اخبار الوطن العربي

المقاومة الشعبية

المقاومة الشعبية

29-03-2013

عبد الله خليل- خاص مجلة القدس/ منذ وقت طويل والشعب الفلسطيني يقاوم بشتى الأشكال للحصول على حقوقه المشروعة، بدءاً بالمؤتمرات وتنظيم المظاهرات وتقديم العرائض وانتهاءً بالانتفاضة الشعبية والحجر الفلسطيني. ومن خلال مبدأ المقاومة الشعبية استطاع الشعب الفلسطيني خوض المعارك على الصُعد السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والفكرية، كما استطاع من خلالها أيضاً استغلال كافة الطاقات البشرية وإشراكها في العمل النضالي، فكانت الشكل الأمثل لتوظيف كافة الطاقات الفلسطينية لتحقيق أهدافنا الوطنية.

أمَّا اليوم فقد باتت المستجدات على الوضع الفلسطيني كالجدار والمستوطنات والحواجز وسلب الأراضي تشكِّل تحدياتٍ جديدةً، مما استدعى نشوء أشكال من المقاومة بحسب الوقت والحاجة، فتركَّزت هذه الفعاليات في مناطق محددة حسب الحدث. وهكذا أصبحت قرى المعصرة في بيت لحم، وكفر قدوم في نابلس، وبلعين في رام الله وجهةً للمقاومة الشعبية الأسبوعية للفلسطينيين. علاوة على مقاطعة بضائع المستوطنات واستخدام الشوارع المسماة بالالتفافية والأمنية والتي يُمنع المرور عليها لغير الإسرائيليين.

المقاومة الشعبية وانجازاتها

حول أبرز الانجازات التي حققتها المقاومة الشعبية يقول عضو اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة: “بالدرجة الأولى وعلى الصعيد المحلي لقرية بلعين حققت المقاومة الشعبية العديد من الانجازات أهمها هدم الجدار وتغيير مساره وإعادة جزء لا بأس به من الأراضي للقرية بحوالي 1200 دونم. والآن تتم زراعة وفلاحة هذه الأراضي المستعادة بعد أن حُرم أهلها منها لمدة سنوات. كذلك فقد نجحت بلعين في أن تكون نموذجاً للمقاومة الشعبية السلمية في وجه الاحتلال، وجذبت العديد من المتضامنين الدوليين للقضية الفلسطينية، كما شجَّعت الحراك والتضامن العالمي مع قضيتنا، ونجحت في حث العديد من القرى والمواقع الجديدة لاستخدام المقاومة الشعبية كسلاح وبصورة مستمرة. بالإضافة إلى ذلك، فقد انطلق ناشطو بلعين في كافة الأماكن الأخرى في فلسطين، وبدؤوا بمقاومة إغلاق الشوارع الإسرائيلية في وجه السيارات الفلسطينية ومقاومة ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، وصولاً إلى بناء القرى الفلسطينية الجديدة من باب الشمس وباب الكرامة، واليوم نبني معاً قرية أحفاد يونس.

ورغم المشاركة الشعبية والفصائلية المتزايدة خلال السنوات الماضية في المسيرات الأسبوعية لمقاومة جدار الضم والتوسُّع، إلا أن اللجان المشرفة على هذه الفعاليات لا تزال ترى أن المشاركة غير كافية، حيث يقول أبو رحمة واصفاً المشاركة الفصائلية في هذا الحراك: “منذ بداية العام الحالي كان للأخوة في حركة “فتح” ولبقية الفصائل من حزب الشعب والمبادرة والجبهة الديمقراطية وعدد من المستقلين مشاركة كبيرة، ولكننا نسعى لتشجيع وحث الجميع على المشاركة الفاعلة وبشكل مستمر ومتواصل، ولا سيما في مجال بناء القرى وتوفير المستلزمات وأدوات البناء وفي التناوب للبقاء في هذه الأراضي، لذا نأمل أن يشارك الشارع الفلسطيني بكامله في هذه الأنشطة”.

