الشتات الفلسطيني

اللـواء سلطـان أبـو العينين || مخيمات لبنـان تمثل العنوان الرئيس والجوهـر الحقيقي لقضية اللاجئين الفلسطينيين

يتشارك الكل الفلسطيني بالأزمة المادية والاقتصادية والسياسية والحصار، إضافةً إلى الضغوطات التي وصلت لحد تهديد القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني رداً على النصر السياسي الذي تحقق في الأمم المتحدة لجهة نيل فلسطين صفة مراقب.

حول هذه القضايا وخطط واستراتجيات القيادة للخروج من هذه الأزمات والدور المطلوب من أبناء الحركة ومن الجماهير الفلسطينية بشكل عام، وعن برامج وآليات العمل لمرحلة ما بعد الاعتراف الأممي بفلسطين كدولة كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” مسؤول ملف المنظمات الأهلية في فلسطين سلطان أبو العينين “أبو رياض”.

س: نحن على أبواب عامٍ جديد من مسيرة حركة “فتح” فما هو تقييمكم للعام الماضي؟

أولاً أهنئّ شعبنا وأبناء الحركة في كل مكان بذكرى الانطلاقة الـ48 هذا الشعب العظيم الذي قدَّم خيرة أبنائه وقادته على طريق الحرية والاستقلال الوطني، وهذه الحركة التي كانت ولا تزال هي البوصلة التي تحدد مسار القضية الفلسطينية بحكم فلسطينيتها التي قاتلت من أجل أن لا تحيد القضية والحركة عن طريق الحرية والدولة. وبلحظات إذا عدنا إلى السنوات الماضية منذ الانطلاقة الأولى وحتى هذه اللحظات نستذكر هذا الكم من الشهداء والآلام والجراح والعذابات وما لحق بشعبنا الفلسطيني من كوارث ونكبات، ولكن وكما قالت “فتح” عند انطلاقتها نحن لسنا في نزهة وإنما طريق معبدة بالأشواك والصعاب والجراح والدماء. صحيحٌ أن وضعنا الآن ليس هو نفسه الحلم الذي أردناه ولكننا نعمل ونضحي من أجل أن نرى الحلم الذي خططنا له منذ زمن بعيد عما قريب على أرض فلسطين. فهناك واقع مؤلم تعيشه القضية الفلسطينية في ظل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي بطبيعته العدوانية. وقد عجزنا عن وضع استراتيجيات لمواجهة هذه الغطرسة الصهيونية إضافة إلى الانقسام الذي مازال مستمراً، وأعتقد بأنه علينا بعد حصولنا على الانتصار السياسي وهذا الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة الآن، وأصبح واقعاً بأن هذه الأرض التي نقف عليها الآن هي ليست أراضي متنازع عليها، وإنما هي أراضي دولة محتلة من قبل دولة أخرى، أن نضع آلياتٍ واستراتيجيةً جديدة بعد انتزاع هذا الاعتراف من قبل 138 دولة بفلسطين دولة تحت الاحتلال. وهنا أقول بأن رغم أنَّ هناك دولاً امتنعت عن التصويت لصالحنا في الأمم المتحدة، ولكن باعتقادي العمل جارٍ لكي تنتقل هذه الدول للاعتراف بنا كدولة في العام القادم، وهذا يتطلب اقتحاماً سياسياً للمجتمع الدولي في ظل عجز اللجنة الرباعية الدولية وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على هذه اللجنة، وكذلك إيجاد البدائل لرعاية هذه الدولة الوليدة على أرض فلسطين، ونحن بصدد وضع استراتيجية جديدة فهذه الدولة بحاجة لدستور جديد ولحكومة جديدة ولأدوات صراع جديدة مختلفة عن السابق. كما علينا إعادة النظر في الوظيفة السياسية والأمنية والاقتصادية لهذه السلطة التي نجمع كلنا على أنها لم تعد سلطةً ولن تبقى سلطة لأنها أصبحت دولة ولا يجوز أن يبقى شعبنا في ظل دولة محتلة ويلغي من ثقافته حقه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكال المقاومة بما فيها حقه في الكفاح المسلح ولكن ضمن رؤية فتحاوية وفلسطينية مشتركة ومتفق عليها تصوِّب الهدف السياسي لتحقيق الأغراض السياسية المرجوة.

