أرشيف المنتدى

تشابه الأدوار والمآسي!

تشابه الأدوار والمآسي!

ما يحدث اليوم من صدام سياسي داخل مجلس الوزراء اللبناني، وصل إلى حد بات فيه الوضع الأمني في الشارع اللبناني مهدد بالإنفجار، خصوصا بعد قرار التيار الوطني الحر التصعيد بالنزول إلى الشارع اللبناني بعد أن إستنفذ الطرق الحوارية لمنع تجاوز القانون في مسألة التمديد والتعينات، متهماً بذلك رئيس مجلس الوزراء الرئيس تمام سلام وكتلة المستقبل وعموم قوى 14 آذار بتجاوز صلاحياتهم الدستورية.

هذا الوضع اللبناني المتوتر الآن، لا يختلف عنه الوضع الفلسطيني سواء داخل المؤسسات الرسمية أو على مستوى الشارع الفلسطيني وداخل مخيمات الشتات.. ففي لبنان يتصارعون على السلطة إلى حد التخوين والقتل.. بواسطة أيدي خفية تعمل على تأجيج ذلك، ويبقى لبنان هو الخاسر الوحيد من جراء هذا الصراع. وفي البيت والشارع الفلسطيني يحدث ما يتطابق والحالة اللبنانية.. وتبقى فلسطين هي الخاسر الوحيد بسبب هذا الصراع!

الصراع القاتل ذو الأيادي الخارجية يدور بلا رحمة في شوارع آل يعرب.. لذلك العين قلقة على الشارع الفلسطيني! قد يخرج علينا بعض ممن لُحست عقولهم بواسطة ثقافة ما سمي بالربيع العربي.. ليخبروننا بأن الذي يحصل في دار آل يعرب ما هو إلا إرتداد لثورة الديمقراطية وتضحياتها في وجه الطغيان! على هؤلاء لا تجوز غير الشفقة، بعد أن عفا الزمن عن مخاطبتهم! لقد دُمرت الأوطان ونُهبت الخيرات وهُتكت الأعراض.. حتى بات شعر الرثاء أولى بوطن آل يعرب!

الذي دفعني للكتابة، هو هذا التطابق القاتل بين الحالة اللبنانية والحالة الفلسطينية. فمنذ مدة كنت في إجازة لزيارة الأهل والأصدقاء في مخيم البداوي( حفظه الله وأهله من كل مكروه). وأثناء زيارتي لأحد الأصدقاء إستمعت لحوار ساخن دار بين بعض زوار صديقي. الحوار تطور ليصبح صراخا.. تماما كما نراه بين السياسين من على شاشات المرئيات العربية! المؤلم في حوارهم الصاخب هذا.. هو غيابٌ للهوية الفلسطينية، وكأن المتخاصمون ليسوا أبناء وطن واحد صبغهم بلون نكبته.. فباتوا أبناء حارة يتبادلون بين أزقتها كتابة دروب الشقاء من على سواعدهم!

جلست بصمت أراقب صراخهم عفوا حوارهم، أول ما يشد إنتباهك هو كما ذكرت سابقاً غياب هويتهم الفلسطينية. فتقتنع بأن سيء الذكر ~الربيع العربي~ قد بدأ يجرفهم إلى الفتنة كما يفعل الآن مع عموم الشارع العربي! حوارهم يدفعك كذلك للقناعة بأن صُنّاع ~الربيع العربي~ قد نجحوا في شق الشارع الفلسطيني عموديا وبلا رحمة.. حتى غدا الأخ عدو أخيه ولا يتمنى له غير الموت!

وكالعادة.. فحوى الصراخ لا يخرج عن دائرته.. البعض يناصر سوريا وحزب الله بلا تردد.. والبعض الآخر يعادي سورية وحزب الله بلا تردد! المُلفت وبلا تجني هو التالي:

من كان يناصر سورية وحزب الله.. يُدرك جيداً من هم أعداؤه ومن هم حلفاؤه.. ويستطيع أن يُشير إليهم بصريح العبارة. بينما الذي يعادي سورية وحزب الله.. فهو بالتأكيد يُدرك يقيناُ من هم أعداؤه.. لكنه يغوص في التكهنات فلا يستطيع تحديد أو تسمية من هم حلفائه في معركته ضد سورية وحزب الله!!

الأمر الثاني، هو ذاك الحوار العدائي الذي كان يدور بين المتحاورين من أبناء المخيم الواحد. فالحوار لا يدعوا إلى أي تفاؤل تجاه القضية الفلسطينية.. حيث لم يُذكر إسم فلسطين طوال مدة الحوار.. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على غياب الرؤية السليمة لشريحة من الشعب الفلسطيني في معركته من أجل إستعادة حقوقه المغتصبة، وهو بالتحديد ما يريده صُنّاع ما يسمى(ثورة )الربيع العربي. فالمخطط كان ولا يزال مبنيٌ على تغيب القضية الفلسطينية من إهتمامات عموم الشارع العربي ومثقفيه، تميهدا لشطبها بعد تقزيمها إستجابة لمخطط تثبيت الوجود الإسرائيلي على حساب الوطن الفلسطيني! وهنا لا بد من تسجيل الآتي:

– من المحزن.. أن فلسطين القضية قد غابت عن الحوار العربي العربي وها هي تغيب عن الحوار الفلسطيني الفلسطيني!

– من المحزن.. أن العدو ألذي إغتصب ألأرض وشرد المرأة والطفل قبل الرجل الفلسطيني، وهدم البيوت وقلع الحجر والشجر، لا يزال هناك يمارس فعلته الشنيعة.. لكن وقع ذلك على مسمع المتخاصمين لا يُثير أية ردة فعلٍ أو إنتباه!

– من المحزن.. أن تُجاهر بأن عدوك إسرائيل… ثم تذهب لتقاتل.. أخوة لك في العروبة والدين في كل من العراق وسورية واليمن ومصر وتونس!!

– من المحزن.. أن الخوض في معركة طائفية مُصطنعة الكل يعلم مدى عقمها الديني والأخلاقي.. أصبح (الهم الأوحد ) لدى شريحة من الشارع الفلسطيني كما حال الشارع العربي، رغم أن الكل يُدرك بصورة أو بأخرى، أن ذلك لا يصب سوى في مصلحة المشروع الصهيوني!

– من المحزن.. أن تلاحظ بوضوح أن إستخدام الدين أصبح أسير القضايا الدنيوية ومطيّة لأهداف رجالات السياسة ومثقفيها.. أما إغضاب رب العالمين فهو آخر الهموم!

– من المحزن أن ترى بعض الفلسطينيين داخل نسيجنا الإجتماعي والوطني (بعلمهم أو بدونه) يدفع بإتجاه إحداث شرخ داخل الشارع الفلسطيني لا يعلم عواقبه وخطورته غير الله .. ولنا في مخيم اليرموك وقبله ونهر البارد دروسا نستخلص منهم العبر!

أعود لما سبق ودفعني للكتابة، هي صرخة تنبيه وقلق. من أن تقع الساحة الفلسطينية ومخيماتنا في لبنان.. فريسة ما يجري على الساحات العربية واللبنانية من تآكل حقيقي لعموم الهوية العربية!

“اللهم أني قد بلغت اللهم فأشهد”

ولنا لقاء..

أبورياض