من جهة ثانية يرى أبو رحمة أن مقومات النجاح تكمن في الحشد الشعبي واستمراريته وروح الوحدة بين مختلف أطياف الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله، لافتاً إلى ضرورة التجديد والإبداع في الأساليب والتنويع في الأفكار، ومضيفاً: “نحتاج إلى سياسة وإدارة إعلامية نوعية وجيدة قادرة على الترويج والتعميم للجميع الفلسطيني محلياً ودولياً، وباعتقادي فإذا ما استطعنا أن نستثمر ونستخدم هذه الأدوات ممكن أن يكون لها الأثر الفاعل على المحتل، لأن تاريخ بلعين النضالي يؤكد ذلك”.

المقاومة الشعبية متأصِّلة في الفلسطينيين

الشعب الفلسطيني مارس المقاومة الشعبية منذ الانتداب البريطاني وخصوصاً الإضراب الذي حدث عام 1936 حيثُ خاض شعبنا العصيان المدني الذي أعطى النتائج الايجابية لولا تدخل القوى الخارجية لإنهاء هذا العصيان. ولم تغب المقاومة الشعبية عن تاريخ الشعب الفلسطيني بالرغم من تفوُّق بعض الوسائل الأخرى وخصوصاً الكفاح المسلح الذي امتدَّ لسنوات طويلة ما بين نهاية الخمسينيات وحتى الخروج من بيروت في العام 1982. ورغم ذلك ظلَّ النضال الجماهيري بكافة أشكاله مستمراً إلى جانب الكفاح المسلح. وعلى سبيل المثال فسياسة العدو في تهويد مدينة القدس بكل وسائله قوبلت بمقاومة متعددة الأشكال من قِبَل شعبنا، تمثَّلت بإقامة نشاط لعرس فلسطيني لعروس مقدسية وعريس من الضفة لمحاولة إبراز المعاناة التي يعيشها أهلنا في القدس بسبب منع الشمل بين العائلات الفلسطينية وسحب الهويات المقدسية، وعدم السماح لمن لا يحملون الهوية المقدسية بالإقامة فيها، ما يضطر العديد من العائلات للمغادرة.

بدورها رأت عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” هيثم عرار أنَّ الشعب الفلسطيني مارس المقاومة الشعبية في مراحل تاريخية مختلفة، معلَّقةً: ” كل مرحلة نضالية تميَّزت باستخدام أسلوب نضالي مختلف. فشعبنا استخدم كافة الوسائل النضالية التي منحتنا إياها كافة الشرائع الدولية والسماوية لأننا شعب تحت الاحتلال، وهنا نذكر البعد السياسي والدولي الذي تجلبه لنا المقاومة الشعبية السلمية من خلال التعاطف الدولي لقضيتنا ولشعبنا الأعزل الذي يواجه آلة الحرب الإسرائيلية. ومن أهم انجازات المقاومة الشعبية إبراز مكانة الفلسطينيين وحقيقة الإسرائيليين كاحتلال، وتغيير الصورة النمطية لنا في أذهان العالم من خلال هذه المقاومة السلمية، ونجد اليوم إبداعاً وتنوعاً في أساليب المقاومة، ونجد أن الشباب الذين عزفوا عن المشاركة في النشاطات السياسية والوطنية في فترة من الفترات هم اليوم أوائل المشاركين في هذه الفعاليات ودليل ذلك تواصل وجود طلاب الجامعات على مدخل سجن عوفر الإسرائيلي القريب من رام الله”.

وهنا لا بدَّ من أن نتذكر الخطاب الشهير للشهيد القائد أبو عمار في الأمم المتحدة في العام 1974 عندما حمل غصن الزيتون بجانب البندقية لتكون رسالة لشعوب العالم، ولنقول للجميع بأننا شعب له حضارة ونسعى للسلام ولكن بعد زوال الاحتلال.

