المقالات

لنُخرج المصالحة الفلسطينية من ميزان حسابات طرفي الانقسام

لنُخرج المصالحة الفلسطينية من ميزان حسابات طرفي الانقسام

الكاتب رامز مصطفى

المصالحة الفلسطينية التي ينتظرها الشعب الفلسطيني منذ ما قبل الأحداث المؤسفة التي شهدها قطاع غزّة بين حركتي حماس وفتح في العام 2007، الواضح أنها قد دخلت في ميزان الحسابات والتي تتعلق بطرفي الانقسام في الساحة الفلسطينية، على الرغم أن ما كان يعتبر من المعيقات الرئيسية في وجه هذه المصالحة الميمونة والمتمثلة بإنجاز السجل الانتخابي ووجود سلام فياض على رأس حكومة السلطة في الضفة الغربية.

فما دام هذين المعيقين قد زالا إذاً ما الذي يعيق تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة كفاءات أو توافق وطني تشرف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني؟ وبالتالي التفرغ من أجل إعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاق القاهرة في العام 2005 بإشراف ومسؤولية الإطار القيادي المؤقت للأمناء العامون للفصائل ورئيس المجلس الوطني.

من الواضح ومن خلال المتابعات والمسرب عبر وسائل الإعلام وغيرها أن المصالحة لا زالت بعيدة المنال فكلا طرفي الانقسام لا زالا بعيدين عن تحقيقها على الرغم من اللقاءات والجولات المتكرِّرة بين حركتي حماس وفتح. فقد عبّر بألم عن هذه الجولات واللقاءات النائب خريشة عندما وصفها بأنها «جولات شم الهوا».

إن جملة من التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة وزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما اخيراً إلى المنطقة ومن ضمنها الكيان والسلطة، واستكمالها من قبل وزير خارجيته جون كيري الذي بدأ يرسم ملامح تسوية القضية الفلسطينية عبر مفاوضات غير مشروطة وغير معلنة وبإحاطة عربية. تدفع طرفي الانقسام إلى التمهل وإبطاء الخطى نحو إنهاء الانقسام كلٍ من منطلق حساباته وقراءاته لهذه التطورات.

والمؤسف أن هناك بعض من هذه الحسابات لا يتعلق بالعام الفلسطيني بل بالخاص لكلا الحركتين (حماس وفتح)، في الوقت الذي يوظف فيه العدو الصهيوني استمرار الانقسام من أجل تحقيق برنامجه في التهويد والاستيطان والقضاء على حلم الفلسطينيين، في أن تكون لهم دولة في المستقبل حتى ولو وفق حل الدولتين المزعوم والمرفوض، وصولاً إلى شطب حق العودة وفق رؤية الإدارة الأميركية القائمة على يهودية الدولة حسب ما عبّر عنه الرئيس أوباما صراحة خلال زيارته الأخير،ة عندما طالب السلطة الفلسطينية بضرورة الاعتراف بيهودية الدولة.

وما يعزز هذا الاعتقاد هو عدم القدرة حتى الآن على تشكيل الحكومة في مناطق السلطة (القطاع والضفة) برئاسة محمود عباس والذي على ما يبدو أنه ليس في عجلة من أمره كونه ينتظر مهلة الثمانية أسابيع التي طرحها أوباما حتى يتمكن وزير خارجيته من بلورة صيغة أميركية من أجل استئناف المفاوضات بين السلطة والكيان. والمعلوم أن الوزير كيري قد عبّر في اتصال هاتفي مع رئيس السلطة محمود عباس عن انزعاج إدارته البالغ من استقالة أو «إقالة سلام فياض»، حيث لم يكن خافياً على أحد حجم الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية لمنع الاستقالة والموافقة عليها ولكنها أخفقت، لذلك هي تعمل على خط منع تشكيلها وإطالة عمر حكومة تصريف الأعمال برئاسة فياض.

إضافة إلى ذلك، الحرب الإعلامية الآخذة بالتصاعد على خلفية زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى قطاع غزة والتي طالب الوزير الأميركي جون كيري في زيارته الأخيرة إلى أنقرة بضرورة تأجيلها أو إلغائها، الأمر الذي اعتبرته حركة حماس جاء بتحريض من عباس، عندما اعتبر النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس يحيى موسى موقف عباس من الزيارة أنه يأتي في سياق استراتيجية الأخير في التضييق على غزة وحصار حركة حماس ومنع الشرعية عنها وعن قطاع غزَّة «حفاظاً على شرعيته القلقة» داعياً الشعب الفلسطيني إلى تجاوز هذا الرجل لأنه أصبح خارج التاريخ كما قال يحيى موسى. ناهينا عن بروز خلاف مستجد بين الطرفين (حماس وفتح) حول المهلة الزمنية لإجراء الانتخابات حيث تطالب الأولى بمهلة تصل إلى ستة أشهر بينما تصر الثانية على ثلاثة أشهر فقط.

إن تعاظم التحديات في وجه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في ظل ما تشهده المنطقة من متغيرات وأحداث كبرى لم تخف الإدارة الأميركية وحلفاؤها أن الهدف منها شرق أوسط يقود فيه الكيان الصهيوني دول ذات صبغ وصيغ طائفية وعرقية ومذهبية، بمعنى أن القضية الفلسطينية ستكون من أولى ضحايا هذا الشرق الأوسط الجديد «إسرائيلياً». يفترض بطرفي الانقسام الذهاب مباشرة نحو إنجاز المصالحة وإخراجها من ميزان الحسابات الضيقة والإسراع في إخضاعها إلى منطق ورؤية المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني والتي يجب أن يكون أساسها مشروع وطني فلسطيني يعيد الاعتبار إلى خيار المقاومة بكل أشكالها وفي مقدمتها الكفاح المسلح.

وأضيف أن الأطراف الفلسطينية الأخرى مدعوة أيضاً إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه الدفع نحو إنهاء الانقسام من خلال ممارسة حضورها لدى حركتي حماس وفتح من أجل أن تواجه موحدة جملة التحديات المتعاظمة عبر استراتيجية فلسطينية تقوم على حماية وصيانة عناوين القضية الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة المهدَّد على الدوام بالشطب

مقالات ذات صلة