اخبار الوطن العربي

قانون الإيجارات خطة ذكيَّة لإعادة فَرِز البلد ديمغرافِيّاً

خاص “ليبانون ديبايت” – المحامية رانيا إيليا نصرة

هو صندوق العجائب أو صندوق المساهمة المالية الذي استدعى انتظاراً طال خمسون عاماً قبل أن يكتشفه المجلس النيابي فيلفظ كلمته الخلاصية “Eureka”وإذ بقانون الإيجارات يُبصر النور !

وبالطبــــع، الكثير منكم يتساءل ما هو هذا الصندوق “الإكتشاف” الذي استُنفد في التنقيب عنه نصف قرن من قِبل النظام التشريعي اللبناني؟ هو صندوق المساهمة المالية الذي لحظ القانون إنشاءه لمساعدة جميع المستأجرين الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري 3 أضعاف الحد الأدنى للأجور عن طريق المساهمة في دفع الزيادات كلياً أو جزئياً على أن توكّل للجنة خاصة في كل محافظة مهمّة النظر بدفع الزيادات على بدلات الايجار . أما المضحك المبكي فهو الآتي : قانون الايجار الجديد يحمّل الخزينة عبء ومسؤولية تمويل هذا الصندوق ما يعني أنَّ ضرائب جديدة ستفرض على المواطن لدى إبرام سلسلة الرتب والرواتب وهلمَّ جرَّ. مع الإشارة أنه لا يحمل توقيع وزير المال علي حسن الخليل.

عودة على بدء ، في أول الشهر الجاري اعتقد كل من المالكين والمستأجرين أنها كذبة أول نيســــــان بصدور القانون الجديد للإيجارات ، حتى أن تاريخ صدوره صادف يوم يأكل فيه الناس “الضروبة” أمّا ما أكله على ما يبدو الفريقان بموجب هذا القانون لا يمكن وصفه أقل من القضمة التي تقسم ظهر البعير! هو قانون الإيجارات الجديد الذي تخضع له جميع عقود ايجارات العقارات المبنية المعقودة قبل 23/7/1992 . أمّا عقود ايجار الأماكن غير السكنية الموقّعة أو التي سوف توقّع بعد 23/7/1992 مدّدها هذا القانون إلى 31/12/2018 بزيادة سنوية بنسبة لا تتجاوز 5 % . وبذلك يكون هذا القانون أحال عقود ايجار الأماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 إلى قانون خاص .

وفي شرح آلية مساهمة الصندوق المالية المنوّه عنها، إذا كان (م.د.ش.ع.) أي (معدل الدخل الشهري للعائلة) يتجاوز 3 أضعاف الحد الأدنى للأجور تُرفَض المساهمة لعدم استحقاقها . أما إذا كان (م.د.ش.ع.) لا يتجاوز ضعفي الحد الأدنى للأجور تكون قيمة القسط الشهري مساوية شهرياً للفارق بين قيمة بدل الايجار وقيمة البدل الجديد. أما في الحالة التي يكون فيها (م.د.ش.ع.) يزيد عن ضعفي الحد الأدنى ولا يتجاوز 3 أضعاف هذا الحد تحدّد اللجنة القسط الشهري بحيث يكون مساوياً ، إذا وجد ، بين 30% من (م.د.ش.ع.) للمستفيد وقيمة البدل الجديد . وهذه ثغرة أولى! ماذا سيكون مصير المستأجر إذا لم يستطع تحمّل زيادة بدل الايجار المساوي للشطر من النسبة في البدل الغير مشمولة بمساهمة الصندوق المالية ؟ هل ستطبّق عليه المادة 34 من القانون التي تنصّ على حق الإسقاط من التمديد دون أي تعويض في الحالة المتعلّقة بعدم دفع المستأجر لبدل الإيجار ويُرمى في الشارع دون أي فلس؟ سننتظر نتيجة أوّل استشارة لدى القاضي المنفرد المدني!

