المقالات

نكبة اليرموك في عامها الثالث

نكبة اليرموك في عامها الثالث

معتصم حمادة

قضية اليرموك وباقي المخيمات ليست مجرد قضية إنسانية بل هي سياسية واجتماعية واقتصادية ما يتطلب تملك رؤية وطنية متكاملة للبدء في محاولة حلها

تدخل نكبة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، عامها الثالث في ظل أوضاع وتطورات تنبئ بأن لا حل قريباً لهذه القضية، وأن حالة النزوح التي تعرض لها اللاجئون، من هذا المخيم، ومن غيره على الأراضي السورية، سوف تزداد قسوة، وسوف تزداد نتائجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية خطورة، على واقع الحال، ومستقبل الوجود الفلسطيني في سوريا. فنكبة اليرموك، وباقي المخيمات ليست مجرد قضية إنسانية، تحتاج إلى سلسلة من الخطط والخطوات والبرامج الإغاثية والاجتماعية فحسب، بل هي قضية سياسية من الطراز الأول، على معالجتها، نعتقد، ينبني مستقبل الوجود الفلسطيني في سوريا، وما قد يطرأ عليه من تطورات بنيوية واقتصادية وسواها.

واليرموك، كما هو معروف، ليس مجرد مخيم، بل هو، كذلك، القلب النابض للوجود الفلسطيني في سوريا (دون أن يقلل هذا من قيمة وفعالية باقي المخيمات) فيه كانت تتمركز مراكز النشاط والفعل السياسي والاجتماعي والثقافي الفلسطيني، وفيه تتمركز النخب من الفئات المتوسطة من أطباء ومهندسين ومقاولين ورجال أعمال، وصيادلة وصاغة، ومثقفين وأكاديميين، كما كان اليرموك يشكل نقطة مركزية لامتداداته المجاورة في الحجر الأسود، والتضامن، وببيلا، ويلدا، ودف الشوك، والزاهرة، وحي الميدان، وبالتالي، كان يتجاوز حدوده كمخيم للاجئين، ليشكل محوراً مركزياً في حياة الوجود الفلسطيني في سوريا، لذلك لا غرابة أن يؤرخ الوجود الفلسطيني هذا، لفترة ما بعد 17/12/ 2012، بأنه مرحلة جديدة في حياة الفلسطينيين، تختلف عما سبقها من مراحل، فيها أصاب التشرد والنزوح حوالي 60% من اللاجئين (ما لا يقل عن 300 ألف) فقدوا منازلهم ومآويهم، ومصادر رزقهم، وأملاكهم، وكثيرون فقدوا رأسمالهم، ويقلقهم كثيراً سؤال المستقبل، إلى جانب سؤال الحاضر، خاصة في ظل حالة ضبابية، ترخي بظلالها على الوضع، ولا تؤشر بأن الحل بات قريباً، وبأن ثمة حلولاً، حتى للقضايا اليومية المباشرة، في ما يخص الاحتياجات المعيشية للاجئين النازحين المشردين عن مخيماتهم وأماكن سكنهم.

ما يزيد الأمر تعقيداً حالة الإحباط التي تسود أوساط اللاجئين النازحين عن مساكنهم، والإحساس العام بالافتقاد إلى المرجعية الوطنية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية كجهة مسؤولة عن هموم شعبها وقضاياه، ومعنية بالتالي بإدارة شؤونه والبحث عن حلول مناسبة لها. ولعل الطريق الذي اعتمدته المنظمة حتى الآن، على المستوى القيادي لم يثمر إيجاباً، فما زالت الزيارات المتقطعة لوفد المنظمة إلى دمشق بلا نتائج، ما يتطلب امتلاك رؤية سياسية اجتماعية اقتصادية، ومالية متكاملة للوضع الفلسطيني في سوريا، وتجاوز حدود التحرك الدبلوماسي، وحدود المناشدات نحو بناء الأطر الكفيلة بإدامة المتابعة، مع الجهات المعنية داخل سوريا وخارجها، في الميادين المختلفة، وتوفير السبل الآيلة إلى تخفيف العبء عن كاهل اللاجئين النازحين، ومداواة جراحهم النازفة، وإشراكهم في الحل الوطني لقضيتهم وجذبهم بعيداً عن البحث عن الحلول الفردية القائمة على الهجرة، بما فيها الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا الغربية والدول الاسكندنافية وغيرها، مما يهدد الوجود الفلسطيني في سوريا، ويشوه بنيته، ويضعف إرادته وفعاليته، خاصة وأن الفئات الباحثة عن الهجرة، والتي توفرت لها فرص الهجرة هي الفئات الوسطى وصف واسع من المثقفين والأكاديميين.

