القيادة المتنفذة، منذ ياسر عرفات حتي الان، عودتنا على الخروج عن القرارات ولو كنا نتمتع بحجم مشاركة اكبر لكان دورنا في حماية القرارات اكبر. وقد ادي كل ذلك الي ضعف دورنا على صعيد منظمة التحرير
وهل يعقل ان تكون الجبهة اقل فصيل في التمثيل في هذه المؤسسات ويتفوق عليها فصائل
نستطيع القول ان الجبهة تتفوق عليها بمختلف المقاييس وهذا ليس تقليلا من شأن احد لكنها الحقيقة اليست الجبهة هي التنظيم الثاني في المنظمة والسؤال هنا اين تجسيد ذلك يؤسفني القول اننا قبلنا بذلك وهذا الامر يحتاج الي مراجعة جادة

2_الموقف من اوسلو
لقد مثلت اتفاقيات اوسلو بمحتوياتها ومضامينها واقع وتحدي جديدان تم التعبير عنهما بوضوح من خلال خروج القيادة المتنفذه في منظمة التحريرعن الصف الوطني برغبة منها وانحازت الي المشروع الامريكي الصهيوني بكل تجلياته وتخلت عن البرنامج الوطني وذلك انسجاما مع مصالحها الذاتية مقدمة اياها على المصلحة الوطنية ولم يات هذا صدفة وانما جاء نتيجة لمخططات رسمت منذ زمن بعيد حيث تشكلت وبرزت ونمت شريحة في الساحة الفلسطينية من السماسرة والعملاء والمقاولين والتجار ارتبطت مصالحهم عضوياً مع بقاء الاحتلال ومع مصالحه، وواهم من يتصور ان هذه القيادة ممكن ان تعود للوحدة الوطنية والخط الوطني. لقد حسم الامر بالنسبة لها، اننا اليوم نشهد حالة استسلام كاملة من قبل القيادة الرسمية المتنفذة، وبشكل موثق كونها انحازت للدفاع عن دولة العدو وحماية مصالحها عبر التنسيق الامني ووضعت نفسها في مواجهة الجماهير. سلطة اصبحت وظيفتها حماية الاحتلال وقمع المناضلين واعتقالهم والزج بهم في السجون والتبليغ عنهم، قيادة قالت لنا في عام 1974 عند اقرار البرنامج المرحلي انها تريد تحرير فلسطين على مراحل والآن نجد انفسنا اليوم امام قيادة تتنازل عن فلسطين على مراحل، والسؤال المهم بعد كل هذه التجربة وعملية الخداع هل بقي هناك مجال للتعاون والتعامل معها ام يجب التصدي لها ومحاربتها وكشفها امام الجماهير باعتبارها اصبحت جزءا من مخطط تصفية الشعب الفلسطيني.

نحن امام واقع جديد ومرحلة جديدة لانستطيع التعامل معها بنفس البرامج والوسائل والادوات القديمة.

وللاسف استمرت الجبهة بتعاطيها مع هذه الأمور بنفس الطريقة والعقلية. وعل سبيل المثال كيفية التعاطي مع الوحدة الوطنية هل يجوز ان التعاطي معها قبل اوسلو وبعد اوسلو بنفس الطريقة والتفكير، وقبل الاعتراف بإسرائيل وبعد الاعتراف بنفس الاسلوب.. وفي تقديري المتواضع ان الجبهة لم تتعاط بالشكل الصحيح وأخطأت واذا كان التنازل عن 78% من فلسطين خيانة كيف نستمر في الوحدة مع من تنازل واذا قلنا ان هذا التنازل ليس خيانة تكون هنا المصيبة اعظم واكبر لقد اخطات الجبهة في التعامل مع هذا الموضوع رغم انها حللت هذه النقلة النوعية وحددت مخاطرها لكن كيف كانت النتيجة ولماذ فشلنا في عملية التصدي لذلك، ان المطلوب وقفة مراجعة جادة تستخرج الدروس وتعطي اجابات واضحة على كل ذلك.
وفي ضوء ما وصلت اليه الأمور بات من الضروري والواجب ان نفكر جديا وبقوة بطرح الخيار البديل الذي يسقط هذه القيادة ومعها مشاريع التصفية ويسير بالثورة الي الامام نحو تحقيق هدفها وانجاز برنامجها الوطني كما علينا ان نعيد الاعتبار للوحدة الوطنية على قاعدة التمسك بالمنظمة ممثلا شرعيا وحيدا وهذا مكسب لايجوز التخلي عنه ولكن استنادا إلى الميثاق الوطني الاصلي.