أمّا بالنسبة لقيمة بدل الإيجار الجديد ، يكون على المالك أن يتقدم – في مهلة لا تتخطى 3 أشهر من نفاذ القانون- بطلب تخمين مأجوره جانب خبيرين محلفين . فور تقديم تقريرهما يكون على المالك عرضه على اللجنة المشار اليها سابقاً المختصّة أيضاً بتحديد البدل العادل الجديد ، على أن تحدده على أساس نسبة 5% من القيمة البيعية للمأجور بالحالة التي يكون فيها خالياً. وهنا ثغرة قانونية ثانية إذ لا نَصّ يُفيد عن مهلة قانونية تُلزَم اللجنة خلالها إصدار قرارها بالتخمين!

لم يلحظ القانون الجديد أي آلية لتحرير أملاك المالكين فوراً بل سيكون عليهم انتظار 9 سنوات جديدة لاستعادة مأجيرهم.كيف؟ بتمديده لغاية 9 سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون عقود إيجار السكن الخاضعة لأحكامه مع زيادة الفارق بين البدل المعمول به قبل نفاذ هذا القانون وبدل المثل المتوجب بتاريخ نفاذه سنويا كالأتي: 15% عن كل سنة من السنوات التمديدية الـ4 الاولى، و20% في السنتين الـ5 والـ6 حتى يبلغ الايجار في السنة التمديدية الـ6 قيمة بدل المثل. وفي السنوات الممددة الـ7 والـ8 والـ9 يبقى الايجار مساويا لقيمة بدل المثل. وبنهاية السنة التمديدية الـ9 يصبح الايجار حرا. كما أعطي المستأجر بعد مرور الـ9 سنوات الحق بالطلب بتجديد ايجاره 3 سنوات إضافية، على أن يثبت خلال المدة ذاتها – تحت طائلة سقوط حقه هذا بالتمديد – حصوله على قرار من اللجنة بأنه يستوفي شروط الاستفادة من تقديمات الصندوق.

وبعده يأتي الخبر السعيد. أبّشركم بفرح عظيم نفد المالكون من التعويض الذي أرعب أذهانهم بمجرّد التفكير به خلال الـ50 عام المنصرمة. ولكن، ليس 100%. إذ يكون على المالك أداء التعويض للمستأجر في 3 حالات .أولاً لسبب الضرورة العائلية في السنة التمديدية الأولى فقط على أن لا يتجاوز بدل إيجار 4 سنوات (أي 4*5%=20%)، ثانياً لسبب الهدم وإعادة البناء أيضاً خلال السنة التمديدية الأولى ولا يتجاوز في هذه الحالة التعويض بدل إيجار 6 سنوات (أي 6*5%=20%). أما الحالة الأخيرة فتكون بأن يعرض المالك على المستأجر إسترداد المأجور في أي وقت خلال السنوات التمديدية التسعة ويتم الاتفاق على التعويض بشكل رضائي، وعلى المستأجر إخلاء المأجور في هذه الحالة خلال 6 أشهر من تاريخ قبضه لـ90% من قيمة الإيداع الفعلي للتعويض دون إمكانية حصوله على أي مساهمة مالية من الصندوق. وللإشارة نصَّ هذا القانون على التعويض التناقصي بمعدّل (1/9) عن كل سنة من السنوات التمديدية وذلك في جميع حالات الاسترداد.

وفي محاولة من المشرِّع للحفاظ على ماء الوجه تجاه المالك الملز

م بدفع تعويض للمستأجر في حالات الإسترداد كما وفي محاولة لِلَجِم غضب المستأجر الملزم بحسب القانون على تسليم سكنه للمالك في السنة التمديدية الأولى في الحالات المبيَّنة آنفاً، عمد المشرِّع إلى اعتبار القرض الممنوح للمالك ليدفعه تعويضاً عن الاسترداد بمثابة قرض سكني، أيضاً أجاز للمستأجر في حالة الإسترداد للهدم أو الضرورة العائلية أن يحصل على مساهمة الصندوق المالية -كما لو ظلَّ شاغلاً للمأجور- مدفوعة إليه أقساطاً شهرية بِدءاً من أوّل شهِر يلي الإخلاء الفعلي وحتى نهاية الفترة الممَدَّدة. أمّا إذا رَغِب المستأجر من تملُّك المأجور، أُعفِيَ المالك من كافة الرسوم المتعلِّقة بهذا البيع وأُعفِيَ أيضاً المستأجر من كِلَتَيْ الرسوم وضريبة الأملاك المبنية لمدة 10 سنوات تلي تاريخ الشراء.

