المقالات

السياسة الأوروبية تجاه «حماس» بين تكريس القطيعة وفرص الانفراج

السياسة الأوروبية تجاه «حماس» بين تكريس القطيعة وفرص الانفراج

د. أحمد يوسف

أعتقد أن الأوروبيين قد أخطأوا عندما وضعوا حركة حماس على قائمة الحركات الإرهابية (Terrorist List) في عام 2003م، حيث إن الحركة لم تقم بأي عمليات عسكرية تستهدف المصالح الغربية في أي مكان، كما أن مجال عملها العسكري انحصر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واقتصر على تصديها للجيش الإسرائيلي خلال عمليات الاجتياح المتكررة على القرى والبلدات الحدودية أو في الوقوف بوجه عدوانه الموسع على قطاع غزة من حينٍ لآخر، وهذا من وجهة نظر القانون الدولي هو عملٌ مشروع… وإذا كان السبب – كما تدعي بعض الجهات الأوروبية – هو العمليات الاستشهادية (Suicide Bombing) التي قامت بها كتائب القسام داخل الخط الأخضر وفي مدينة القدس، فإن تلك العمليات جاءت – كما هو معروف – رداً على المجازر الدامية والممارسات القمعية لجيش الاحتلال والمستوطنين بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن مواقف الاتحاد الأوروبي وسياساته كانت في معظم الأحوال وبشكل عام منحازة لإسرائيل، وأن الدعم الذي تقدمه بعض دول الاتحاد للسلطة في رام الله يتم فهمه داخل الشارع الفلسطيني – أحياناً – بأنه «رشوة سياسية»، مقابل سكوت السلطة على تجاوزات الاستيطان، وللتغطية – كذلك – على فشل المفاوضات.

لقد أبدت حركة حماس الكثير من المرونة الأيديولوجية في سياق رؤيتها لحل الصراع، ولكن الطرف الإسرائيلي ظل رافضاً للتعاطي معها، كما أن الغرب – خصوصا أميركا – ظل محرضاً على حركة حماس، كما أنه أسهم في خلق قطيعة بين فتح وحماس أدت إلى إخفاق الحكومة الحادية عشرة (حكومة الوحدة الوطنية) في أداء مهامها، ودفع الجميع للسقوط في وحل الاقتتال الداخلي، وانشطار الحالة الفلسطينية بحيث تباعدت الضفة الغربية – سياسياً – عن قطاع غزة، وأصبحنا مع هذا الانقسام «حكومتين لشعب بلا وطن»…!!

في الحقيقة، كان الانتماء الإسلامي هو الباعث وراء حملات العداء والتشويه لحركة حماس، لأن حركات تحرر أوروبية مثل «الشين فين»، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) لم توضع على قائمة الإرهاب، وتم استقبال زعيمها جيري آدم في العديد من العواصم الأوروبية… وفي عام 1996م استقبله الرئيس بيل كلنتون بالبيت الأبيض، فيما كان د. موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، معتقلاً داخل أحد السجون الأميركية بمدينة نيويورك.!!

إن التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية أثبتت أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، ولكن يبدو أن عيون الغرب لا تبصر آثار القتل والدمار على الجانب الفلسطيني، ولا تسمع آذانهم آهات الضحايا الفلسطينيين، ولا تشم رائحة موتاهم تحت الانقاض، حيث تسوي طائرات (F-16) مساكنهم وأحياءهم بالأرض.

في الحقيقة، أن الاتحاد الأوروبي عندما وضع حركة حماس على قائمة الحركات الإرهابية كان قد قدَّم وعداً برفع الحركة من القائمة إذا توقفت عن تلك العمليات الاستشهادية. وفعلاً فقد أوقفت الحركة عام 2004م لجوء مقاتليها لهذا النوع من العمليات، لاعتبارات لها أبعاد أخلاقية ودينية، ولكن – للأسف – أن الحركة ما زالت على القائمة الدولية للإرهاب، حتى بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م وتشكيلها لحكومة جاءت بخيار شعبي.

