الشتات الفلسطيني

جمال محيسن || مصلحة فلسطين وحركة فتح تأتيان قبل المصلحة الشخصية

تشهد الساحة الفلسطينية الداخلية محاولةً للنهوض من حالة الإحباط التي يعيشها شعبنا وأبناء حركة “فتح” في ظل تراجع العمل التنظيمي للحركة ومحاولات الأطر القيادية لبث روح العمل والنهوض بالحركة من جديد ومحاسبة الخارجين عن الإجماع الحركي والتنظيمي، إضافة إلى حالة الجمود السياسية والحصار الاقتصادي الذي تعانيه السلطة الوطنية الفلسطينية، في وقت بات يتراجع فيه المد العربي والإسلامي للقضية الفلسطيني وتتزايد وتيرة الاستيطان ومحاولات تهويد المدينة المقدسة. للاطلاع على هذه الأمور وأكثر كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” جمال محيسن.

ما هي الخطوات التي اتُخذت للنهوض بالأوضاع التنظيمية داخل حركة “فتح”؟

كان هناك قرار من اللجنة المركزية للحركة بتاريخ 26/12/2012، وكذلك عُقد اجتماع للمجلس الثوري أكّد قرار اللجنة المركزية باستنهاض الوضع الحركي لكل الأقاليم سواء كان في الداخل أو في الخارج. كما تم عقد عدة اجتماعات للجنة المركزية وتشكيل لجنة مكثَّفة بحضور 15 عضواً من اللجنة و10 أعضاء من المجلس الثوري كخلية عمل مستمرة تستعين بعدد من أعضاء المجلس الثوري والمجلس الاستشاري وعدد من الكفاءات الحركية على مستوى الأقاليم من أجل ترتيب أوضاع الحركة، وقد قُسِّمت الأقاليم على أعضاء اللجنة المركزية حيث تم تكليف كل عضو بمتابعة إقليم أو إقليمين حركياً. وفي 27/3/2013 سوف يكون هناك ورشة عمل في مدينة أريحا تضم كل اللجان لوضع خريطة عمل للجان المشرفة على الأقاليم وكذلك لوضع خطة عمل موحدة، وسيتم عقد ورشة عمل في غزة إضافةً إلى تكليف لجان إشرافية على الأقاليم في غزة، وهذا الوضع سيكون مؤقتاً ولمدة ستة أشهر من تاريخ اتخاذ القرار. وبالنسبة لانتخابات الأقاليم في الضفة وغزة فلم تسجَّل أي انتخابات فيهما بعد المؤتمر العام السادس وهذا الحال يختلف عن وضع الأقاليم الخارجية حيث لا يوجد إقليم من الأقاليم الخارجية لم يُعقد مؤتمره العام وحتى الأقاليم التي عدد أعضائها أقل من عدد أعضاء المنطقة كنا نعقد فيها اجتماعاً موسعاً ونترك للمجتمعين خيار اختيار قيادتهم ومن هذه القيادة المنتخبة تم استمزاج الآراء لاختيار أمين للسر من بينهم، وفي بعض أقاليم الخارج تم عقد أكثر من مؤتمر للإقليم الواحد، وحسب النظام الداخلي للحركة فإن كل إقليم تمر سنتان على انتخابه يتم عقد مؤتمر جديد له وتغيير الإطار القيادي له، وهناك قرار واضح في الحركة بضرورة استنهاض الوضع التنظيمي وألا يبقى أي أخ خارج الأطر التنظيمية المقرَّة سواء في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري أو الاستشاري أو على أي مستوى، وهذا الأمر ينطبق على الجميع في الداخل والخارج، وهنا نوجِّه رسالة واضحة للجميع بأن أي إنسان سيخرج عن الإجماع الحركي سيُفصل وأي أخ سيجنح هنا أو هناك ويكون انتماؤه لأفراد وليس لفلسطين فسوف تُتخذ بحقه الإجراءات الحركية والعقوبة اللازمة. فنحن نقول وبكل وضوح بأن مصلحة فلسطين وحركة “فتح” تأتيان قبل المصلحة الشخصية، ومن يقدِّم مصلحته الذاتية على ما سواها فلا حاجة للحركة به. كذلك فعند اتخاذ أي قرار وعلى أي مستوى في الحركة يجب أن يكون حسب النظام الداخلي للحركة وبعد تشكيل لجنة تحقيق للموضوع وليس حسب المزاج الشخصي للمسؤول.

