من الشام إلى غزة تحية
من الشام إلى غزة تحية
د. مصطفى يوسف اللداوي
كم أشتاق إليك يا شام … ويا غزة … فكلاكما لي وطن، وأنتما لي السكن …
عشت فيكما الوطن، وتعلمت فيكما حب الوطن …
دروبكما مقاومةٌ … وأزقتكما ثباتٌ … وشوارعكما فلسطين كلها …
في الشام كما في غزة شوارعٌ ومعالمٌ باقيةٌ … حيفا ويافا واللد والرملة … وبيسان والجليل وطبريا وصفد …
إليكما أتوق … سكناً وإقامةً … وثباتاً ومقاومة … وتطلعاً وأملاً … وعودةً ونصراً …
العُلا دوماً غياتكما، والوطن دائماً قبلتكما، وعلى النصر أبداً عيونكما، كما على الزناد كانت وستبقى أيدكما
يا غزة الجريحة … ويا دمشق الحزينة … أنتما الدفء وإليكما الحنين …
في الحنايا والضلوع تسكنان … ومع الدم تتدفقان … ومع دقات القلب تنبضان ..
صنوا المقاومة أنتما … ومترادفتا النصر كنتما … توأمان مقاتلتان ومقاومتان .. صابرتان وثابتتان …
كلاكما اليوم خرابٌ ودمارٌ، وأحزانٌ وآلامٌ، وقد كنتما الحياة والعمران …
بلسم الجراح كنتما، وسلاح المقاومين قد عهدناكما، وكنانة الكر والفر أنتما …
كنتما البندقية والحجر والصاروخ والأمل الذي يحمله السجيل والقسامُ والفجر …
غزة الرجال وشام الرباط … يا خيرة البلاد ويا صفوة العباد …
يا بشرى رسول الله ويا محط رحال رجاله الأكارم، وصحابته الغر الأماجد …
أنتما على العدو دوماً سيف النقمة، وسوط العذاب، وناقع السم القاتل …
لا تُكسران … ولا تضعفان … ولا تهونان ولا تهينان … ولا تسلمان بعجزٍ ولا تقبلان بهزيمة …
أيتها القاهرتان بحق، المنتصرتان بجد، المتطلعتان إلى المجد، الحالمتان بالغد …
أنتما صناع النصر ورواد المقاومة … قديماً كنتما وعلى العهد بقيتما …
فيكما سكن الرجال ونشأ الأبطال … وعلى أرضكما صنعوا الملاحم وكتبوا أعظم الصفحات …
يا تاريخنا الأعز وماضينا الأغر … يا حلمنا المسكون ويا جرحنا الباقي …
با آهة الحسرة ويا فرحة العزة … يا حلم الطفل ويا أمل الأب …
يا شمس العرب الساطعة ونجومها الزاهرة …
يا شام أيتها العتيقة … أيتها البهية العبقة الأنيقة …
يا زهر الياسمين ويا أرض قاسيون …
يا بلد الميسلون ويا ديار القسام …
إلى فلسطين وغزة كانت عيونك ترنوا دوماً وتتطلع …
صيدٌ أهلك، أباةٌ ربعك، كماةٌ رجالك، باسلاتٌ نسائك، صابراتٌ أمهاتك …
فمتى يا دمشق أمية ويا غزة هاشم تعيدان إلينا الحياة، وتبعثان فينا الروح من جديد …
أضنانا حزنكما، وآلمنا جرحكما، وآذى عيوننا الخراب الذي سربلكما، والدمار الذي حل بكما …
قلوبنا تنكسر مع كل حجرٍ فيكما ينكسر … وتسقط آمالنا مع كل بناءٍ كان يعمركما …
أين مساجدكما العامرة، ومآذنها الشاهقة، وأسوارها العالية، ومنابرها الأبية، وتاريخها البهي …
يا بساتين الشام ويا بحر غزة، يا غوطة الشام وشاطئ غزة …
نادوا على الماء أن يغيض، وعلى سفينتكما أن تستوي على الجودي …
عل الجراح تلتئم، والناس تجتمع، ونار الحرب تخمد، ورمادها يزول، والأمل إلينا يعود …
متى تعودان أيتها الحاضرتان العظيمتان، الحاضنتان للحلم والقابضتان على الأمل كالجمر …
فقد اشتقنا إليكما وإلى العيش في أرضكما، والاحتماء تحت سمائكما، والتفيؤ في ظلالكما …
فحواريكما علينا عزيزة … وأرضكما علينا غالية …
ذكرياتنا فيكما كثيرة … وآمالنا بكما كبيرة …
فلا تطيلا الغياب … ولا تتأخرا في العودة …
فقد آن الآوان لعودتكما … عودةً مظفرةً … واثقةً آمنةً …
إليكما نحن في حاجة …
فأنتما سندٌ وظهرٌ، ونصيرٌ وظهيرٌ …
أنتما الصوت العالي والضمير اليقظ …
أنتما الساعد والسيف …. وأنتما القوس والسهم … والكنانة والنبل …
أنتما الرجال والهمة، وفيكما السلاح والعدة، وعليكما تنعقد النية …
شريفٌ فيكما من قاوم وقاتل، ووضيعٌ بينكما من ساوم وفرط، أو فاوض واستسلم …
هبي يا شام ورددي الصرخة يا غزة، وانهضي من كبوتك يا جلق الماضي، وعودي عامرةً يا غزة الأبية …
سنعود كما كنا قريباً لا بعيداً … راياتنا مرفوعة، وبيارقنا منصوبة، وأعلامنا خفاقة، وأرضنا حرة عامرة …
فإلى لقاءٍ قريبٍ على ربوعكما … بل على صهوات جيادكما …
تحت أقواس الحرية … وعلى وقع أصوات طبول النصر …
من غزة إلى الشام ألفُ سلامٍ، ومن الشام إلى غزة أصدقُ تحيةً …