س: ما هي برامجكم لرفع مستوى الأداء الحركي في العام القادم؟

أولاً علينا أن نستفيد من عثراتنا في السنوات الماضية ومن تجربتنا في المؤتمر السادس للحركة وحتى الآن، وأن ندرس ذلك بعمق لكي نحوِّل هذه العثرات إلى حوافز للاندفاع نحو الأمام. فأمامنا الآن شمس ونهار ساطعان بعد الاعتراف الدولي الحاشد، ولدينا يوم مختلف عمَّا كان في السابق وقبل التاسع والعشرين من تشرين الثاني، لذا علينا أن نغيِّر من أدوات الصراع وآليات العمل لتتناسب مع هذا الحشد والزخم الذي تحقق لفلسطين. ونحن نعمل الآن لوضع رؤية وأهداف جديدة ولجان طوارئ لتتعامل مع كل ملف وكل أزمة تمر بها قضيتنا اليوم وفي السابق حتى لا نبقى نعيش على أطلال الماضي.

س: ما هي توقعاتكم لمرحلة ما بعد القرار الأممي القاضي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

علينا أن نُعِّد أنفسنا للمعركة السياسية في المؤسسات الدولية في الأيام القادمة وهذا لا يلغي حقنا في مقاومة الاحتلال وبكل الإشكال بما فيها الكفاح المسلح فالشعب الذي يكون تحت الاحتلال إذاً ويتخلى عن المقاومة هو شعب لا يستحق الحياة، وإذا اضطررنا للقتال سنقاتل، ولن نقبل بأن يُعيث المستوطنون في أرضنا فساداً وأن يعتدوا على أطفالنا ومساجدنا وشيوخنا ويهاجموا قرانا، ولن نبقى مكتوفي الأيدي ونكتفي ببيانات الشجب والاستنكار. لذا لا بد من تعزيز المقاومة الشعبية بشكل فاعل ومؤثر وضمن مراحل متتابعة بحيث يتم تطويرها في كل مرحلة لكي ندفع بالاحتلال الإسرائيلي للخروج من أرضنا الفلسطينية. وهنا أؤكد بأن معركتنا طويلة والأيام القادمة ستكون صعبة لأننا نواجه عدواً لئيماً لا يقيم مكاناً للقوانين والمواثيق الدولية وستبقى معركتنا شرسة مع هذا الاحتلال إلى أن يزول وتقام الدولة الفلسطينية المستقلة.

س: في ظل المجلس الاستشاري لحركة “فتح” حالياً ما الجديد المتوقع من هذا الاجتماع؟

المجلس مستمر في الانعقاد وهو يضم أخوة ونخبة من المناضلين الذين كانوا في موقع القرار ومازال البعض منهم في هذا الموقع ولديهم من الخبرة في النضال الوطني الفلسطيني ما يؤهلهم للمشاركة في اتخاذ القرار. لذا فلا بد من أخذ التوصيات التي ستخرج من المجلس بعين الاعتبار، لأن هؤلاء يتحدثون من موقع التجربة والألم والوجع ويتحدثون ضمن رؤية فتحاوية صادقة، لذلك فمسؤوليتنا في حركة “فتح” أن نأخذ هذه التوصيات بشكل جدي ونتوقف عندها ونعمل على تحقيقها كلها إذا لزم الأمر، لأن تجربة هؤلاء الأخوة كبيرة وهم في موقع الحريص على هذه الحركة وعلى أحلام وأهداف الشعب الفلسطيني فحقهم علينا الأخذ بملاحظاتهم وتوصياتهم. كذلك فالمجلس سيناقش عدة قضايا مهمة من بينها الوضع الداخلي للحركة والوضع السياسي وقضية المصالحة وبقية القضايا الأخرى ذات الصلة وبشكل عام الهم الفلسطيني ككل، كما سيخرج بتوصيات في ظل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها الآن. وعلى هذا فلا يجوز أن نبقى نبلع لساننا في ظل صمت بعض الأشقاء العرب وتجاهلهم لدعم القضية الفلسطينية أو أن لا نجرؤ على الكلام وتسمية الأمور بأسمائها، فشبكة الأمان الاقتصادية التي تعهدت جامعة الدول العربية بتشكيلها للسلطة الوطنية الفلسطينية بعد الاعتراف الدولي وفي ظل الحصار والضغوط التي تعرضت لها القيادة الفلسطينية والتهديدات من القريب والبعيد ولدت للأسف ميتة ولم تبصر النور حتى هذه اللحظة، ويؤلمنا عدم قدرتنا على تسمية أولئك الذين يمنعون الدعم عن شعبنا الفلسطيني أو يترددون في منحه وكأنهم يدفعون الشعب الفلسطيني الذي شكَّل الطليعة والعنوان للشعوب العربية وبوابة السلام والحرب للمنطقة ككل نحو الاستسلام ورفع الرايات البيضاء.

