المقالات

لاعبو محور الشر.. تسلح حزب الله وتفكك سورية!

لاعبو محور الشر.. تسلح حزب الله وتفكك سورية!

نداف ايال

تحدثت إسرائيل كثيرا في الاسابيع الاخيرة عن امكانية تسرب السلاح غير التقليدي من سورية. يمكن أن نفسر ذلك بالرغبة في خلق مجال حصانة سياسية لامكانية هجوم عسكري. هذا نجاح مؤكد. امريكا أيضا لن ترغب في أن يصل سلاح كيميائي الى حزب الله، وحلف الناتو هو الاخر لن يسمح لغاز السارين في أيدي ثوار أكراد. الحاجة الى مثل هذه التصريحات يمكن تفسيرها كمحاولة لخلق مجال مناورة دبلوماسي لهجوم إسرائيلي حتى ضد سلاح تقليدي سوري. في نهاية المطاف، هذه هي النقطة: واضح ان السلاح الكيميائي يلزم العالم، الغرب وبالتأكيد إسرائيل على العمل. وسواء كان الحديث يدور عن استخدامه، وهو أمر أقل اقلاقا لنا هنا، أم وبالاساس نقله الى خارج نطاق سورية.

ولكن السلاح التقليدي لدى الاسد، صواريخ مضادة للطائرات، مضادة للدبابات، صواريخ باليستية وعدة منظومات سلاح اخرى، يمكنها هي ايضا ان تشكل تغييرا جوهريا في موازين القوى، ولا سيما بين حزب الله وإسرائيل. وخلف الحديث القلق حقا بالنسبة للسلاح الكيميائي قبعت مسألة ثقيلة تكاد تكون بذات القدر الا وهي احتمال أن تنثر سورية المنهارة سهام سمها في أرجاء المنطقة.

ولكن الخطر هنا، ولا سيما بعد أحداث الاسبوع الاخير والعملية المنسوبة لسلاح الجو (حسب وسائل الاعلام اللبنانية، التي بلغت عن نشاط معزز)، كبير جدا. فالحرب الاهلية السورية هي دوامة من النوع الاخطر. فقد عرفت إسرائيل في الماضي كيف لا تتدخل في الحرب الاهلية اللبنانية أو ان تتدخل بقدر محدود، وبعد ذلك اجتذبت تحت رعاية أوهام مثل خطة ‘صنوبر الكبرى’ الى قلب هذا المعمان الاقليمي. الاوروبيون، الاتراك، الامريكيون كلهم يحذرون من التدهور الى تدخل مباشر ويتبنون سياسة التأثير من بعيد. والاسباب واضحة جدا: ضمن امور اخرى، انعدام الثبات في مواقف النظام المنهار، والكفيل بان ينفذ خطوات يائسة، ناهيك عن التدخل الايراني المعني جدا في أن يجعل المعركة في سورية حربا ضد الغرب. فالعالم ينظر بعدم اكتراث الى المذبحة في سورية ليس فقط بسبب اللامبالاة، بل وايضا بسبب الحذر الشديد. اما إسرائيل، لشدة الاسف، فليس لها هذا الامتياز. هناك امور يجب القيام بها كي لا تعظم سورية المتفككة قوة خصوم إسرائيل التقليديين؛ ولكن هذه هي اللحظة التي يجب أن تكون فيها الكثير جدا من الأسئلة على طاولة الحكومة، المجلس الوزاري وهيئة التسعة.

صدح صوت موشيه بوغي يعلون وزير، رئيس اركان سابق ووزير الدفاع القادم برأيه هذا الاسبوع في العالم وهو يفشي سرا. فقد سُئل عن الانفجار في بوردو في ايران وقال انه ‘قرأ عن هذا في الصحيفة’. كان أيضا آفي ديختر، قريبا الوزير السابق، الذي لاحظ بان ‘كل انفجار يضرب المنشآت، ولكن ليس الاشخاص، مبارك في نظرنا’. وكان بالطبع النشر في ‘التايمز’ اللندنية، والذي استند الى ‘مصادر استخبارية إسرائيلية’ أكدت له بان بالفعل كان انفجار في المنشأة النووية التحت أرضية قرب قم.

