المقالات

نص ملون || اسماء فيصل عواد

نص ملون

الكاتبة اسماء فيصل عواد – الاردن

البعض حين ينطقون يلونون كل شيء حتى عظامنا…

ذلك الفرح المبهر في رخامة صوتهم والطفولة المتجلية في زواياهم، لطافة قبضتهم الضخمة وكذلك ذراعهم، هيبتهم الجريئة وإقدامهم، رزانتهم كما لو كانوا قديسي معبد ما؛

كل ذلك يجعل منهم حالة فريدة تضطر لأجلها أن تخطف قرصة من طرف خدك صباحاً حتى تتأكد أنك لم تكن تهذي بهم بل كانوا حقيقتك المطلقة التي أشرقت عليك ذات مرة حين سلكت طريق الوطن…

***********************

إذن هو الوطن، ككتفي عاشق يحملنا لبر الأمان،

أم تراه أقصى ارتفاع تصله روحكِ متتبعة ضحكته بينما تنغرز قدميكِ بباطن الأرض،

قد يكون تلك البقعة من البطحاء التي تفترشها أنت أو هو في لحظة وَلَه،

ربما يعني خفق فؤاد صبية في الخمسين حين تعد أنفاس فدائي حالم برسم وجهها منذ سنين،

الوطن جغرافيا نتقاسم طوبغرافيتها ومناخها ومصادرها الطبيعية وتعداد سكانها وعاصمتها وآثارها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها مع أولئك من يلونون قوس قزح وقرص الشمس…

***********************

ويكون أن نحفر ذلك الشق في جذع حائط إسمنتي، تنكسر أظافرنا ونتابع الحت ولو بأسنانا لنصل لشفاه قُبلةٍ من فضاء رحب، دعونا من المواربة حتى في تلك اللحظات السوداوية نبحث عن مخرج والمخرج علبة ألوان فاضت بدمها المزركش حين قال أحد الفتية سألعب في حديقتي متناسياً عن عمد لغماً أرضياً وسلكاً معدنياً لفَّته الأشواك مفترسةً طَرِّي جلدِ الطفولة حين تشيخ فتموت بفعل الحرب وتُكبِّل هناك حيث لا هواء ولا حديقة من قال لا في زمن الصُلح ومع ذلك نحت ونحفر رفضاً وليس استسلاماً…

***********************

إذا كنت أسيراً أو مخطوفاً كل ما قد تفكر به هو نافذة تطل على وجوه أنت تحفظ تفاصيلها ولكنك بحاجة لتحسسها عن قرب وعد مساماتها وشعر رأسها الذي إبْيَض حين بَرَدَ جمره، نافذة بلا زجاج وشَبَك ليست كتلك التي تتغول على صوت الجانب الآخر فتبتلعه بلا شفقة، نافذة تدق الشمس صباحاً وترها المنعش على عتبتها ويجلس القمر ليلاً يسامرك وأنت تحرض على الغد فيما تبني سلمك لقطف محصول زيتون صادره من بنى لك هذا الحيز ليحتجز فكرتك لا أنت.

حتى في ذلك المنفى، بناء النافذة المرجوة يستدعي بالضرورة فتح الباب وفكرتك الجمعية تلك ستفتح لك بوابات حديدية وليس باباً واحداً…

***********************

ها أنا أكتب لأولئك محبي الحياة نصاً ملوناً أُسَرِّبُه بطرف اصبعي عبر الشق الذي نحتُّه لأبني نافذتي وبابي كرامة لطفل علبة الألوان المزركشة ولفكرة ابتلعها زجاج يكتم الصوت، أكتب نصاً ملوناً لسعدات وجورج بأن مفاتيح أبوابكم معنا فلا تقلقوا…

مقالات ذات صلة