أمَّا حول مشاركة المرأة الفلسطينية في مختلف هذه الفعاليات فأضافت عرار: “لا ننسى نضال المرأة الفلسطينية من خلال اتحادها العام ودورها في الحصول على القرار الدولي بإدانة الصهيونية واعتبارها حركة عنصرية. وكذلك فإن القرار الدولي الأخير بحصول فلسطين على عضو مراقب في الأمم المتحدة، ما هو إلا نتاج النضال الشعبي والسلمي للشعب والقيادة الفلسطينية والذي جاء بأغلبية كبيرة من مختلف دول العالم”.

المقاومة الشعبية نهج متواصل

وتعتبر المقاومة الشعبية فعلاً ذا عدة وجوه. فمن خلال فعالية واحدة يقوم الشعب الفلسطيني بالمطالبة بكافة حقوقه الوطنية والإنسانية، ويمكن أن نرى من خلال المظاهرة الواحدة لافتات متنوعة إحداها تطالب باستعادة الأرض وخروج الاحتلال وأخرى تطالب بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين وأخرى تطالب بحق الطفل والتعليم والعيش بأمان.

محمد سمير مواطن من قرية بلعين ومشارك فاعل في هذه المسيرات وهو يعلل ذلك بأن المقاومة الشعبية السلمية باتت من أهم وسائل التصدي للاحتلال الإسرائيلي، ونجحت في إحراجه أمام العالم، مضيفاً: “كانت بلعين من أولى القرى التي تبنَّت نهج المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال، ونحن فخورون بهذا النموذج، وسنستمر بالمقاومة الشعبية ولن تثنينا سياسة القتل والهدم والقمع والترحيل. ورغم أن جنود الاحتلال الإسرائيلي يستخدمون الرصاص المعدني المغلَّف بالمطاط والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، ويرشون المتظاهرين بالمياه العادمة الممزوجة بالمواد الكيماوية لدى وصولهم إلى الأراضي المحررة والمستعادة في بلعين كمحمية أبو ليمون بالقرب من جدار الفصل العنصري، إلا أننا ماضون في نشاطاتنا، ونطالب أبناء شعبنا الفلسطيني بالانضمام إلى صفوف المقاومة الشعبية لتشمل كافة محافظات الوطن، وهنا لا بدَّ أن ألفت إلى أننا لسنا وحدنا بل معنا ناشطون مسلمون وإسرائيليون ومتضامنون أجانب، وفي كل جمعة ومنذ سنوات نخرج في المسيرات. والآن تستمر المسيرات وتستمر المقاومة الشعبية من أجل استرجاع بقية الأرض، وكذلك للتضامن مع كافة الأسرى القابعين خلف القضبان والذين أصبحوا رمزاً من رموز النضال في هذه المرحلة، ونحن نحمِّل المجتمع الدولي ومؤسسة الصليب الأحمر الدولية مسؤولية حياة الأسرى المضربين عن الطعام، وأدعو إلى تضامن شعبي واسع للضغط على حكومة الاحتلال لإنهاء معاناة الأسرى وتلبية مطالبهم”.

إن السياسات المتغطرسة للاحتلال وغياب الدور العربي والدولي تجاه دعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقه في أرضه والدفاع عن حقوقه الوطنية والإنسانية، وتناسي الظلم الواقع على هذا الشعب منذ العام 1917 وحتى يومنا هذا، وعدم الالتزام بالعهود والقرارات الدولية والمواثيق هي التي دفعت الشعب الفلسطيني للخروج في التحركات الغاضبة. كما أنَّ الاستفزازات الإسرائيلية لمشاعر الشعب الفلسطيني وممارساته العنجهية التي كانت وراء تفجُّر الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، وكذلك محاولة إيجاد البدائل لمنظمة التحرير وإخراج قوات المنظمة من دول الطوق العربي، وتراجع الكفاح المسلح انتهاءً باتفاقية أوسلو، كانت الدافع وراء تجدُّد وإبراز المقاومة الشعبية التي أصبحت عنواناً للمرحلة الحالية وسلاحاً بيد الشعب الفلسطيني على طريق العودة والتحرير.

المقاومة الشعبية

بقلم / مفوضية الإعلام والثقافة – لبنان

مقالات ذات صلة