المقالات

ترامب وخطابه || أمن الصعب مواجهته؟

د. فايز رشيد
د. فايز رشيد

وكأني بالروائي المبدع سرفانتس يتململ في قبره، لأنه لم يكن ليتصور، أنه سيأتي إنسان بعده، ويتفوق على الشخصية الدرامية التي بناها في مؤلفه الساحر «دون كيشوت».

إنسان بدلا من محاربة طواحين الهواء، يريد محاربة العالم كله داخل أمريكا وخارجها. نظرة دونية للنساء، الاتفاقيات الجماعية الدولية السياسية والاقتصادية، المهاجرون، المسلمون. وأنا هنا أعني ما أقوله، ذلك أن محاربة التطرف الديني، لا تعني محاربة الدين نفسه، فهو وعَد بأن يشدد القبضة على المسلمين في الولايات المتحدة، كما أنه استبعد شيخا إسلاميا ليقرأ آية قصيرة من القرآن الكريم، من بين ثلاثة من الأديان الثلاثة، مثلما هو متعارف عليه في حفلات تنصيب كل الرؤساء الأمريكيين، واقتصر الأمر فقط على قسٍ مسيحي وحاخام يهودي.

بهذا الخطأ الفادح، أعطى الرئيس ترامب، حفل تنصيبه صبغة دينية، وهو بهذا يسيء إلى الدين باستخدامه أداة في السياسة، حيث تم الإيحاء بأن الرئيس الامريكي، يمثل ديناً معيناً، وأنه سيحكم بموجب تعاليم ذلك الدين، وبالتالي فإن بعض ما يفعله، سوف يحسب على تعاليم الدين. بالفعل أن الحبر الذي أهرق على ترامب، لم يحظ بمثله أي رئيس.

على ما يبدو، ونظرا لضحالة ثقافة الرئيس الخامس والأربعين للقوة العالمية الأولى، فإنه يجهل التطرف اليهودي، والآخر المسيحي. نعم، نحن ضد كل تطرف، أيا كان الدين الذي يُتخذ شماعة للإرهابيين، كي يعلقوا عليه جرائمهم الوحشية. ولعله يُحسب للدين الإسلامي الحنيف، تسامحه ودعوته للتعايش بين كل الأديان والإثنيات. أيضا، فإن الباحث يدرك تماما، حقيقة قوة التيار الصهيو – مسيحي في الولايات المتحدة، الذي إن لم يتفوق على اللوبي الصهيوني فيها، فإنه يعادله تماما. هذا التيار يؤمن بأهمية وجود إسرائيل وديمومتها وقوتها، انطلاقا من معتقدات دينية مسيحية، كشرط لظهور المسيح، مع أنه، من المفترض أن نظام الحكم في أمريكا علماني، وأن الولايات المتحدة نجحت منذ الاستقلال في الفصل بين الدين والسياسة.

على صعيد آخر، فإن شبح جورج بوش الابن، يطارد دونالد ترامب، فالأول اعتبر الحرب على الإرهاب في أفغانستان، حربا صليبية، كان ذلك في تصريح له عشية الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، كما كرر استعماله في الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على نيويورك. لم يخجل الرئيس بوش الابن لاستخدامه هذا التعبير ضد العرب والمسلمين، بل حرص على تذكيرهم بحروب واحتلالات مقيتة. في الحقيقة، أن هناك بعض التشابهات بينهما، إنهما رجلان ميالان إلى البذاءات، متبجحان، قليلا الحساسية ويحبان الانتقام. ولعلني أتفق مع ما كتبه الصحافي ريتشارد كوهين في مقالة له في «واشنطن بوست»، (الاثنين 16 يناير الحالي 2017)، إذ كتب بالحرف الواحد، «كان يجب على ترامب أمام كل تصريح له، أن ينظر إلى نفسه في المرآة، ويتساءل عن السبب، في أنه يبدو قبيحا جدا بالنسبة لكثيرين من الناس». من أبرز الدلائل على صحة ما نقول: المظاهرة التي سار فيها مليونا امرأة ورجل ضده في واشنطن، كما المظاهرات العارمة في ما يقارب الـ600 مدينة أمريكية وعالمية. إن هذا مظهر لم يصاحب حفل تنصيب أي رئيس أمريكي آخر، منذ جورج واشنطن حتى الرئيس السابق باراك أوباما.

في مراسم التنصيب، ألقى ترامب خطابا لا يمكن أن يفهم إلا كخطاب شعبوي، خطابا مفعما بالأكاذيب، التشويهات والتحريض، الدعوة إلى قومية متطرفة وعناصر اخرى على هذه الشاكلة. لقد وصف ترامب في خطابه القاتم أمريكا كقوة عظمى تغرق وتضعف، تنثر ثراءها على كل الدول، وأن العالم يمص دمها ويثرى على حساب طبقتها الوسطى. هذا الوصف، لا صلة له بالواقع، فهو لا يعرف حجم الثروات التي ينهبها بلده من دول العالم، الذي ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الأولى، بالتالي، فإن ما يجري فيها يؤثر حتما على مجموع الدول. خطاب ترامب يذكّر بزعماء دول العالم النامي، فهو أعاد السلطة إلى الشعب. من شعاراته «أمريكا أولا». بمعنى آخر، أن أمريكا أهم من الجميع، وفوق الجميع هذا يذّكرنا بشعار الزعيم النازي هتلر «ألمانيا فوق الجميع».

