الشتات الفلسطيني

مجزرة صبرا وشاتيلا || آلاف الشهداء .. والقضية في الذاكرة

لم تكد الشمس تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتسحب آخر خيوطها المرسومة على سماء المخيم، وتودع أبناءه كما كل يوم، حتى سطعت قنابل الغدر المضيئة لتنير للغزاة طريق الظلم ليقتلوا آلاف الأبرياء، وهنا بدأت المجزرة.. مجزرة صبرا وشاتيلا.

ذنبهم أنهم فلسطينيون، أنهم محرومون من حنان الوطن وعطف العدالة، أن لديهم قضية عاشوا وماتوا وهم ينتظرون تحقيقها، أن لديهم حلم بسيط.. العودة إلى تراب الوطن، لذا قُتلوا.

بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، وغياب المقاومين الفلسطينيين عن المخيم، تسربت مجموعات حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي، تحت حماية العدو الصهيوني وبمشاركة جنوده إلى مخيمي صبرا وشاتيلا مساء 16 أيلول 1982، شددوا الحصار عليهما، منعوا الدخول والخروج منهما، منعوا الصحافة والإعلام من الاقتراب، ذبحوا الطفل أمام عيني أمه، قتلوا الشيخ أمام عائلته، اغتصموا المرأة والطفلة قبل قتلهم، عذبوا الشباب ونكّلوا بهم قبل أن يقتلوهم، ليسطروا بذلك أبشع مجازر التاريخ.

مجزرة استمرت ثلاثة أيام “استطاع” خلالها العدو الصهيوني وأعوانه، برئاسة رافايل إيتان رئيس أركان الحرب الصهيوني، وآرييل شارون وزير الحرب آنذاك، والمسؤول الكتائبي إيلي حبيقة، قتل ما بين 3500 إلى 5000 شهيد، لإرغام الفلسطينيين على الهجرة من جديد، محاولاً بذلك إجبارهم على نسيان قضيتهم، ظنًّا منه أن الدماء ستجعلهم ينسون أرضهم أو العودة إليها.

في 18 أيلول انتهت المجزرة، عاد الفلسطينيون الذين تمكنوا من الفرار، وتمكنت وسائل الإعلام من الدخول إلى المخيم، وجاء الفلسطينيون من كل حدب وصوب ليشاهدوا جميعًا أبشع المجازر التي اقترفتها أيدي المجرمين والسفاحين. أطفال يغرقون بآخر قطرات دمائهم، نساء مغتصبات قبل قتلهن، حوامل بُقرت بطونهن ونزعت أرحامهن وأجهض أطفالهن عنوة، شيوخ نُتفت لحاهم ونحروا، شبابٌ نزعت أظافرهم ونُتف شعرهم وقطِّعت أطرافهم.. وبعدها صلبوا وقتلوا.

أثاروا الرعب بين أبناء المخيم، وسطروا مجزرة بشعة لتبقى ذكرى حالكة يتذكرها الفلسطينيون، ويعلنون الحداد على أرواح شهدائها كل عام، مؤكدين أنها لن ولم تُمحَ من الذاكرة الفلسطينية، لأنها وصمة عار على جبين منفذيها.

مجزرة لم تكن آخر ذنوب العصابات الصهيونية وأتباعها، ولم يكن شهداؤها آخر شهداء القضية الفلسطينية، ولم يكن مخيماها آخر المخيمات التي دُمّرت واستُشهد أهلها؛ فالعدو الصهيوني قتل بعدها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ومسلسل المجازر لم ينتهِ بعد.

مجزرة ارتكبها المجرمون ليمسحوا فلسطين من ذاكرة أهلها، فما زادهم إلا يقينًا بأن قضيتهم العادلة ستتحقق، دماء آلاف الشهداء لم تغسل ذاكرتهم وتجعلهم يتخلون عن حق عودتهم، بل ملأت زوايا الذاكرة بدماء أحبائهم وإخوانهم لتكون طريقًا تسير بهم نحو فلسطين.

قتلوهم وكل ذنبهم فلسطينيتهم وهويتهم، مجتمع دوليٌّ كأن الطير فوق رأسه، تحقيقات رومانسية تناثرت في الهواء، محاكم لم تستطع إدانة مرتكبي الجريمة إلا بأشكال غير مباشرة، دماء لن تستطيع الذكريات أن تعيدها إلى عروقها، وفي النهاية: مجزرة تحققت ومرتكبوها لا يزالون طلقاء، أهذه العدالة؟

مقالات ذات صلة