لعله من المجدي ان نفهم: اذا كان التقرير الذي نشر في موقع انترنت أمريكي غامض صحيحا، ومنشأة بوردو تضررت، بل وبشكل شديد جدا (بما في ذلك احتباس مئات العاملين تحت الارض)، فهذه هي الخطوة الاكثر دراماتيكية في الحرب الهادئة التي يقوم بها الغرب، بما في ذلك إسرائيل، ضد ايران نووية. المنشأة بجوار قم هي الدرة التي في تاج البرنامج النووي الايراني. هذه هي النقطة التي تعمل فيها أجهزة الطرد المركزي الاكثر حداثة، والقادرة على تخصيب اليورانيوم الى درجة 20 في المائة فما فوق، وهذا هو المكان الاكثر تحصينا في ايران. المحصن لدرجة ان الامريكيين والإسرائيليين يخشون من أن حتى القنابل الخارقة للتحصينات ذائعة الصيت لن تنجح في ان تتسلل الى اعماقه. الايرانيون هم الخبراء الكبار في العالم في الاسمنت المسلح؛ قدرته على صد الهزات ومنع الصدوع اختبرت في أفضل قواعد البحث العسكري في الولايات المتحدة وكانت النتائج غير لطيفة (لنا).

وعليه فاذا كان بوردو يتضرر، فهذه قصة كبرى. العنوان الرئيس في العالم. توجد فقط مشكلة واحدة: على ما يبدو وينبغي قول ذلك بحذر شديد القاعدة الايرانية لم تنفجر. وحتى لو وقع فيها خلل، وان كان ذا مغزى، فانه كان بعيدا جدا عن التقارير شبه الهستيرية عن اشعاع اليورانيوم الذي يحاول الايرانيون منعه من الوصول الى سطح الارض، في أعقاب عملية تخريب. الامكانية الثانية هي على مستوى المؤامرة: الولايات المتحدة والغرب يبذلان كل جهد ممكن للكذب عن عمد حول ما يجري هناك. مؤكد أن هناك من يصدق ذلك، ولعل هذا صحيح، ولكن كل المؤشرات معاكسة.

كيف نعرف؟ نحن لا نعرف. ولكن يمكن التقدير. بوردو هي منشأة نووية تشرف عليها وكالة الطاقة الذرية. مستوى الرقابة يتغير في اجزاء مختلفة من المنشأة، ولكنه يسمح لمراقبي الوكالة بزيارة المكان في زيارات طواريء ولهم وسائل اخرى داخل المنشأة وخارجها للفحص اذا كان طرأ تغيير. والـ IAEA ملزمة بان ترفع تقرير طواريء لكل الدول الاعضاء في الوكالة بما في ذلك إسرائيل، اذا ما وقع حدث استثنائي بل وبمثل هذا الحجم في منشأة نووية. لم يرفع اي تقرير من هذا القبيل. وحتى لو كانت كل اجهزة الامن المراقبة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية فشلت في العثور على مثل هذا الخلل فان بوردو هي منشأة تتابعها الاقمار الصناعية العسكرية والخاصة بانتظام. ومثل هذا الحدث كان لا بد سيحدث تغييرا على سطح الارض سيتيح للقمر الصناعي أن يراه.

دافيد اولبرايت، من معهد بحوث الامن القومي، والذي هو احد الخبراء الرواد في العالم في الموضوع النووي الايراني ومن يركز هذه الايام على القاعدة العسكرية في برتشين، قال هذا الاسبوع انه ‘لا يرى اي مؤشرات استثنائية في الصور الجوية على درجة تفيد بان حدثا استثنائيا وقع في بوردو. اضافة الى ذلك، فقد اصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بيانا رسميا يقضي بان لا شيء استثنائي وقع في بوردو والولايات المتحدة أصدرت تصريحا شبه مماثل.

وهذا يؤدي بنا الى سؤال مثير للاهتمام: لماذا يعطي اصحاب القرار الإسرائيليون الاحساس بانه ربما حصل شيء ما في الوقت الذي يبدو انه لم يحصل؟

توجد روايتان. الاولى تسمى ‘الرواية الاستراتيجية’. في هذا المفهوم، إسرائيل غير معنية بان تتماثل مع اعمال حقيقية تجري في الواقع وتعتبر مسؤولة عنها. وعليه فان عليها أن ترد على كل حدث في ايران بذات الطريقة الى هذا الحد أو ذاك ان تقول اننا قرأنا عن هذا في الصحيفة. ولما كان هكذا يعقب أصحاب القرار حتى على حدث وقع وعلى حدث لم يقع، فالنتيجة هي أن إسرائيل تبتعد عمليا عن كل تشخيص. وينبغي أن يضاف في هذا السياق انه في 2012 وقعت عملية تخريبية صريحة في بوردو: حسب اعتراف الايرانيين انفسهم، فان خطوط التوتر العالي للمنشأة العسكرية قطعت بانفجار. مفهوم ان ليس لنا اي فكرة كيف حصل هذا ومن قام به.