فيما يتعلق بإسرائيل، لقد حرص الرئيس ترامب على استضافة ثلاثة من زعماء المستوطنين إلى حفل تنصيبه، هذا الأمر يعني تأييد إدارته المتصهينة لسياسات الكيان الصهيوني الاستيطانية، عدا عن اعتزامه نقل سفارته في الكيان إلى القدس المحتلة، لهذا ليس عبثاً مثلاً، أن يُكرّر كل مسؤول امريكي منذ عقود طويلة حتى الآن، أن اسرائيل في كل جرائمها ضد شعبنا وأمتنا، تنتهج سياسة مبررة أمريكيا، باعتبارها دفاعا عن النفس وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، وان القدس هي العاصمة التاريخية والأبدية لـ»الشعب» اليهودي (تماما كما تردد إسرائيل) باعتبار أن اليهود «عادوا إلى وطنهم الموعود» مع أن معظم المؤرخين اليهود والآخرين، لا يرون أي علاقة بين اليهود القدماء ويهود اليوم، فهؤلاء هم بقايا يهود مملكة الخزر، كما ورد في كتاب «امبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة» لآرثر كوسللر. وكتابا شلومو ساند، «اختراع الشعب اليهودي» و»اختراع أرض إسرائيل»، كذلك كتاب «مملكة الخزر اليهودية وعلاقتها بالبيزنطيين والمسلمين في العصور الوسطى» للدكتور محمد المغربي، وغيرها. هؤلاء وعشرات مثلهم، أجمعوا على أن لا علاقة لليهود بأرض فلسطين. نقول هذا، لا لاستعراض التاريخ، بل لأن ترامب أراد رفع شعار مواز لشعار «أمريكا أولا»، وهو «إسرائيل أولا»، واصة بخلفيته الصهيو – مسيحية المُعبّر عنها في سياسته الموعودة وفي نهجه المتوقع تجاه شعبنا وأمتنا. كذلك هي حربه على الإرهاب «الإسلامي»، التي قد يفهم منها الظلاميون الإرهابيون، أن الحرب مع أمريكا، أصبحت حربا «دينية». إن هذا ما يخطط له الكيان الصهيوني منذ زمن، ويتماهى مع ما يريده الإرهابيون في منطقتنا. كان خطاب الرئيس ترامب مليئا بالعبارات الإنشائية. نعم لقد سبق للسفير الأمريكي الأسبق في سوريا روبرت فورد، أن وصف ترامب بأنه «هاو للخطب الكلامية».

بالنسبة لردود الفعل المتوجب أخذها فلسطينيا وعربيا، لمواجهة سياسات ترامب وإدارته المتصهينة في فلسطين وعموم المنطقة العربية، فلا ينفع معها لا التوسل ولا التسول، خاصة في ظل وضوح ترامبي كبير، تمثّل في سياسات وتعيينات في الإدارة، بالتالي، علينا التساؤل أولاً، لماذا سيشكل ترامب استثناء بين الرؤساء الأمريكيين في نقل السفارة؟ نعم، هناك عوامل متعددة وضغوطات كبيرة أبرزها، أن مؤتمرا خاصا للحزب الجمهوري، تم عقده في شهر مارس الماضي 2016، لتحديد الأهداف التي يريدها الحزب في المستقبل القريب، ولم يكن من بينها، حل الدولتين كما كان قائما من قبل، وهو ما يعني: إزالة العقبات أمام ترامب في علاقاته الإسرائيلية.

إننا بحاجة كفلسطينيين إلى مراجعة شاملة لكل ما جرى، منذ اتفاقيات أوسلو حتى اللحظة، وإنهاء الانقسام، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها، وإلى إحياء مؤسسات م. ت. ف، على القاعدة والنهج القادرين على انتزاع حقوقنا من براثن العدو، من خلال المقاومة بكافة أشكالها، وأبرزها الكفاح المسلح. في هذه الحالة لن يستطيع أحدٌ، عربيا كان أم دوليا، تجاوزنا. سنشكل حينها بؤرة لاستقطاب الجماهير العربية، لتدور في فلكها. أما عربيا، فبإمكان النظام الرسمي العربي، رغم خلافاته وتناقضاته، مجابهة سياسات ترامب بالعديد من الخيارات السياسية والاقتصادية وبالأخص التجارية. ترامب في النهاية، ليس قَدَراً مفروضا علينا، وبالإمكان مجابهته لو توفرت الإرادة، فهل تتوفر؟.

د. فايز رشيد

كاتب فلسطيني

Jan 26, 2017

مقالات ذات صلة