وهنا كيف تعاملت الجبهة مع هذا الموضوع.
ان منظمة التحرير والوحدة الوطنية ليست هي الهدف انما الوسيلة، والهدف هو تحرير فلسطين، والمقدس هي فلسطين.
والمنظمة والوحدة مقدسة بمقدار ماتقربنا من فلسطين ونبتعد عنها بمقدار ما تتخلي عن فلسطين.
هل احسنت الجبهة التعامل مع هذا الموضوع !!!!
كيف يمكن للجبهة ان ترفض اوسلو وتتعامل معه في نفس الوقت. وهنا اقول ان الجبهة أخطأت في خوض الانتخابات التشريعية والمشاركة فيها مما اثار بلبلة لدي جماهيرها وأعضائها وكيف للجبهة ان تشارك في انتخابات الرئاسة ايضا من خلال دعم احد المرشحين وعلى قاعدة اوسلو

ثانيا. في الجانب التنظيمي
من الضروري التركيز على أهمية البعد التنظيمي كون التنظيم هو الأداة التي تحمل المشروع وتسير به نحو انجازه ان التجربة وخاصة في السنوات الأخيرة تشير إلى أن تراجعا قد حصل وان امراضا قد علقت في جسم التنظيم لابد من التخلص منها والمطلوب تصليب البنية الحزبية وتعميق الديمقراطية ومحاربة الترهل وعدم الالتزام، والتجديد الدائم في الفكر والممارسة والقيادة وبناء الكادر القادر ووضع الرفيق المناسب في المكان المناسب والسؤال هل نجحنا في ذلك. بكل امانة وثقة اقول اننا اخفقنا في الكثير من هذه الامور والأمثلة متعددة لايسمح المقال بتناولها هنا، مما كان له الأثر السلبي وعلى الجبهة ان تراجع وان تنفض الغبار وتزيل الصدأ عنها.
وسوف اتوقف هنا عند نقطة واحدة لما لها من أهمية، وهي كيف تعاملت الجبهة مع عشرات الكوادر والقيادات والمئات من الاعضاء اللذين غادروا صفوفها، وكل له اسبابه، نتفق او نختلف معها، ولكن الأغلبية الساحقة منهم حافظت على الانتماء الوطني وتمسكت بالموقف السياسي الذي مثلته وتمثله الجبهة.

والسؤال هنا ؟ هل تعاملت الجبهة بشكل سليم.. اجزم انها اخطات وعليها المراجعة كيف يمكن اعتبار من غادر التنظيم ومازال يعطي انه متساقط انها نظرة ضيقة للامور تحتاج إلى تقويم كيف يمكن اهمال هذا الكم الكبير من المناضلين وعدم الاتصال بهم ومتابعتهم واين تكمن المشكلة. في اعتقادي ان المشكلة تكمن في عاملين: الاول الفهم الخاطيء لهذه الظاهرة والتي تنتشر في كل احزاب العالم وتنظيماته، والثاني..يكمن في ان من يتحمل المسؤولية وواجبه المتابعة..لايقوم بدوره بسبب العجز او عدم الكفاءة، وكلاهما يستحق العلاج دون ابطاء اذا اردنا الخروج من هذا الواقع وإعادة الاعتبار للجبهة اقول ذلك من موقع الاطّلاع على ماوصلت اليه الامور في الفرع الخارجي ولا ادعي انني مطل على بقية الفروع. علينا ان نعيد الاتصال مع الجميع وكل واحد منهم كان له موقعه وقدم وكان مشاركا في هذه المسيرة ونبذل الجهد لاستعادتهم واستيعابهم وربما يكون ذلك باشكال جديدة علينا استنباطها.

لا شك ان القيادة تتحمل المسؤولية الاولى عن ذلك

وهنا اقول قيادة لا تتمتع بالكفاءة ولا تغني عملية الحوار وتجعل الجميع مشاركا ولا تبعث الأمل ولا تتابع وتحاسب وتقدم النموذج والمبادرة يجب تغييرها

