المقالات

بين الفَوضى الخَلّاقة والتَّدمير الخَلّاق

د.سعيد ذياب

مفهومانِ دخلا إلى الوطن العربي مع بداية القرن الواحد والعشرين.
كلاهما أحدثا تأثيرًا عميقًا في بلادنا، الأول الفوضى الخلّاقة، والثاني التدمير الخلّاق.

استند الأول إلى رؤية إحداث حالة من عدم الاستقرار والفوضى في بلدٍ ما بقصد التحكم في تناقضاته، وفي عناصر الفوضى المتشكّلة، بقصد التحكم فيها وتوجيهها بما يخدم مصالح الخارج. أي إنّ المسألة لا تستند إلى طبيعة التناقضات الداخلية الناتجة عن قانون وحدة وصراع الأضداد، بقدر ما تستند إلى افتعال تناقضات ثانوية وسلبية لخدمة الخارج.
لقد بشّرت كوندليزا رايس لهذه الرؤية، ومارستها في معظم العواصم العربية، وصولًا إلى بناء شرقٍ جديد. بل إنها سعت لذلك، وكان باكورة تحرّكها العدوان الصهيوني على لبنان، ثم توالت تجلّيات الفوضى الخلّاقة، حيث عاش الوطن العربي لأكثر من عقدٍ كامل بلا استقرار.
لقد انعكست حالة الفوضى على الأنظمة بالمزيد من التبعية، لحمايتها من شعوبها.

أمّا التدمير الخلّاق،
فهو مفهوم يرتبط كثيرًا بالاقتصاد، وينطلق
من فلسفة إحداث ثورة من الداخل، والاستفادة من الديناميكيّات التي تمتلكها الرأسمالية، بظهور ابتكارات جديدة تُغيّر أو تُقوّض الصناعات والوظائف والهياكل القائمة،
وينطلق من فلسفة الابتكار والنمو القائم على الابتكار، متّكئًا على مقولة: “الغاية تبرّر الوسيلة”.
هذه العملية تقود إلى رحيل العمّال والمنتجين المرتبطين بالقديم لصالح الجديد، دون الانتباه لفقدان عشرات الآلاف، مثلًا من السائقين بسبب “أوبر” أو بسبب “الطلبات” إلخ.
يقول بعض الخبراء إنّ هناك 300 مليون سيغادرون مواقعهم بسبب الذكاء الصناعي، في السنوات العشر القادمة.
نحن لسنا ضد التغيير، لكن المشكلة أن الغرب يخلق، ونحن نستهلك منتجات التدمير الخلّاق.
لم نؤسس بيئة معرفية ورؤية فلسفية للتغيير، بل بقينا محكومين للخارج، في رؤيته ومبرّراته.

إنّ علينا أن نفهم أن هذا الغرب يطرح رؤيته للتغيير بما يتناسب ومصالحه ومخططاته.
فالفوضى الخلّاقة، وإن استندت إلى فكرة التغيير، فهذا التغيير قاد إلى تدمير دولنا، وحوّلنا إلى طوائف نتصارع، وألغى تناقضنا الأساس مع الكيان الصهيوني، وخلق لنا تناقضات جديدة تُلهينا عن تناقضنا الوجودي مع العدو،
واستقبلنا التدمير الاقتصادي، ولم نراعِ ما يجرّه على شعوبنا من غيابٍ للعدالة، وبطالة، وفقر. بل لم نعمل على استيعابه، والاستفادة منه، وتقليل أضراره.
علينا إدراك أن التغيير يبدأ من الداخل، وعلينا توجيه التناقضات بما يخدم التغيير الحقيقي الذي يخدم مصالحنا وأهدافنا.
حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
د.سعيد ذياب

مقالات ذات صلة