هل الأخوة في القواعد التنظيمية قادرون على التجاوب مع هذه القرارات؟ وهل لديهم الخبرة والثقافة للتعاطي مع هذه المواضيع؟

كان لا بدَّ من أن تتشكَّل مفوضية التعبئة الفكرية في الحركة بعد المؤتمر العام السادس مباشرة، ويجب أن يكون هناك مدرسة للكادر الحركي لكي ننمي الكوادر الحركية وننمي الانتماء لفلسطين لا للعشيرة والقبيلة بمفهومهما السلبي. لذا أعود وأؤكد بأنه يجب أن تكون الثقافة الفتحاوية هي الأساس، وأن تبقى المؤتمرات تُعقد كما هو الحال في الخارج الآن وأن تُعقد الدورات وورش العمل لتثقيف أبناء الحركة بشكل دائم ومستمر. وهنا أقول بأن القيادة مقصِّرة لجهة عقد دورات وورش تثقيفية لأبناء الحركة في الداخل، وإذا ما تم تطبيق النظام وتم عقد مؤتمر الإقليم كل سنتين ستضطر أطر القيادة للعمل بشكل مكثَّف ودائم لترضي الأبناء والكادر الموجود في الإقليم. إلا أن عدم إجراء الانتخابات بشكل دوري سيؤدي للتكلس في الأطر القيادية ويؤثر على العمل التنظيمي. كما يجب التركيز على الجانب الاجتماعي والتنظيمي، وأي إقليم لا يعقد اجتماعه بشكل أسبوعي فذلك يعني أنه لا يعمل، وأي إقليم لا يسلِّم جلساته الدورية يجب أن يحاسب، ويجب ألاَّ نتعامل مع أفراد وإنما مع أطر حركية منتخَبة وأعتقد بأن الكادر على مستوى القاعدة يرغب بذلك ويعمل لذلك، ونحن اليوم نتواصل مع جميع أبناء الحركة وعلى جميع المستويات.

هناك حالة من الركود والإحباط في الحركة، فكيف يمكن الخروج منها وأين تكمن المشكلة؟

لقد مرَّ عشرون عاماً على تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، التي شُكَّلت لتكون جسراً للدولة الفلسطينية لفترة مؤقتة، وعلى اتفاق أوسلو وبكل أسف فالجهات الإسرائيلية تتنكر لكل الاتفاقيات التي تمَّت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وبالتالي يلاحظ المواطن الفلسطيني وليس الفتحاوي والقيادي فحسب بأن الأرض تُنهب عبر الاستيطان والقدس تهوَّد بشكل متسارع وأبناؤنا وبناتنا وشيوخنا داخل المعتقلات، والاحتلال يتنكَّر لاتفاقية إطلاق الأسرى القدامى وحتى لاتفاق الرئيس أبو مازن مع الحكومة السابقة بإطلاق سراح بقية الأسرى، وأبناؤنا في داخل المعتقلات قد قطعوا شوطاً طويلاً في النضال ضد السجان وضربوا المثل في الصمود والرقم القياسي في الإضراب عن الطعام رفضاً لسياسة العزل والتنكيل التي تنتهجها سلطات الاحتلال، إلى جانب الحصار المالي الذي تعانيه السلطة الآن وللأسف من قِبَل بعض الدول العربية التي تملك المليارات. وما يتم الآن في بعض الدول العربية وما يسمى بالربيع العربي هو كذب فهذا دمار لمقدرات الأمة ونهب وتدمير للثروات العربية، كما في سوريا والعراق حيثُ فاق عدد الضحايا العدد الذي كان ليسقط لو أن الحرب كانت مع إسرائيل، لذا فكل هذه الأمور انعكست سلباً على المواطن الفلسطيني وسببت حالة الإحباط التي نعيشها حالياً، ولكننا نعيد ونكرر بأن الإرادة الفلسطينية في التحرر مازالت موجودة، ويتم التعبير عنها بهذه الروح الموحدة في التصدي للمحتل في المعتقلات، وبالمقاومة الشعبية المتصاعدة، وبمواقف القيادة السياسية التي ترفض كافة الضغوط الدولية وتبقى متمسكةً بالثوابت الوطنية وحقها التاريخي في المؤسسات الدولية، ورغم كل هذه الظروف الصعبة والمؤامرات والمجازر التي تعرَّض لها شعبنا إلا أن حالة الإصرار والثبات ما زالت موجودة، ومخيم صبرا وشاتيلا دليل واضح على ذلك. فنحن أصحاب حق وما زال لنا حق، والإرادة ستبقى موجودة. حتى وإن أصابنا الهدوء فترةً فإننا سننطلق من جديد وكما كان يقول الشهيد القائد أبو عمار “الشعب الفلسطيني مثل طائر الفينيق سيرجع يحلق من وسط الركام أكثر عملقة وشموخاً”.

