أرشيف المنتدى

سوريا في مواجهة فاتورة مواقفها القومية !

سوريا في مواجهة فاتورة مواقفها القومية !

من منكم كان يعلم أين يقع حي باب عمرو السوري قبل أن يُصبح على كل لسان؟! أرادوا لنا أن نتعرف عليه ولكن ، ليس عن طريق نشرة علمية أو دراسة جغرفية لطبيعة الأرض العربية ! بل عن طريق الخنادق المُلتوية والبيوت المدمّرة والدماء النازفة والأسلحة المُهربة والوجوه المٌلتحية ! لا علينا .. فمهزلة باب عمرو قد إنتهت وغاب معها الحلم الذي كاد أن يعصف بأهلنا في سورية ، ليقتل الأخ أخيه والجار جاره وإبن قريته ومدينته ! ويبدو أن تنظيف باب عمرو من مظاهره المسلحة هو بمثابة إعلان عن فشل مُخطط الحرب المذهبية الطائفية الجاهلية ألتي تم إشعال نيرانها في خنادق وزواريب هذا الحي ألآمن .

ولكن .. هل إنتهت الخيارات العسكرية بإنتهاء عسكرة باب عمرو ومسلحيها لتدخل الأزمة السورية بوابة الحلول السياسية بعد التجارب المتكررة الفاشلة لتغليب الخيار العسكري ؟! ثم هل إقتنع أصحاب نظريات الحلول العسكرية بأنه لم يتبقى أمامهم سوى الموافقة على تغليب لغة الحوار عبر مؤتمر يضم جميع ألأطياف السياسية على ألأرض السورية ؟! بلغة أخرى ، هل قاربت فلسفة الرصاص والقتل والدمار على الرحيل أم لا زال هناك قول آخر ، وفي كلا الحالتين .. ما هي مؤشرات النجاح والفشل لكل منهما ؟

قبل ألبدء في التفاصيل لا بد من القول ، أن وراء كل تلك الصراعات ليس كما تدّعيه بعض الفضائيات العربية وألأجنببة ، من أن حرية وديمقراطية ورفاهية المواطن السوري هو الهدف المنشود!! فرغم قناعتي بأحقيّة هذه المطالب وصدق حاجة المواطن لها ، وأن ألأوطان لن يصلح حالها إلا بتحقيق تلك المطالب ، لكن .. لا كما يتم تسويقها ,. إنتقائية ألأهداف .. سياسية المطامع لا تحمل أيّ من مضامينها ألأنسانية السامية . ولن تُقتنعنا إدعاءات محطة الجزيرة القطرية وما شابهها .. الذين يرفعونها شعارا ً لتصبح كلمة حق يراد بها باطل ! إن هذه المحطات الفضائية باتت بكل المقاييس لا تحمل أية مصداقية إعلامية .. فهي تصّر على إدراج هذا القميص العثماني في نشراتها ألأخبارية ، من أجل تمرير مخططاتها المشبوهة ! ولا نغالي إذا قلنا ، أن القاصي والداني يدرك أن المسألة هنا تختلف بكل مقايسها وأداواتها وأهدافها ، فالصراع المحموم داخل سورية رغم كل ما يُقال ، هو صراع المصالح والتحالفات وتصفية الحسابات . هو صراع بين معسكرين لا تتحقق مصالح أحدهم إلا على حساب مصالح الطرف ألآخر .

قبل الدخول في تفاصيل هذه الأزمة وصراعاتها ، دعونا نعود إلى أصل الصراع وكيف تبلورت تحالفاته التي نراها ألآن ..