س: كيف ينظر أبناء شعبنا في الداخل إلى الساحة اللبنانية؟

من واقع معايشتي للساحتين الفلسطينية واللبنانية ما زلت أرى أن الساحة اللبنانية يجب أن تبقى رديفاً للوطن، ولكن للأسف وأقولها بمرارة هي ليست كذلك، فلتكون رديفاً للساحة الفلسطينية كان علينا ألا نرهن كل أوراقنا داخل الوطن فنحن لا نعلم ماذا تُخبئ لنا الأقدار والأيام خاصةً أننا في حرب ضروس مع العدو الإسرائيلي ولهذه الحرب أشكال مختلفة ومتعددة الأوجه. فشعبنا الفلسطيني في لبنان قدَّم الكثير من التضحيات والشهداء والجرحى والعذابات ومازال يعاني ويقدم حتى هذه اللحظة، لذا لا يجوز أن تكون الساحة اللبنانية بهكذا حالة بحيثُ لا تشملها الرعاية التنظيمية والاقتصادية والسياسية وكل القضايا الأخرى لكي تبقى “فتح” في موقع الريادة وصاحبة المشروع الوطني والأمينة عليه وصاحبة الهوية الوطنية، لأن مخيمات لبنان تمثل العنوان الرئيسي والجوهر الحقيقي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فإذا فقدت حركة “فتح” قيمتها النضالية ومكانتها في مخيمات شعبنا في لبنان فسينعكس ذلك فوراً وبشكل تلقائي على المكانة السياسية لهؤلاء اللاجئين وعلى حق العودة. فكلما كانت “فتح” في موقع الريادة والقوة والتأثير والفعل في مخيمات لبنان كلما ظلَّت قضية اللاجئين وحقهم في العودة لديارهم قضية حية وقوية في المجتمع الدولي. أمَّا حقيقة الوضع الذي تعيشه الحركة الآن فهو ليس بالوضع الذي يرضينا، وللحقيقة أقول بأن هناك نظرة رائعة من قبل شعبنا في فلسطين لإخوانهم في مخيمات لبنان وهناك عشق أصيل لهؤلاء اللاجئين الصامدين في المخيمات وتقدير كبير لتضحياتهم وهناك حنين وشوق ولهفة لزيارة هذه المخيمات التي سطرت المراحل النضالية لحركة “فتح” وللقضية الفلسطينية على مر السنوات السابقة ولرؤية المعاناة والعذابات التي يعيشها شعبنا هناك ومعرفة تطلعاتهم وآمالهم، وهذا حنين لم أره في أي مكان آخر سوى هنا في أرض الوطن.