الرواية الاستراتيجية آنفة الذكر تبدو فهيمة جدا. وهذا بالضبط السبب الذي يجعلنا نشكك فيها. عندنا يرتجلون كثيرا. واسمحوا لي بان أتقدم برواية مختلفة قليلا يمكن أن نسميها ‘رواية الدواوين’. هذا جد معقد. إذن هيا نأخذ نفسا عميقا. وبالتالي هكذا هو الحال: اذا كنت تأخذ القرارات والان سألوك عن حدث في ايران ربما وقع، ولكن ربما لم يقع، وليس لديك اي فكرة عن ماذا يدور الحديث، فان الامر المؤكد الآمن والحذر هو اعطاء احساس وكأنك تعرف بالحدث الذي لا علم لك عنه. وكيف يمكن عمل ذلك؟ في إسرائيل، الطريق الناجع لاعطاء احساس بانك تعرف شيء ما محظور عليك ان تروي عنه هو ان تقول انك لا تعرف شيئا عن الحدث. وهنا توجد مفارقة مفهومة: الحقيقة هي انك حقا لا تعرف شيئا، ولكنك تخشى ان مكانتك (الامنية) تستوجب منك ان تعرف. وعليه، فكي يعتقد الناس بانك مطلع على الاسرار، وان خط هاتف آمن اطلعك في الساعة الثالثة صباحا، فيجدر بك ان تقول انك لا تعرف اي شيء. في ايام اخرى، عندما كان امنيون اكثر تواضعا ولكنهم حقا انتصروا في الحروب، فقد كانوا ببساطة يقولون بعجب بان ليس لهم أي فكرة عن ماذا يجري الحديث. ولكن إسرائيل تغيرت، واللغة المتواضعة لجهاز الامن الإسرائيلي في الستينيات استبدلت بالتهديدات المتبجحة التي قد تذكر بعض الشيء باجهزة أمن الجمهوريات العربية في الستينيات ايضا. اليوم، اذا قال صاحب القرار انه ‘لا يعرف شيئا’ بنبرة مجردة وعادية، فقد يفكر احد ما بانه حقا لا يعرف عن عملية ما سرية للموساد، وسيعد هذا بالطبع وكأنه ليس جزء من دائرة القرارات ونهايته الله يحمينا.

وعليه فانه ملزم بان يعطي الاحساس بان قوله بانه لا يعرف اي شيء ان هذه هي الحقيقة، كما اذكر هو في واقع الامر كذب. هذا حرج! فهو ملزم بان يظهر وكأنه يكذب في الوقت الذي يقول فيه الحقيقة. وعليه فيجب أن يغمز، لنقل. ولكن هذا فظا بعض الشيء. إذن بدلا من الغمز فانه يقول قولا عموميا ما، قولا يسمع وكأنه طبع في المرشد للنفي في الرقابة العسكرية. لنقل ‘قرأت هذا في الصحيفة’، أو ‘لا اعرف عن هذا شيئا، ببساطة لا شيء، أبدا على الاطلاق لا شيء’.الحقيقة هي أنه حقا قرأ عن هذا في الصحيفة ولكن المسؤول يعتمد على الفرضية ان ليس شخصا مثله سيقرأ امورا من هذا النوع في الصحيفة. فهو يجلس في كل المداولات الاكثر سرية وما شابه وهلمجرا. ومن يقول انه قرأ عن هذا في الصحيفة، فالتأكيد يعرف عن هذا من الاستعراض الاستخباري بدرجة شريك السر الاعلى.

وهكذا يا سادتي، ينتشر الافتراض بانه اذا كان مسؤولو إسرائيل يكلفون أنفسهم جدا عناء القول انهم لا يعرفون شيئا، فالمعنى هو أن إسرائيل هاجمت، بل وهاجمت جدا. هناك من يدعي بان هذا يضيف الكثير من الردع الإسرائيلي. يخيل لي ان هذا يضيف الكثير بالاساس لموضوع اساسي آخر: الدواوين.

معاريف 1/2/2013

القدس العربي، لندن، 2/2/2013

مقالات ذات صلة