إن حركة حماس قد أعلنت وفي أكثر من مناسبة التزامها بالقانون الدولي، وأنها لا تستهدف المدنيين، وأن عملياتها بالدرجة الأولى موجهة لمواقع الجيش الإسرائيلي ولأجهزته الأمنية، وإذا وقعت أي إصابات بين المدنيين فهي غير مقصودة (Collateral Damage)، باعتبار أن ما تملكه المقاومة من أسلحة هي في معظمها محلية الصنع ولا تمتلك الدقة المتوافرة لدى أسلحة الجيش الإسرائيلي وطائراته. ومع ذلك، فإن حجم الضحايا من المدنيين في الطرف الفلسطيني هي (1000 مقابل واحد) في الجانب الإسرائيلي.

لقد أظهر الاتحاد الأوروبي بأنه فقط مع الديموقراطية التي تخدم مصالحه، وأنه يقف خلف الحكومات التي تسير في فلك سياساته… أما الديموقراطية وحقوق الإنسان فتخضع عملية الدعم والالتزام بها لمزاجية حساباته الخاصة؛ ولقد شهدنا ذلك من خلال رفضه لنتائج الانتخابات التي جاءت بحركة حماس للحكم – رغم نزاهتها وشهادة جميع المراقبين بذلك – حيث رفض التعامل معها، وحذَّر كل من يتعاطى معها سياسياً من فصائل العمل الوطني… وهذا يؤكد لنا غياب المصداقية في الشعارات التي يرفعها الغرب، ويعكس حالة النفاق السياسي وسياسة الكيل بمكيالين (Double Standerd) الذي يمارسونه في علاقاتهم مع الحركات والحكومات التي ترفع أو تتبنى أفكاراً ومشاريع إسلامية.

إن الغرب – برغم تاريخه الاستعماري المعاصر – كان هو أول من بادر عبر مؤسسة الأمم المتحدة بإقرار حق الشعوب في الكفاح والثورة لتحرير أراضيها، ولم يضع قيداً على اللجوء للسلاح – إذا استدعت الضرورة – لتقرير مصيرها ونيل استقلالها، وقد رأينا ذلك في تاريخنا المعاصر عندما حمل الجزائريون السلاح لمقاومة المستعمر الفرنسي، والفيتناميون ضد الاستعمار الأميركي، والسود في جنوب أفريقيا ضد سياسة الابرتهايد، والأفغان ضد الاحتلال السوفياتي… الخ.

وإذا كانت الشرعية الدولية تقر بأنه لا تعارض بين الديموقراطية وحق الشعوب في الكفاح – بأشكاله كافة – لنيل استقلالها، فإن من الطبيعي عند عجز المجتمع الدولي في إنهاء الاحتلال بالطرق السلمية أن يتم اللجوء للسلاح باعتباره الخيار الآخر المتاح أمام الشعوب لفرض إرادتها والحصول على حريتها… لقد عبرت حركة حماس عن رفضها للاحتلال بالوسائل السلمية التي تعددت بالكتابة على الجدران (Graffiti) وانتفاضة الحجارة، إلا أن المحتل لجأ لقمع نداءات الشعب الفلسطيني المطالبة بالحرية والاستقلال بالرصاص وحملات الاعتقال الواسعة، والتي لم يجد الفلسطينيون معها إلاَّ حمل السلاح ومواجهة جيش الاحتلال في انتفاضة الأقصى عام 2000م. وحتى اللحظة، فإن هناك مقاومة لا عنفية في العديد من الأماكن في الضفة الغربية إلا أن إسرائيل تلجأ لاستخدام العنف المسلح الذي يقوده الجيش ومغالاة المستوطنين لقمع الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم ومزارعهم في نعلين وبعلين… الخ.