إن مُجريات الحرب العالمية ألأولى سمحت لبريطانية وفرنسا بتقسيم العالم العربي من خلال معاهدة سايكس بيكو ، ولقد كان هذا التقسيم نابع من أمرين لا ثالث لهما . الأمر الأول هو تجزأة العالم العربي إلى دويلات وترسيم حدوده الجغرافية ، بحيث يُصبح معه توحيد هذه الكيانات أمر يصعب إذا لم نقل يستحيل تطبيقة .الأمر الثاني هو النظرة الأستعمارية التوسعية التي كانت تسيطر على معظم الأمبراطوريات في ذلك العصر . أما في الحرب العالمية الثانية فقد إختلف ألأمر بالنسبة لنظرة الدول المنتصرة تجاه العالم العربي . فقد بدأ إكتشاف ( الذهب الأسود ) البترول في ألأرض العربية في سنة 1936م وما تلاها من سنين . وهي سنين الحرب الكوية الثانية والتي وضعت أوزارها في سنة 1945م مُعلنة ظهور القوتان ألأعظم على ألأرض ،هما ألولايات المتحدة الأمريكية والأتحاد السوفياتي . وبناء على هذا التغيير ومن ثم وضوح أهمية البترول لحركة التقدم العالمي ، زاد الأهتمام بالمنطقة العربية لتبدأ مرحلة صراع ألأقطاب على مناطق النفوذ في العالم بما فيها المنطقة العربية الغنية بمواردها الطبيعية . ولم تمضي أكثر من ثلات سنوات على إنتهاء الحرب العالمية الثانية حتى سعت بريطانيا وبعض من يؤمن ببقاء الوطن العربي مقسّما إلى الساهمة بخلق دولة إسرائيل على حساب أرض وشعب فلسطين . ومنذ ذلك الحين والصراعات والمؤامرات والحروب المدمّرة قائمة على ألأرض العربية وعموم منطقة الشرق ألأوشط . وعبر هذا الخطأ التاريخي الذي إرتكبه الغرب بحق فلسطين والعرب تأصّل الكره المتواصل داخل الشارع العربي لأسرئيل ومن يساندها في إغتصاب فلسطين . وعليه ، بات إغتصاب فلسطين قاعدة فكرية يُبنى على أساسها كل التحالفات والصراعات على ألأرض العربية والدولية ، بالأضافة إلى ما تزخر به الأرض العربية من ثروة بترولية ومعدنية وإستراتيجية ، وهي عناصر حيوية للقوى الغربية والعالمية بوجه عام . لذلك صار لزاما على القوى الفاعلة في هذا العالم ، إيجاد المخرج لأصل المشكلة وهي وجود إسرائيل الكيان الغاصب للأرض العربية الفلسطينية .

وإختصارا ً للتفاصيل نقول ، أن الجميع يعلم كم هي الحروب التي دارت على ألأرض العربية ، والمؤتمرات واللقاءات والقرارات الدولية والمعاهدات من أجل تسوية تقوم على أساس قبول إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط بالمقابل قيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة ، لكن التعنت الأسرائيلي برفض الأعتراف بقيام دولة فلسطينية أدى إلى فشل كل تلك المحاولات ، ورغم التنازلات العربية الكثبرة بهذا الشأن . بقيت إسرائيل على تعنتها ، لذلك راح الموقف الأميركي وألأوروبي الغربي يبحث عن مزيد من الحلول عبر مُطالبة العرب تقديم المزيد من التنازلات التي تفي بالشروط الأسرائيلية .. وهي شروط لا تؤدي إلا إلى إنهاء الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وطمس ما تبقى من الوطن الفلسطيي !

هذا المُخطط الغربي المتوافق مع الطموحات ألأسرائيلية جُوبه بالرفض السوري الواضح ، لا بل ذهبت سورية في موقفها الرافض إلى أبعد من ذلك وخصوصا بعد ظهور الحليف ألأيراني القوي ، فدعمت المقاومة الفلسطينية وعملت على خلق حماس الذي وقفت في وجه سياسة إتفاقات أسلو المدعومة من بعض الدول العربية والغربية ، وكذلك دعمت المقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله ، وساندت المقاومة العراقية في وجه الأحتلال الأميركي للعراق ،.هذه المواقف للقيادة السورية مدعومة من الحليف ألأيراني قد أفشلت أربع مخططات غربية إسرائيلية وهي :

— الأول ، إلغاء إتفاق 17 أيار الذي وقع من قبل الحكومة اللبنانية وإسرائيل ، الذي ألغي في 5 مارس 1984م.

— الثاني ، إفشال المخطط الغربي في السيطرة على القرار السياسي والعسكري الفلسطيني من خلال خلق ودعم حركة حماس التي منعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعروف برفضه البندقية الفلسطينية .. وإيمانه المطلق بعودة الحقوق الفلسطينية المغتصبه عبر المفاوضات ! من أن يتسيّد القرار السياسي الفلسطيني .

— الثالث ، منع السياسة الغربية من التحكم بالورقة اللبنانية من خلال دعم وتسليح حزب الله القوي ، حيث ورقة اللأجئين الفلسطينين والمخزون البشري للمقاومة الفلسطينية يكمنا ضمن الورقة اللبنانية ، ومن يتحكم بالورقة اللبنانية يُصبح بالمُحصّلة بمقدوره التلاعب بالمسألة الفلسطينية ( ولا أعتقد بوجوب شرح تلك المسألة ) .