س: ما الذي تريده قيادة حركة “فتح” من تنظيمها وجماهيرها في المخيمات؟

القيادة تحرص دائماً على وحدة اللاجئين في لبنان وعلى بقاء هذه الوحدة متآخية ومؤثرة وعلى كون الكل الفتحاوي في دائرة الفعل والتجانس دون تباينات خارجة أحياناً عن الأطر التنظيمية. لذا فعلينا في ظلِّ الظروف الصعبة التي يعيشها إخواننا في المخيمات أن نرعاهم ونقدم العون لهم ونفي بكل متطلباتهم. وهنا أشير بأن صندوق الرئيس أبو مازن لدعم ورعاية الطالب الفلسطيني في لبنان أو التكافل الأسري أو غيره غير كافٍ، فمخيمات لبنان بحاجة إلى مؤسسات فاعلة ومؤثرة لدعم صمود اللاجئين هناك ولتوفير شبكة أمان لهم. وفي المقابل على الأخوة في لبنان أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يتجاوزوا التشرذمات ويعملوا على ضبط أوضاعنا الداخلية بيد من حديد لأن ذلك له انعكاسات على ضيافتنا في لبنان، ولا يجوز أن يبقى هذا المخيم في نظر بعض الأشقاء اللبنانيين بؤرة توتر أو ملاذاً لعناصر شغب، بل يجب أن ينظر إلينا كضيوف كرام لدى أهل كرام وبشكل مؤقت لحين العودة إلى ديارنا وأرضنا. ونحن لسنا بحاجة إلى امتحان جديد في لبنان لأننا لسنا عصياً بيد أي فريق وإنما نحن ضيوف عند الدولة اللبنانية ولعل هذه الضيافة تكون في ساعاتها الأخيرة. أمَّا إذا حدثت أمور فردية هنا أو هناك فهي لا تمثل الفلسطينيين ككل، فالأخطاء من طبيعة البشر. ونحن كقيادة نرفض أي حدث أو شغب يسيء للبنان أو يسيء لأمنه واستقراره، وليس مطلوباً من أبناء شعبنا إلا أن يكونوا كتلةً واحدةً لحفظ أمن واستقرار المخيمات، وبذلك نرسل رسالة إلى أشقائنا اللبنانيين بأننا لسنا عبئاً عليكم وإنما ضيوف كرام لدى أهل كرام وحلمنا الوحيد كلاجئين، وأنا واحد منهم، هو العودة إلى ديارنا ومدننا وقرانا والعيش على أرض فلسطين أرض الإسراء والمعراج.

س: ماذا بشأن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك وما الموقف تجاههم؟

لقد أخذ الرئيس أبو مازن إجراءً عاجلاً بتقديم معونة مالية للاجئين هناك. ورغم أن الخطوة غير كافية، ولكن ضمن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها فلسطين هذا ما أمكننا فعله الآن. والموضوع ليس قضية إغاثة أو إيواء بقدر ما هو قضية بحث عن استقرار وأمن لهم من خلال إجراء الاتصالات الحثيثة مع كل الأطراف المعنية والمؤثرة في كلا المعسكرين المتصارعين في سوريا لأن مخيماتنا في سورية كانت ملاذاً أمن للهاربين السوريين من كلا الطرفين. ولكن مخيم اليرموك وأبناء شعبنا حُوِّلوا لحقل رماية من قبل الطرفين السوريين، وقد يكون طرف فلسطيني ساهم بشكل أو بآخر في القتال الدائر هناك. وهنا أقول عن هذا الطرف أنه بندقية للإيجار كما كان صبري البنَّا سابقاً ولسنا بصدد ذلك الآن، ولكننا نحرص على وجود أمن واستقرار لمخيمنا وكضيوف على أهلنا من الشعب السوري الذي قدَّم لقضيتنا الكثير كشعب سوري حر، فنحن نبحث عن الاستقرار ووقف زهق الأرواح والتعدي على شعبنا الفلسطيني في المخيم.

س: ذكرى الانطلاقة الفتحاوية قريبة هل ستحتفل الحركة بالانطلاقة في قطاع غزة؟

هذا الأمر يتعلق بالتطورات القادمة ونامل ان تحتفل الحركة بانطلاقتها في قطاع غزة وبالمقابل نحن أطلقنا يد حماس في الضفة الغربية لتقيم مهرجاناتها كما تشاء، ليفسحو المجال لانطلاق المارد الفتحاوي من السجن الكبير الذي تحاصرهم به حماس في غزة، ونحن لسنا في موقع المبارزة مع حماس في غزة وإنما حماس تخشى من حجم الحشد الذي سيشارك في مهرجان الانطلاقة، فهي تسعى لأن يكون مكان الاحتفال مغلقاً وصغير الحجم وغير فاعل لخشيتها من المشاركة المتوقعة من أبناء الحركة الفتحاوية في القطاع، وإذا لم تسمح حماس بإقامة مهرجان الانطلاقة في المكان الذي نريد، فأنا أميل الى عدم إقامة المهرجان، وأنا واثق تماما من أن أمن حماس سيقوم بدور بوليسي ليمنع حركة “فتح” من حشد قواها وأبنائها للمشاركة في الانطلاقة وتحت شعار الحماية والأمن العام.

اللـواء سلطـان أبـو العينين
بقلم / مفوضية الإعلام والثقافة – لبنان
خاص/ محلة القدس- حـوار: امـل خليفة | 17-01-2013

اللـواء سلطـان أبـو العينين

اللـواء سلطـان أبـو العينين

مقالات ذات صلة