المقالات

“يهودية الدولة” تنخر المجتمع الإسرائيلي!

“يهودية الدولة” تنخر المجتمع الإسرائيلي!

هاني حبيب

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، تزداد معطيات استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي قتامة بالنسبة لنتنياهو، ولكن ليس لحساب تيار الوسط، بل لصالح الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفاً، التي “ستأكل” من نصيبه ونصيب حزبه المتحالف مع حزب ليبرمان “ليكود بيتنا” دون أن تتأثر أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلي، إذ إن هذه الأحزاب لها جمهورها الخاص الذي ينتقل فيما بينها، وباختصار، فإن استطلاعات الرأي هذه تشير إلى أن نصيب تحالف نتنياهو ـ ليبرمان يتقلص لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة التي بدأت، مع ظهور نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومته القادمة بدون هذه الأحزاب، وهذا يعني أن اليمين المتطرف سيملي سياساته الدينية والاجتماعية على حكومة نتنياهو، ذات الطابع الليبرالي المدني.

جوهر سياسات اليمين المتطرف دينياً، في إسرائيل، لا يتعلق بالأجندة اليمينية للأحزاب الليبرالية مثل الليكود، وإسرائيل بيتنا، إذ إن المسألة المتعلقة بالاستيطان ـ مثلاً ـ تعتبر مسألة “إجماع وطني” بين كلا الكتلتين، أما مسائل الخلاف الجوهرية فتتعلق بالبرامج الاجتماعية التي تبلورت أكثر من أي وقت مضى بعد رفع شعار اليمين الليبرالي يهودية الدولة العبرية، الأمر الذي أسبغ على الدولة الصفة الدينية. الليبراليون الإسرائيليون اتخذوا من هذا الشعار وسيلة لوقف العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، أما اليمين الديني المتطرف فقد اتخذ من هذا الشعار وسيلة لتحقيق البرامج الدينية الاجتماعية، وإسباغ صفة دينية أساسية على كافة تشريعات الدولة العبرية، وعلى هذا الأساس، لا يجب النظر إلى التحولات في نتائج استطلاعات الرأي في إسرائيل مؤخراً، انها تجري على أساس أمني سياسي، كما جرت العادة، بل على أساس تحولات اجتماعية داخلية في المقام الأول.

التأثيرات المباشرة على هذه التحولات الداخلية الإسرائيلية، ستترك آثارها ونتائجها على الخارطة الحزبية السياسية في إسرائيل من خلال تشكيل الحكومة القادمة والتكتلات الحزبية داخل البرلمان “الكنيست”، غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ هناك ما يمكن تسميته “عنصرية دينية” بدأت تجتاح المجتمع الإسرائيلي، صحيح أن العنصرية ضد العرب لا تزال تشكل جوهر وأساس هذا النموذج العنصري، وصحيح أن هذه العنصرية تتجلى بين مختلف الفئات الاجتماعية في إسرائيل على أساس اللون، ومكان الهجرة إلى الدولة العبرية، كالعنصرية ضد المهاجرين اليهود من الأفارقة، إلاّ أن الجديد في هذه العنصرية أخذت تتبلور على أساس ديني، بين متدينين متطرفين، ويهود غير متدينين، تزايد أعداد المتدينين في القدس المحتلة ومدينة تل أبيب في السنوات الأخيرة، تركت آثارها على التركيبة الاجتماعية الدينية في هاتين المدينتين بشكل ملموس وترجمة شعار “يهودية الدولة” لم يعد مجرد أداة لمواجهة استحقاقات العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، بل باتت إحدى معالم تفكيك المجتمع الإسرائيلي على أساس الموقف من الدين اليهودي، ويمكن القول إن هناك شرخاً عمودياً في هذا المجتمع على هذا الأساس.

ترجمة هذه التحولات على الأرض، يمكن ملاحظتها بقوة في آخر تقرير حول الهجرة من إسرائيل، صدر في الرابع عشر من الشهر الجاري، ونشرته صحيفة “هآرتس”، أعده البروفيسور سرجيو ديلي بيرجولا من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، يظهر أن 40 في المئة من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة، والأهم في هذه النسبة غير المسبوقة، أن هؤلاء في الغالب في سن الشباب ومن الكفاءات العلمية، والأهم من ذلك كله أن دافع هؤلاء للتفكير في الهجرة، يعود إلى أسباب اجتماعية اقتصادية، وليس لأسباب أمنية كما قد يتوهم البعض.

إلاّ أن التفكير بالهجرة، لا يعني الهجرة من الناحية الفعلية، كما يقول البعض، إلاّ أن معطيات دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية قد كشفت مؤخراً، أن ستمائة ألف إسرائيلي يقيمون خارج فلسطين المحتلة، ومثل هذا العدد لديه جواز سفر أجنبي يمكنه بسهولة مغادرة الدولة العبرية لكي يقيم في دولة أجنبية، وان 25 ألفاً غادروا إسرائيل كل عام خلال السنوات الأربع الماضية، معظمهم من اليهود الروس إلى روسيا “حق العودة” وألمانيا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، يبلغ متوسط أعمارهم 28 عاماً.

رئيس جهاز “الشاباك” السابق يوفال ديسكين علق على التقرير الذي نشرته “هآرتس” بدعوة الناخبين في الانتخابات التشريعية القادمة بعد أقل من شهر، إلى التصويت من خلال “ورقة بيضاء” كإشارة إلى رفض هذا الواقع الجديد في ظل غياب الزعامات والأزمة القيادية لدفع عجلة التغيير وفي سبيل الخروج من الأزمة القيمية التي تعيش في أتونها إسرائيل.

في المقابل، فإن هذه الهجرة القائمة على أسس اجتماعية اقتصادية، لا يجب أن تشكل رؤية خاطئة مفادها أن إسرائيل تنهار من الداخل ـ على سبيل المثال ـ فهذه الدولة لا تزال قادرة على احتواء أزماتها بالنظر إلى اعتمادها على “المؤسسة” وقدرتها المستمرة على التعاطي بفاعلية مع أزماتها الداخلية والخارجية على حد سواء، غير أن القراءة لهذه التقارير والإحصاءات، تجعل من قدرتنا على المواجهة، أكثر اعتماداً على دراسة التحولات التي من شأنها أن تضع الخطط والسياسات التي تجعل من هذه التحولات أداة لدينا في عملية المواجهة تلك!!

الدستور، عمّان، 6/1/2013

مقالات ذات صلة