— الرابع ، دعم المقاومة العراقية لتثبيت أقدامها في العراق الأمر الذي أدّى لأنسحاب أميركي مأزوم من العراق .

هذه المواقف ألأربعة لسورية وحلفائها ساهمت بشكل مباشر في عدم قيام ما يُسمى ب الشرق الأوسط الجديد ، وهو مخطط سعى الغرب بمساعدة أدواته العربية لقيامه ، ولقد جاء ذكره على لسان أكثر من مسؤول غربي ! وهي المواقف التي جعلت سورية هدف أساسي من قبل الغرب . وقد سعى الغرب لزعزعة إستقرار سورية وحلفائها في أكثر من محاولة ، ولقد جاءت هذه المحاولات ، عن طريق التهديد المباشر لوزير الخارجية الأميركي كولن باول بعد إحتلال العراق سنة 2003م .. وعندما لم تنجح تلك المحاولة في ثني سورية عن مواقفها ، جاءت عملية مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والذي أخرجت على أثرها سورية وجيشها من لبنان سنة 2005م ، ثم أعقبها محاولة ضرب المقاومة اللبنانية ( حزب بالله ) في سنة 2006م ، والتي باءت المحاولة ألأسرائيلية بالفشل ، إلى فشل ضرب قطاع غزة وإسقاط حماس من قبل إسرائيل في سنة 2008م . الى أن جاء الربيع العربي وما يحمله من تناقضات تقاطعت فيها معاناة المواطن العربي مع المصالح الغربية الذي أحسن ألأخير إستغلالها ، متباكيا ً تارة للمعاناة والظلم الذي مارسه حكم الدكتاتوريات في عالمنا العربي ، وتارة مُدّعيا حرصه على الديمقراطية وحقوق المواطن على الأرض العربية! رغم تاريخه ألأسود في إستغلال وقهر وإحتلال ودمار كل ما ما يمت للعروبة بصلة !! مُستغلا ً كل مرتكز أو هفوة سورية يمكن أن يُبنى عليه سيناريوا الأطاحة بالنظام الحاكم فيها .

وهنا في إعتقادي وقع النظام في سورية في مطبّ هشاشة الديمقراطية والحرية والفساد ألأداري داخل أراضيه ، ليقوم الغرب وحلفائه من العرب بإستغلالهم ذلك على أكمل وجه ، عاملين على تنسيق خطواتهم مع أنظمة عربية ملكية ودكتاتورية لكنها تدين بالولاء لسياستهم ومخططاتهم ، لتبدأ عملية دعم وتأييد التغيير لما يسمى بالربيع العربي ! ولقد ذهبوا في تنسيق المواقف ..إلى حد إسقاط بعض حلفائهم وتدمير ليبيا تنفيذا لمخطط الوصول إلى سورية ومحاولات إسقاط النظام فيها وتصفية حسابات الماضي القريب ، مستخدمين في ذلك قائمة من الوسائل ، كالجامعة العربية ومجلس الأمن والحصار السياسي والأقتصادي وحتى باب عمرو وما سمي بالجيش السوري الحر أدخلوهم في معركة تصفية الحسابات !

ويبقى السؤال :

هل النظام في سورية نظام متماسك وقادر على المواجهة ، أم هو كنظام بن على وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح ؟

ولكي لا نطيل أقول :

المُتتبع للسياسة السورية منذ إستلام حزب البعث الحاكم في سنة 1970م يرى بوضوح أنه نظام متماسك يملك رؤية سياسية واضحة العناوين والأهداف ، وتحالفاته غير مرهونة بمزاجية الحاكم أو فساد مسؤول في السلطة ، بل لها أسسها التنظيمية الفاعلة والمؤثرة في التحالفات الدولية ، فهو إن صح القول نظام إقليمي ذو حنكة سياسية أثبتت نجاحاتها .. لتدخل في حسابات موازين الدول الكبرى . لأجل ذلك وما سبقه .. لا أرى من مخرج لما يدور على الساحة السورية إلا النظر إلى سورية خارج مفاهيم سياسة الربيع العربي ودمويته ، ومن ثم الذهاب إلى طاولة حوارية مستديرة يتقاسم فيها الجميع حلم الأنتصار ومرارة الهزيمة ..

ولنا لقاء أبورياض