هل اللجنة المركزية والمجلس الثوري جادون في مسألة المحاسبة التنظيمية؟ أم سنقول عفى الله عمّا سلف؟

أتصور أن قول الله تعالى :”ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” ينطبق علينا كما هو الحال في باب العقوبات الموجود في الحركة. فلا عمل يتم بدون عقاب وثواب من أجل التصويب والبناء السليم. وفي العمل التنظيمي إن لم يكن هناك عقاب فلن يتم العمل بشكل صحيح. فعلى سبيل المثال يتم حل لجنة التنظيم كاملة إذا لم تقم بعملها، وقد تمَّ ذلك في بعض الأقاليم، والقيادة تتحمل جزءاً من المسؤولية في هذا الجانب لأننا لم ننمِّ منذ البداية ثقافة الانتماء للحركة وبقيت ثقافة الانتماء للعشيرة أكبر. وبالرغم من أننا أبناء عشائر ونحترم دور العشيرة في المجتمع الفلسطيني ولكن في العمل التنظيمي الانتماء للتنظيم ومصلحة التنظيم أولاً. فالعمل التنظيمي هو عمل ميداني وليس عملاً مكتبياً، ولذلك فعندما خصصت جلسة للجنة المركزية في 26/12 الماضي وكذلك للمجلس الثوري كانت أعماله متواصلة لمدة ثلاثة أيام مركَّزة على العمل التنظيمي، وكل هذا دليل على وجود خلل في العمل التنظيمي، لذلك لا بدَّ من تصويب هذا الخلل، وبالتالي فعندما ننجح في عملنا التنظيمي فسننجح في العمل الوطني. من جهة ثانية، فالقيادة قائمة على اتخاذ القرار. ومن هنا فمن يعمل يكافأ ونشدُّ على يده ومن يخطئ يعاقب ضمن باب العقوبات، إضافةً إلى أهمية المتابعة والإشراف من خلال الاجتماع والتواصل الدائم. فنحن لا نريد انتخاب مخاتير يبقون خلف المكاتب، وإنما رجال يعملون في الميدان ويحتكون بالجماهير. وأنا متفائل بأن اللجنة المركزية للحركة لديها توجُّه لتفعيل الأطر الحركية بجدية كاملة وليس كمجرد شعار، وهذا ما يمارس الآن على الأرض لأنه علينا استحقاقات كثيرة تتطلب منا العمل الدؤوب والجاد ومنها عقد المؤتمر العام السابع، إضافةً إلى الاستحقاقات الأهم ألا وهي التخلص من الاحتلال، والانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية القادمة.

إلى أين وصلت الجهود في العمل التنظيمي في قطاع غزة؟

كما تعلمون فإن الأخ نبيل شعث اعتذر عن الإشراف على التنظيم في قطاع غزة بسبب انشغاله بملف العلاقات الدولية وكلَّفت اللجنة المركزية زكريا الآغا، بسبب رغبة الحركة في أن يكون المشرف على التنظيم في قطاع غزة مقيماً فيه. كما تمَّ تشكيل مفوضية حركية من 17 أخاً وأختاً وسيتم توزيع أقاليم غزة الثمانية على أعضاء اللجنة المركزية، وكل عضو من المركزية سيشكِّل لجاناً من المجلس الثوري والاستشاري ومن بعض الكفاءات الحركية والعسكرية والمتقاعدين والأسرى المحررين لمتابعة العمل التنظيمي في القطاع، وكذلك الحال في الضفة. وهنا لا بدَّ أن ألفت إلى شيء مهم وهو ضرورة التمييز بين الصداقة والعلاقات الإنسانية وبين الشللية التنظيمية. فمن كان ولاؤه لمحمد دحلان فحسب فلا حاجة للحركة له ومن كان ولاؤه للحركة فالحركة ترحِّب به وستبقى محتضنة له. فحركة “فتح” مرَّت بالكثير من هذه الحالات مع صبري البنا أبو نضال، وأبو موسى، وأبو خالد العملة ولكن هذه الظواهر كلها زالت وبقيت حركة “فتح”. والآن لا يجب على أي أخ من أبناء الحركة أن يضيِّع تاريخه. فدحلان كان محظياً في أيام الشهيد أبو عمار وحتى في أيام الرئيس أبو مازن وكان يساهم في تعيين وزراء ومدراء وسفراء وأعضاء مجلس تشريعي وغيرهم لمن يستحق ولا يستحق، ولذا فبعض الناس يشعرون بالحرج وأنهم مدينون له، ولكن هذا لا يجب أن يكون على حساب مصلحة الحركة. وعلى الحركة أن تكون صارمة في هذا الأمر فإما الولاء للحركة وإما الخروج منها. لذا نأمل من القيادة الحركية الجديدة لقطاع غزة أن تحتوي الجميع حولها وألا يتم إقصاء أو إبقاء أي أحد إلا بعد التأكد من ولائه وبعد التحقيق والتمحيص، وأتمنى العمل بهذه الروح في غزة وإعطاء الفرصة للشباب للعمل في قطاع غزة وخاصةً في اللجان الحركية المختلفة وفي كافة التشكيلات، فالشباب كما قال فيهم الرسول (صلعم): “نصرت بالشباب”. وهنا أؤكد ضرورة التواصل الدائم مع أبناء الحركة في غزة، كي لا نخدم السياسة الإسرائيلية الرامية لعزل القطاع عن الضفة، وكذلك لا يجب الاستسلام لحركة حماس في توجهها لإحكام السيطرة على قطاع غزة وعزل أبناء حركتنا هناك.

