
المقالات
العلاقات الإيرانية الأمريكية أوسع من الملف النووي
منذ سقوط الشاه عام 1978 ووصول التيار الديني لسدة الحكم، دخلت العلاقات الإيرانية الأمريكية بمرحلة من التوتر والصدام الغير مباشر والتوتر المستمر ،بعد وصول ترامب في مرحلة رئاسته الاولى ، قام وبشكل منفرد بالغاء الإتفاق النووي الذي وقعته الادارة الديمقراطية التي سبقته في عام 2015 بمشاركة دول أخرى وهي بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا ، هذا الموقف الأمريكي يخفي حقائق عديدة سيعود هذا المقال لها ،منذ عودة ترامب الجديدة للحكم في بداية هذا العام، ومن زواية المراقب لهذه العلاقات المركبة ومن خلال فهم نزعة ترامب للغة الصفقات ، نستطيع القول أن هذه العلاقة تخفي ما هو أوسع من الملف النووي الايراني، نحن أمام خمسة ملفات وكلها تهم الطرفين ، لكن لكل منهما مقاربته لكل ملف ، والمفاوضات الغير مباشرة والتي ستبدأ غدا السبت والموافق 12/4/2025 بدولة عمان وبوساطة عمانية ، ستطرق لما هو أوسع من ملف ايران النووي ، نحن أمام صراع موازين قوى ومصالح لكلا الطرفين ، وهناك خطوط حمر لا يمكن تجاوزها لكل طرف، لذلك عليها وعلى الوسيط التقريب من هذه المقاربات التي في بعض ملفاتها لا يكمن الحصول على تنازلات جوهرية ، باختصار أستطيع القول أن هناك خمسة ملفات تهم الطرفين :
الأول الملف النووي الايراني
وهو ملف معقد ، هناك فيتو أمريكي بعدم امتلاك إيران للسلاح النووي ، وهناك موافقة إيرانية على هذا المطلب ، هذا من زاوية الموقف المبدئي، لكن في هذا الملف ، هناك مطالب حول قدرات ايران المتطورة في معرفتها العلمية المتطورة حول تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، وهذه المعرفة العلمية والقدرات التقنية أي التجهيزات اللازمة تجعل ايران قوة قادرة عندما تقرر بالدخول لنادي الدول المالكة للسلاح النووي، المطالب الأمريكية تهدف لتفكيك هذه القدرات ، ربما تدمير الكميات التي تم تخصيبها والتي يمتلكها الطرف الايراني، وهناك تفكيك القدرات التقنية أي التجهيزات والالات المستخدمة بالتخصيب ، هنا وفي هذه الأجزاء، هناك رفض مطلق من الجانب الإيراني ، فهل يكتفي الطرف الأمريكي ، بتعهد ايران بعدم امتلاك السلاح النووي ، إذا عدنا للاتفاق السابق ، ألجواب بالتأكيد مع بقاء المشروع النووي السلمي الإيراني وعدم تفكيك قدراته .
الملف الثاني مرتبط بقدرات ايران التصنيعية وتطويرها في مجال صناعة الصواريخ البلاستية والصواريخ الدقيقة ، لم يعد مخفي أن ايران تعتبر من الدول القادرة على تطوير هذا السلاح وتطوير مدى وصول هذه الصواريخ ، الطلب الأمريكي يهدف كذلك لتفكيك هذه القدرات والتوقف عن تطوير هذا السلاح ، اعتقد أن ايران سترفض هذا المطلب ، وربما تتعهد ايران بعدم تطوير سلاح الصواريخ لمسافات بعيدة قد تصل لمسافات من آلاف الكيلومترات ليصل للأراضي الأمريكية نفسها .
الملف الثالث هو ملف تقنيات الفضاء ، وهنا وكما نعرف أن ايران قامت بتطوير معرفتها بهذا الجزء عبر إطلاق أقمار صناعية خاصة بها ، وجزء من هذه الأقمار مرتبط بمجال استخدام عسكري وهذا الجانب من التقنيات إذا وضعناه مع قدرات ايران الصاروخية المتطورة، تجعل منها قوة تفرض نفسها في منطقة حساسة وهي منطقة الشرق الأوسط ، أمريكا تعرف أنه من المستحيل القضاء وتفكيك قدرات ايران الصاروخية لذلك عليها التأقلم مع وجودها .
الملف الرابع مرتبط بدور ايران في المنطقة ووجودها في تحالف يضم أطراف أخرى ، وهذا الحلف كما رأيناه مؤخرا وقف بوجه الكيان الصهيونى وبوجه الدور الأمريكي المهيمن ، ألولايات المتحدة من خلال دورها الداعم عسكريا للكيان الصهيونى سعت خلال المواجهات الأخيرة اضعاف هذا المحور وتوجيه ضربات له ، لكنها لم تزيله من الوجود وربما يعود من جديد ليقلق مشروع الهيمنة الامبريالي الأمريكي على منطقة الشرق الأوسط الحساسة ، ألاوضاع في هذه المنطقة مازالت متقلبة والتحالفات كذلك ، وإمكانية ولادة صحوة جديدة في هذه المنطقة مازالت واردة وعندها نكون أمام معطيات أخرى
باختصار لن تفرط إيران بتحالفاتها في المنطقة وذلك لأهمية هذه الورقة لها حتى لا يتم عزلها عن المحيط وبالتالي يسهل الانقضاض عليها وعندنا الكثير من التجارب السابقة التي تجعل ايران لا تثق بالاتفاقيات ونصوصها ، تشكل هذه التحالفات أحد أوراق القوة لإيران والتخلي عنها هو خط أحمر .
الملف الخامس والأخير مرتبط بسؤال ماذا تستفيد أمريكا المحكومة بثقافة الصفقات من العلاقة مع ايران ، ترامب يرغب بتوقيع اتفاق يؤدي لاحتكار الشركات الأمريكية لأي صفقات قادمة مع ايران ، في الاتفاق الاول والذي ألغاه خلال دورة رئاسته الاولى، كانت الشركات الاوروبية هي المستفيدة بينما بقيت الشركات الأمريكية بعيدة عن توقيع صفقات ، هذه المرة هو يرغب أن تحتكر الشركات الأمريكية المكاسب في مجالات النفط والغاز وغيرها من مواد خام تنتجها أو قادرة ايران على إنتاجها ، كذلك تحاول ايران بالمقابل استرداد المليارات المحتجزة في بنوك غربية خاصة الأمريكية ، وكذلك رفع العقوبات المفروضة عليها منذ عشرات السنوات والتي تعيق تطورها الاقتصادي رغم إمتلاكها الكثير من المواد الخام نفطية وغاز والكثير من المواد الخام الأخرى .
إذا نحن أمام علاقة مركبة، يحاول كل طرف الاستثمار بأوراق قوته وتحقيق جزء من مصالحه واحتمال الوصول إلى اتفاق بينهما فرصه كبيرة لأن البديل عنه مسار مدمر للطرفين وهما كما اعتقد يعملا على تفاديه .
حمدان الضميري
ناشط فلسطيني في بلجيكا