وما توفره وكالة الغوث، على أهميته لهؤلاء اللاجئين النازحين، هو أقل بكثير من القدرة على سد حاجاتهم اليومية، في ظل ارتفاع جنوني في الأسعار، وهبوط متزايد في القدرة الشرائية لليرة السورية، مما أضعف من فعالية المساعدات النقدية التي تقدمها الوكالة، وأبقى الحالة في ضائقة مالية شبه خانقة لا تتوفر لها حلولاً من الجهات المعنية.

أما المنظمات الأهلية الفلسطينية، على قلتها، فقد بقيت مساعداتها لآلاف اللاجئين النازحين أقل بكثير مما هو مطلوب منها، في ظروف مماثلة. ونعتقد أن استمرار الوضع على ما هو عليه، بانتظار عام جديد على النكبة، قد تتلوه عام آخر، معناه أن القضية سوف تدخل في تعقيدات، يصعب على المحلل أن يمسك خيوطها وأن يقرأ تفاصيلها، مما يتطلب خطوات فلسطينية، على الصعيد الوطني، تخرج الحالة الفلسطينية في سوريا من دائرة المراوحة نحو التحرك في البحث عن حلول.

نفترض أن على القيادة السياسية الفلسطينية أن تتعامل مع قضية اللاجئين في سوريا باعتبارها واحدة من القضايا الوطنية الكبرى، توضع على نفس السوية مع قضية القدس، وإعادة اعمار قطاع غزة، وغيرها من القضايا المهمة واليومية التي يفترض ألا تغيب عن جدول أعمال الهيئات المعنية في م.ت.ف. وبناء عليه نقترح:

1- ضرورة تشكيل هيئة وطنية عليا من أعضاء في اللجنة التنفيذية، تكون لها امتداداتها في سوريا من ممثلي الفصائل، والناشطين في المجتمع المحلي لبحث الملفات الناشئة عن النكبة، ووضع خطط عمل لها. ومتابعة كل ملف بالاتجاهات المطلوبة.

2- تأسيس صندوق وطني خاص بالحالة الفلسطينية في سوريا، تموله الدول العربية والجهات المانحة، تديره هيئة وطنية ولجان اختصاص، من أصحاب الكفاءة والشخصيات المعروفة بنزاهتها ونظافة كفها، بعيداً عن أية محاباة أو زبائنية، وبعيداً عن أية عصبوية فئوية أو جهوية أو حزبية أو تنظيمية.

3- الضغط على وكالة الغوث (الاونروا) لتحويل مساعداتها المتقطعة إلى مساعدات شهرية وثابتة بحيث تؤمن دخلاً شهرياً للحالات المعوزة ولمن فقدوا مصادر رزقهم.

4- إعادة رسم خارطة توزيع مراكز الوكالة بما ينسجم مع إعادة انتشار اللاجئين النازحين عن مخيماتهم وأماكن سكنهم.

5- توفير آلية قانونية لبحث قضايا الموقوفين لدى الدولة، وإحالتهم إلى القضاء والبت بأوضاعهم بالسرعة الممكنة وإطلاق سراح الأبرياء منهم.

6- توفير آلية معينة تتيح للنازحين العودة إلى المخيمات التي باتت تحت سيطرة الدولة وإداراتها، كمخيم سبينة على سبيل المثال.

7- إيجاد آلية لمتابعة مثابرة للبحث في حل سلمي لمخيم اليرموك، يقود إلى اخلائه من المسلحين، ورجوع سكانه إليهه واستعادته للأمن والأمان، وضمان تحييده، كتحييد باقي المخيمات، وفتح ملفات إعادة الاعمار والتعويض على المتضررين.

8- اعتماد ضحايا الحرب شهداء في الدوائر المعنية في م.ت.ف، واعتماد الجرحى والمعوقين والبحث في حلول بعيدة الأجل لقضية هؤلاء.

لا يمكن لأحد أن ينكر حصول شرخ بين الحالة الشعبية الفلسطينية في سوريا، وبين قيادة م.ت.ف. ولعل مثل هذه الحلول والتحركات من شأنها أن تعيد ترميم هذا الشرخ، وتعيد ترميم الأوضاع الفلسطينية في سوريا.

مقالات ذات صلة