الشتات الفلسطيني

تحقيق: مخيم الجليل.. مأساة مستمرة يُفاقمها أعداد النازحين

خاص/ القدس للأنباء

إنه مخيم الجليل في بعلبك… أحد أصغر المخيمات الفلسطينية في لبنان.. والوحيد الذي ما زال يحمل إسماً من أرض فلسطين الحبيبة. عدد سكانه حوالى 650 عائله تقريباً ـ 3500 نسمة ـ. هو ثكنة محاطة بسور منذ الإنتداب الفرنسي عرفت باسم الجنرال الفرنسي ويفل. عند النكبة نزح الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني واضطروا للسكن فيه، ومع إنطلاقة الثورة الفلسطينية سنة 1965 سُمّي بمعسكر الجليل نسبة إلى سكانه القادمين من شمال فلسطين وأكثرهم من قرى لوبيه، حطين، فراضية، المجيدل، وسعسع. في مساحة لا تتعدى ربع كيلومتر مربع محاط بسور لا يمكن تجاوزه في البنيان .

هناك 2000 عائلة فلسطينية نازحة منهم حوالى 12500 نسمة سكنوا المخيم وجواره منذ 19 تموز 2012 بدأت حركة النزوح للفلسطينيين القادمين من سوريا الى بعلبك. غادر قسم منهم إلى سوريا وقسم تنقل نتيجة الأوضاع الصعبة في منطقة البقاع خصوصاً ظروف الطقس التي تصل في بعض الأيام إلى ما دون الصفر والحاجة لمادة المازوت التي تبلغ قيمتها 200 دولار شهرياً .

شكلت العائلات النازحة عبئاً على المخيم وسكانه لعدم وجود أماكن سكنية شاغرة بحكم صغر حجم المخيم. والعائلات المستضيفة باتت تعاني نكبة جديدة نتيجة لتقاسم المأكل والمشرب ومضاعفة الإحتياجات حيث برزت مشكلة الإكتظاظ بسبب ضيق المساحة وعدم وجود مساحات واسعة في المخيم. خصوصا من أجل الأطفال.

جلال عبد القادر

يقول جلال عبد القادر، أحد أبناء مخيم الجليل لمراسل “وكالة القدس للأنباء” “لقد كنا نجد عملاً بصعوبة، اليوم أصبحنا بلا عمل وإن وجدنا فعلينا أن نرضى بأقل من نصف الراتب السابق، ويتساءل كيف نستطيع أن نؤمن معيشة أبنائنا وتعليمهم وملابسهم ونوفر التدفئة المكلفة برواتب لا تتعدى 400 ألف ليرة لبنانية شهرياً؟!!، إما أن تقبل بها وإما أن ترجع للبيت بلا عمل، فهناك الكثيرون ينتظرون عملاً بأقل الأجور؟! . ”

اللجان الشعبية

في هذا الصدد، قمنا بزيارة لأمين سر اللجان الشعبية لمنظمة التحرير في البقاع أبو جهاد خالد عثمان، الذي تحدث لوكالة القدس للأنباء متناولاً هذه المأساة التي بات يعاني منها أهالي المخيم سكاناً ونازحين على كافة الأصعدة (صحياً وبيئياً واجتماعياً وتربوياً وإنمائياً).

يقول أبو جهاد “إن المشكلة الأساس تكمن في الأعداد المتزايدة للمقيمين داخل المخيم وفقدان الجميع سواء كانوا مقيمين أو نازحين لفرص العمل، حيث أن القانون اللبناني يمنع الفلسطيني من حق العمل وهناك إنعدام في وجود فرص عمل بالأساس.. فما وضع النازح الذي يعتبر وجوده في لبنان غير قانوني؟!! فالفلسطيني يعتبر وجوده غير شرعي على الأراضي اللبنانية بعد مرور 15 يوماً على دخوله الأراضي اللبنانية ـ بحسب القوانين ـ، وبالتالي لا يمكن له الحصول على فرصة عمل لائقة بأي ظرف من الظروف!!”.

الوضع الصحي

أما عن الوضع الصحي في المخيم، فيقول أبو جهاد “لم تقم الأونروا بزيادة كمية الأدوية فالعيادة تستقبل يومياً بين 50 إلى 100 عائلة والأدوية على حالها وهناك طبيب واحد. ويتساءل: هل يُعقل أن يعالج الطبيب 100 حالة خلال ساعات العمل المحدودة ؟!”.

الوضع البيئي

في الوضع البيئي في المخيم، يقول أمين سر اللجان الشعبية “إزدادت كمية النفايات وهناك حاجة في المخيم لمزيد من عمال النظافة الأمر الذي لم توفره الأونروا حتى الآن”.