وقبل الختام، وَجَبَتْ الإشارة إلى تخفيض التعويض إلى النصف بالنسبة للشقق المعتبرة فخمة بموجب القانون وذلك في حالتَيْ الاسترداد للهدم أو الضرورة العائلية وتمَّ استثناء المستأجرين غير اللبنانيين من التعويض إذا ثبَتَ تملُّكهم لمنزل آخر في لبنان.

وتجدُر الإشارة إلى وجود تعارض في أحكام هذا القانون بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالاسترداد المتكَوِّنة قبل تاريخ نفاذه إذ يشير في مكان على تطبيق أحكامه عليها بينما في مكان آخر ينصّ على وجوب إخضاعها للقوانين التي نشأت في ظِلِّها.

تبقى جميع الأحكام الأخرى التي ترعى علاقة المالك بالمستأجر كما هي عليه في القانون القديم.

أخيراً، لم يشتمل قانون الإيجارات الجديد على الإيجار التملكي ولا على أي خطة كإنشاء مساكن شعبية بديلة لإيواء المستأجرين بعد إخلائهم لمساكنهم. سيَّما أنَّ التسهيلات المقَرَّرة بالنسبة لمساهمة الصندوق المالية المدفوعة للمستأجر في حالات الإسترداد لا تشكّل سوى مبلغ زهيد جداً لاينفع أن يكون – بأحسن الأحوال – بمثابة دفعة أولى من قيمة أي شقة سكنية ولن يحصل عليه المستأجر فعلياً إلّا خلال السنوات التمديدية الـ9 المتبقية من تاريخ إخلائه للمأجور.

ناهيك عن المصير المجهول للعائلات التي ليس بمقدورها تحمُّل الزيادة الإضافية في بدل الايجار في الحالة التي لا يغطّي فيها الصندوق سوى نسبة من الفارق بين بدل الإيجار المدفوع قبل نفاذ القانون وبدل المثل بعد نفاذه.

والمأزِق كبير بعد 9 سنوات إذ ستُخلى جميع الأبنية المؤَجَّرة من ذوي الدخل المنخفض ما سيؤدِّي إلى الفرز وتَغْيِيب الأحياء المختلطة في العاصمة وهو أمر حيوي يحافظ على التوازنات الديمغرافية ولن يكون أمام مئات آلاف العائلات اللبنانية – بغياب أي مجمعات سكنية شعبية- إلا الشارع أو العودة إلى الأرياف حيث الدولة غائبة تماماً. وسؤال أخير لإنصاف الفريق الأضعف وهو المستأجر: ألم ترتفع أسعار العقارات آلاف المرات من تاريخ تأجير المالك لمآجيره قبل 30 عاماً وحتى اليوم؟ وحتى في الأحوال التي تكون هذه المآجير السكنية قد استُهلِكت من قِبل المؤجر، ألم يُقِ المستأجر المؤَجِّر شرَّ خسارة قيمتها المالية فيما لو أقدم الأخير على بيعها قبل سنة 1984 (سنة إنهيار العملة اللبنانية) وأودع أمواله بالليرة اللبنانية؟

لا نعلم ما هو الآتي الأعظم! الأكيد حتى الآن أنَّ القانون الجديد لا يمكن وصفه بأقل من “حقل ألغام”.

المحامية رانيا ايليا نصرة | ليبانون ديبايت

2014 – نيسان – 07

مقالات ذات صلة