لقد خاطبنا الأوروبيين كثيراً، وقلنا لهم: إن لنا أرضاً محتلة وشعباً مشرداً ينتظر منذ أكثر من ستين عاماً العودة لأرضه، ولقد ناشدنا كل المنظمات والهيئات الدولية إيجاد حل عادل لقضيتنا، ولكن للأسف خذلنا العالم وانتصر لإسرائيل… إن المظلومية التي لحقت بشعبنا هي التي فرضت علينا التفكير في بدائل أخرى تجبر الاحتلال على الرحيل عن أرضنا… لقد نجحنا – نسبياً – بالمقاومة في تحرير قطاع غزة وهو جزءٌ من الأرض الفلسطينية، وما زلنا نأمل أن نحرر ما احتل أيضاً من أراضي الضفة الغربية.

نتمنى على الغرب والمجتمع الدولي أن يعيننا في الوصول لحقنا في التحرير والعودة، فنحن شعب محب للسلام، وكنا دائماً كمسلمين الحاضنة الآمنة لما تعرض له اليهود من قتل واضطهاد على أيدي الأوروبيين، سواء في القرن الخامس عشر بالأندلس خلال محاكم التفتيش (Inquisition) أو بين الحربين العالميتين من عشرينات وأربعينات القرن الماضي في أوروبا.

نافذة أمل

إن العلاقة مع الأوروبيين بدأت تتحرك بشكل كبير مع فوز حركة حماس بالانتخابات في يناير 2006م، حيث اتيح لبعض نواب المجلس التشريعي وأعضاء في الحكومة القيام بزيارات لعددٍ من الدول الغربية، مثل: فرنسا والسويد وسويسرا والنرويج وبريطانيا وإيطاليا، والمشاركة في بعض الفعاليات التي رعتها الجاليات الإسلامية هناك، كما كانت هناك فرصة للبعض منهم في زيارة برلمانات تلك الدول.

ولكن يبدو أن إسرائيل التي كانت تقف لحركة حماس بالمرصاد، وتتربص بحكومتها الوليدة، دخلت بسرعة على الخط لوقف التواصل وقطع الطريق أمام استمرار مثل هذه الزيارات، وذلك بالطلب من أميركا بإلزام الدول الأوروبية بوقف تقديم أي تسهيلات سياسية لحركة حماس أو وزرائها في الحكومة… وهذا ما تم فعلاً، حيث توقفت بعد ذلك كل أشكال اللقاءات الرسمية، وإن كان بعضها لا يزال يجري خلف الكواليس وفي سرية تامة.

إسرائيل والغرب

إن أوروبا بشكل عام تدور في الفضاء الجيو- استراتيجي للسياسة الأميركية، فإذا كانت سياسة أميركا هي دعم إسرائيل عسكرياً وديبلوماسياً فإن أوروبا ستحذو حذوها… وقد شاهدنا ذلك الدعم في كل حروب إسرائيل بالمنطقة، حيث يتم حشد مواقف النصرة والتأييد للموقف الإسرائيلي، ولا نكاد نجد إدانة دولية للعدوان الإسرائيلي على لبنان أو سورية أو غزة، إننا نرى دائما اختلاق الغرب – خصوصا أميركا – للأعذار والمبررات لإنقاذ اسرائيل من الإدانة الدولية.

إننا نلاحظ في الولاية الثانية للرئيس أوباما أن هامش الاستقلال بالموقف الأوروبي آخذٌ بالاتساع، خصوصا مع بروز الإسلاميين على مسرح الحكم في العديد من الدول العربية بعد ما يسمى بالنهوض أو ثورات الربيع العربي، الأمر الذي يوحي وكأن أميركا أعطت الضوء الأخضر للأوروبيين بأن كل دولة حرة في اختيار طريقة تعاملها مع الإسلاميين بالمنطقة بما في ذلك شكل العلاقة مع حركة حماس.

ويبقى سؤال الشارع الفلسطيني حول ما لحق به من مظلوميّات تاريخية، وهذه القطيعة الأوروبية مع الإسلاميين من حماس إنما هي واحدة منها، وهو: «فهل إلى خروجٍ من سبيل»؟

الراي، الكويت، 21/9/2013

مقالات ذات صلة