الجانب التربوي

ويتحدث أبو جهاد، عن الجانب التربوي في المخيم فيقول “هناك صعوبة في التعاطي مع إختلاف المناهج التعليمية بين المنهاج اللبناني والمنهاج السوري، بالتالي كان من المفترض البحث عن معلمين قادمين من سوريا كونهم أقرب للتفاهم والتعامل مع الطلاب وأكثر خبرة في الوسائل التعليمية المتبعة في مدارس الأونروا في سوريا، ناهيك عن مشكلة الإكتظاظ في الصفوف حيث تجاوز عدد طلاب الشعبة الواحدة الأربعين طالباً وهناك صفوف يجلس فيها ثلاث طلاب على مقعد واحد، بالتالي مطلوب من الأنروا توفير المدرسين وفتح عدد صفوف أكثر مما يتناسب مع أبسط مقومات التعليم السليم”.

الوضع الإجتماعي

اجتماعياً يقول أبو جهاد “إن سياسة تقليص الخدمات المتبعة في الأونروا منذ فترة تنعكس اليوم سلباً على العائلات النازحة من سوريا فالأونروا حصلت على مبالغ كبيرة من الدول المانحة وهناك ضياع في صرفها في زواريب مجهولة لا تخدم النازح، فمنذ أكثر من سنة لم تقدم الأنروا سوى ثلاث دفعات نقدية لم تكن تلبي الطموحات (200000 ليرة لبنانية لأسرة من ثلاث أفراد، بالإضافة إلى 50000 بدل حصة غذائية لكل فرد)، وللأسر التي تزيد عن ثلاثة أفراد (300000 ليرة لبنانية + 50000 بدل حصة غذائية لكل فرد). هذا في ظل إرتفاع الإيجارات وعدم وجود مراكز إيواء لهذه الأعداد من النازحين، تعتبر هذه المساعدة التي تقدمها الأونروا غير كافية كبدل إيجار لشهر واحد.

مشكلة الكهرباء

كما تطرأ أبو جهاد إلى مشكلة الكهرباء في المخيم قائلاً” يوجد في المخيم ثلاث محطات كهربائية بقيمة 250 KVA لكل محطة، الأولى يستفيد منها المخيم بنسبة 40 % وتذهب القيمة الباقية لأحياء خارج المخيم، والثانية يستفيد المخيم منها بنسبة 50 % وتذهب القيمة المتبقية للجوار، والثالثة داخل المخيم يستفاد منها بنسبة 100 %. هذا قبل أزمة النزوح، أما اليوم فالأعداد قد تضاعفت والإحتياجات تضاعفت وما زالت محطات الكهرباء على حالها المترهلة. وأصبحت لا تلبي حاجات المخيم حيث هناك ضغط كبير أدى إلى إحتراق الكثير من الدجنتيرات إذ تبلغ تكلفة استبدال الدجنتير الواحد 500 دولار اميركي. وأصبح المخيم بحاجة إلى محطة جديدة بقوة 500 KVA حتى يتمكن من تأمين الكهرباء لجميع سكانه.

مشكلة المياه

وتناول أبو جهاد أيضاً مشكلة المياه حيث قال “قامت الأونروا قبل أربع سنوات بالتنسيق مع الحكومة الإيطالية بحفر بئر للمياه داخل المخيم. وبعد إنتهاء الحفر تبيّن أن المياه غير صالحة للشرب وهي ملوثة بمياه مبتذلة، لم تفلح ثلاث محاولات معالجة قامت بها الأونروا وبقيت المياه غير صالحة للشرب، فأصبحنا اليوم نقع في عبء شراء مياه الشرب يومياً أو الإضطرار إلى استعمال المياه الملوثة كمياه للشرب وللطعام. كان هناك في السابق اتفاق بين الأونروا واللجان الشعبية مع مصلحة مياه بعلبك على تزويد المخيم بما معدله 150 متر مكعب من مياه الشرب، ولكن هذه الكمية لم تعد كافية وبات المطلوب إما أن يكون هناك علاج عبر محطة لتكرير المياه وإما بحفر بئر جديد للمخيم”.

كل هذه المشكلات وكل هذه المقترحات برسم المعنيين سواء الأونروا أو الفصائل الفلسطينية أو الدولة المضيفة أو المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.. فوضع المخيم بات مزرياً للغاية وأوضاع الناس من سيء إلى أسوأ.. هل يُعقل ترك الآلاف يعيشون هذه المأساة التي لم تكن بإرادتهم بل أتت من حيث لم يكن واحد منهم يتصورها واضطروا للتعايش معها بأقسى الظروف!!

مقالات ذات صلة