3_ الجانب المالي
من المعروف ان الجانب المالي يكتسب اهمية خاصة في حياتنا (كدول.. مؤسسات.. شركات.. احزاب ..منظمات وافراد..الخ) وللاسف بدون المال لانستطيع ان نعمل ونطبق برامجنا، ومن المعروف ان كافة النظم عبر التاريخ ركزت على الجانب الاقتصادي من النظام الرأسمالي الي الاشتراكي، ولا ننسي ايضا ان الدين ايضاً ركز على المال، الم نري رب العباد وهو يضع المال في المرتبة الأولى ويعطيه كل الاهمية حين قال (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وقال ايضا (وجاهدوا باموالكم وانفسكم)، وهنا تتضح حقيقة تقديم المال عن النفس وعن الاولاد.
ان الاعتماد على النفس مسألة أساسية وهنا كيف تعاملنا مع هذا الموضوع ولماذا فشلنا كمجموع ونجحنا كافراد في المشاريع الاستثمارية!!!
وكيف للحزب ان يعمل وينفذ برامجه ويقوم بواجباته اذا افتقد لعنصر المال واستند للاخرين في تمويله وبالتالي يتحول الى العجز تدريجيا او الي الاضطرار ان يكون تابعا، وحاشا لله ان تكون الجبهة من هذا الطراز.. ولن تكون كما هو تاريخها وكما نعرفها
تنظيم يحتفل بالذكرى 54 لانطلاقته ليس مقبولا ان يكون في هذه المعاناة وهذا يتطلب وقفة جادة ومسؤولة للعمل لتجاوز هذا الوضع والخروج منه

4_في الجانب الشعبي والجماهيري
لقد تراجع وزن ودور الجبهة مؤخرا وعلى القيادة ان تعمل من اجل استعاد ( الشعبية ) للجبهة الشعبية.. لقد ابتعدنا في الفترة الاخيرة عن التواصل مع الجماهير واكتفينا بالظهور في وسائل الإعلام في الوقت الذي يجب فيه تعزيز حضورنا في اوساط الجماهير وبين الناس والجماهير بالنسبة للحزب كالماء بالنسبة للسمكة.
والسؤال هل نقوم بالتواصل كما يجب مع الجماهير
هل نزور المخيمات في لبنان والاردن وماتبقى منها في سوريا ام نكتفي بالعمل البعيد عنها
ان هذا الأمر يذكرني بـ لماذا حملت الجماهير في مخيم عين الحلوة اسماعيل هنية عندما زارها.. حملته لانه القائد الفلسطيني الاول الذي يزور المخيم ولو فعلها غيره من قبله لكان لقي نفس الترحيب
اعتقد ان الجبهة بحاجة للوقوف مجددا امام هذا الموضوع وإعادة تقيمه وتبيان اين قصرنا

5_في الجانب الفكري والنظري
لقد اعطت الجبهة تاريخيا لهذا الموضوع اهمية خاصة وصدر عنها العديد من الادبيات والكتب، والعديد منها يجيب على الكثير من التساؤلات التي تواجهنا اليوم. وكان لديها مدرسة كادر وارسلت اعداد كبيرة للدورات النظرية الا اننا في الفترة الأخيرة نشهد تراجعا عل هذا الصعيد يصل إلى حد الجفاف احيانا. ومن المعروف انه عندما يغيب الابداع النظري والفكري تغيب الكثير من الامور بحكم الترابط فيما بينها
وهنا لا احمل القيادة فقط هذه المسؤولية، كون المسؤولية جماعية ويجب ان يتصدي لها الجميع

6_ الجبهة واليسار الفلسطيني
تعتبر وحدة الفصائل اليسارية والتنسيق بينها من اهم العوامل التي تؤثر في الوحدة الوطنية وفي القرار الفلسطيني. لقد قدم اليسار الفلسطيني عبر مسيرة الثورة آلاف الشهداء والاسري والجرحى، وكان له مساهمة كبيرة في الدفاع عن الثورة وفي الانتفاضة الاولى والثانية وفي التصدى لاوسلو (رغم وقوع البعض في خطأ التعامل معه)، ولايجوز اهمال دور اليسار(خاصة الجبهة الشعبية)، حيث قدمت الكثير مع غيرها وسجلت صفحات مشرقة من المجد وكانت ركنا اساسيا في المقاومة والنضال.
ورغم كل ذلك لم يستطع اليسار بكل فصائله ان يشكل قطبا ثالثا في الساحة الفلسطينية مما اضعف دوره وادي الى تراجعه. والاسباب هنا متعددة يتشابك فيها الموضوعي والذاتي
لقد لعبت الجبهة دورا كببرا ومميزا في سبيل تحقيق هذه الوحدة، ومن وجهة نظري ان الجبهة لم تنجح رغم مايميزها ان تفرض نفسها قطبا قائدا يلتف حوله اليسار ودون ذلك من الصعب انجاز هذه العملية وهذا ما قالته تجربة القيادة المشتركة والتحالف الديمقراطي والقطب الديمقراطي وغيرها من التجارب والمسميات، ومن ذلك فشل تجربة تشكيل قوائم مشتركة لخوض الانتخابات التي حدد موعدها وتم تعطيلها اليست تجربة كهذه تستحق التقييم!!! و تحديد من المسؤول عن الفشل. ان هذ الامر يحتاج الى وقفة مراجعة وتقييم تتناول دور الجبهة ومسؤوليتها.