كيف تنظرون للساحة اللبنانية وأوضاع الحركة هناك؟

بداية كان الله في عون أبناء شعبنا في لبنان وخصوصاً أبناء الحركة لأن عليهم أعباءً كبيرة، وزادت الأعباء عليهم هذه الأيام نتيجة نزوح أهلنا من مخيمات سوريا، إضافةً لبعض المشاكل في التنظيم خصوصاً في منطقة البقاع، ولكن لجنة الإقليم تكثِّف جهودها هناك ونحن معها في كل قرار سليم تتخذه لمعالجة الوضع، وعلينا أن نعي أن الحركة تحكمها أنظمة وقوانين وفي نفس الوقت هناك بعض الإشكاليات داخل المخيمات من قبل بعض التيارات الإسلامية. لذا أرجو أن تعي هذه التيارات ما حصل في مخيم نهر البارد وألا تجرَّ المخيمات للويلات، وآمل أن تبقى المخيمات بعيدة عن الخلافات الداخلية وأن يتم التعامل بحكمة وحسم مع الخارجين عن الإجماع الوطني الفلسطيني، وموقفنا الرسمي هو عدم التدخل بشؤون الآخرين وأن ننأى بالمخيمات عن المشاكل الداخلية لأي بلد نتواجد فيه، فبوصلتنا تتجه نحو فلسطين فقط.

ماذا تقول بمناسبة يوم الأم وذكرى معركة الكرامة؟

أوجِّه التحية لوالدتي ولكل الأمهات الفلسطينيات وخصوصاً أمهات الشهداء والأسرى وأخوات وزوجات الأسرى والشهداء، ورغم كل الجراح والآلام نحاول إيجاد مساحة لنقول لهن كل عام وأنتن بخير. كذلك فاليوم أيضاً ذكرى معركة الكرامة الباسلة، ونترحم على أرواح الشهداء الفلسطينيين والأردنيين الذين استشهدوا في المعركة وجسَّدوا المثال الأروع لروح التلاحم بين العرب، وقدَّموا هذه التضحية للدفاع عن الكرامة العربية التي هُزمت في حرب حزيران في العام 1967، حيثُ تم التصدي للعدو الإسرائيلي الذي هاجم الكرامة براً وجواً، وتم إجباره على التراجع والانسحاب بعد أن تكبَّد الخسائر الكبيرة في الجند والعتاد وبعد أن ارتقى للأعالي 94 شهيداً فلسطينياً و80 شهيداً من أشقائنا في الجيش الأردني. وهنا أقول للجيوش والقيادات العربية بأن الجندي الإسرائيلي إذا تمت مجابهته بالإرادة القوية حتى ولو بسلاح بسيط فسيهزم كما انهزم في معركة الكرامة، لذا أتمنى لو يخرج أشقاؤنا العرب من أزماتهم الداخلية ويعودون للساحة الدولية ليكون لهم وزن وكيان، وألا يبقوا تابعين للسياسة الأمريكية وحجارة شطرنج يتم التلاعب بها من الخارج لصالح إسرائيل وأمريكا والغرب، وأن يُفعِّلوا اتفاقية الدفاع العربي المشترك ويعود الصراع عربياً إسرائيلياً لا عربياً إيرانياً أو سنياً شيعياً كما يحاول الغرب فرضه على المنطقة، فالكل الإسلامي مستهدف كما هو العربي مستهدف، ونحن شعب متسامح غير متعصب ويؤمن بجميع الديانات السماوية، كما أننا نميِّز بين الصهيوني واليهودي فعدونا اليهودي الصهيوني صاحب النزعة السياسية المتطرفة وليس اليهودية كديانة.

جمال محيسن

القدس || 29-03-2013
حوار/ امل خليفة

مقالات ذات صلة