7_لم يتم اعطاء الجهد الكافي لتجنيد الشباب وضخ دماء جديدة للحزب. الشباب، هم المستقبل ومن يملك الشباب يملك المستقبل والسؤال ماذا قدمت الجبهة لهم واين مشاركتهم في القيادة. لقد اصبحنا حزبا متوسط اعمار قيادته فوق 65 اين هم الشباب
والاحزاب تشيخ كما تشيخ الافراد وعلينا مسؤولية التجديد وهذا لايعني اطلاقا التقليل من دور الجيل القديم فهو الذي يملك التاريخ والتجربة والمسألة لاتتعلق بصراع الاجيال كما يفهمها البعض وانما بتكامل ادوارها وتجربة الثورات في العالم تشير إلى ذلك
الم يقد القائد فيديل كاسترو كوبا الثورة الصامدة والمنتصرة حتى بعد تجاوز ال 80 من العمر…الم يتزعم هوشي منة الثورة الفيتنامية بعد ان تجاوز ال 75 من العمر وبقي حتى وفاته وهو في ال 79 ، الم يخرج نيلسون مانديلا من السجن ليتسلم الرئاسة في دولة جنوب افريقيا وقد بلغ من العمر ما يفوق ال 80 عاما والامثلة من التاريخ كثير وكم من مناضل تجاوز ال 60 اوال 70 مازال قادر على العطاء اكثر من شباب في سن ال 25 او ال 30.

8 – في موضوع المراه
تعتبر مشاركة المرأة ودورها في الثورة وفي اي حزب مهمة أساسية، اين نحن من هذا الموضوع وماهو حجم المشاركة، رغم الدور الذي لعبته ولازالت بعض الرفيقات اللواتي ننحني امام تضحياتهن امثال شادية أبوغزالة وليلى خالد ورسمية عودة ومريم ابو دقة وسميرة صلاح وامينة دحبور ومها مستكلم نصار والمناضلة خالدة جرار التي عانت ما عانته في سجون العدو، الا ان نسبة مشاركة المرأة في الجبهة وفي القيادة لازالت ضعيفة وليست مرضية وتحتاج إلى جهد متواصل يستند إلى برامج من اجل الوصول ذلك وهذا الامر يحتاج إلى تقييم جدي يساهم فيه الجميع خاصة الرفيقات للاجابة على السؤال لماذا فشلنا في تأطير نسبة عالية من النساء.
صحيح ان وضعنا افضل من غيرنا لكن المقارنة العلمية والصحيحة لايجوز ان تقوم مع الاخرين وانما مع برنامجنا وطموحاتنا، حزب نسبة المرأة متدنية فيه ولا ينجح في استقطابها ويفشل في تربية الكادر النسائي ولا تكون المرأة فيه شريكا فاعلا ومؤثرا مشكوك في إمكانية نجاحه.

اخيرا وبعد كل ذلك المطلوب اليوم من الجبهة الشعبية بالتعاون مع كل المقاومين والوطنيين المخلصين ان تبادر لانقاذ الوضع الفلسطيني وإخراجه من المازق الذي تمر به القضية ويشمل الجميع، والجبهة هي المؤهلة لكي تقرع الجرس وتدق جدران الخزان رغم كل ما تتعرض له يوميا من ملاحقات وحملات تصفية من العدو وحصار مالي وضغوط سياسية من قبل السلطة، والجميع يعلم كما قالت التجربة ان الجبهة الشعبية قوية في مواقفها صلبة في مبادئها، شديدة في مقاومتها،حاسمة في خياراتها وهي عصية على الكسر والتطويع

لا نريد ان نحمل الجهة اكثر مما تحتمل ولكنها كما عودتنا دائما انها هي البوصلة التي تشير إلى الاتجاه الصحيح وهي جمل المحامل كما يقول المثل،
الف تحية للجبهة في عيدها
ونقدم لها كل التهاني ونامل ان نحتفل جميعا في القريب العاجل وتكون فلسطين قد تحررت من الاحتلال، هذا الحلم الذي كان يراودنا، ولكنه أصبح اقرب إلى الوقع من أي وقت مضى

عاشت الجبهة الشعبية
وفي عيدها لها منا كل التحية

مقالات ذات صلة