المقالات

ما هو موقف “فتح” من المصالحة؟

عند حلول الرابع عشر من آب الجاري وهو الموعد المتفق عليه بين “فتح” و”حماس” لتشكيل حكومة الوفاق الوطني وتحديد موعد إجراء الانتخابات؛ قام الرئيس محمود عباس بإعادة تكليف رامي الحمد الله بتشكيل حكومة جديدة، في دلالة واضحة على أن تطبيق اتفاقات المصالحة صار أبعد إن لم يكن أصبح في خبر كان.

بعد تكليف الحمد الله بأيام قليلة أعلن أمين مقبول إنّه على رأس وفد من “فتح” وبتكليف من الرئيس سيقوم بزيارة قطاع غزة لحث “حماس” على الموافقة على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وذلك لتجديد شرعية المؤسسات التي لا تحتمل الانتظار، في نفس الوقت تقريبًا الذي طالب فيه جمال محيسن، عضو اللجنة المركزية لـ”فتح”، بعقد انتخابات بمن حضر وعدم إبقاء الموقف الفلسطيني رهينة عند “حماس”.

وجاء التصريح المنسوب إلى عزام الأحمد ليزيد الأمر تعقيدًا على تعقيد، حيث جاء فيه إن “فتح” في حل من الاتفاقات الموقع عليها مع “حماس” جرّاء تنصل الأخيرة عمليًّا منها. ولمّح الأحمد ضمنيًّا إلى أنه لا يوافق على إجراء الانتخابات الآن، وأن “فتح” لم تتخذ قرارًا بإجراء الانتخابات من دون قطاع غزة، وأشار إلى وجود بدائل أخرى يتم التداول فيها.

هذه البدائل وفقًا لمصادر موثوقة تتراوح بين عودة الحرس الرئاسي إلى معبر رفح باتفاق أو من دون اتفاق مع “حماس”، وإعادة تطبيق اتفاقية المعابر (وهذا ما رفضته الأخيرة)، وإعلان قطاع غزة إقليمًا متمردًا، والسعي لإسقاط حكم “حماس”؛ وبين الاستعاضة عن الانتخابات – التي من دون وفاق ستعمق الانقسام وتحوله إلى انفصال دائم – من خلال قيام منظمة التحرير عبر مجلسها المركزي بتمديد ولاية السلطة والرئيس.

هذا التباين في التصريحات الصادرة عن قيادات “فتح” هل هو جزء من خطة مدروسة وشكل من أشكال تبادل الأدوار، أم يعكس فوضى أو خلافًا حقيقيًا ويعكس تعقيد الوضع الفلسطيني على كل المستويات والأصعدة، خصوصًا بعد استئناف المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية ومن دون أي مرجعية ولا ضمانات حقيقية ولا جدول زمنيًا ولا آلية تطبيق ملزمة، وفي ظل تصعيد علني وسافر وغير مسبوق في الاستيطان يهدد بابتلاع أكبر مساحة من الأرض التي من المفترض أن التفاوض يجري حولها؟.

هناك فرق وتناقض جوهري بين الدعوة إلى انتخابات بموافقة “حماس” إذا كانت هذه الدعوة جدية وليس مجرد رفع تعب ومحاولة لتحميل “حماس” مسؤولية عدم إتمام المصالحة، وبين إعلان سقوط الاتفاقات معها وإجراء الانتخابات بمن حضر، وإعلان قطاع غزة إقليمًا متمردًا وعودة الحرس الرئاسي إلى معبر رفح.

إن فكرة اللجوء إلى المنظمة لحل مأزق الشرعية التي يواجهها رئيس ومؤسسات السلطة رغم عدم قدرتها على تقديم الحل للمأزق الشامل الذي يعانيه النظام الفلسطيني بمختلف مكوناته، إن لم تكن جزءًا من رؤية شاملة متكاملة تهدف إلى إعادة بناء مؤسسات المنظمة، بحيث تكون مؤسسة فاعلة تمثل أو تسعى بشكل جاد قولًا وعملًا لتمثيل جميع الفلسطينيين؛ أقل سوءًا من الذهاب في الانقسام إلى أقصى حد من خلال عقد انتخابات بمن حضر، ما ينذر بتجدد الاقتتال الفلسطيني في قطاع غزة، إن لم يمتد إلى مناطق أخرى.

لا يمكن حل مأزق الشرعية للمؤسسات الفلسطينية الناجم أولًا عن عدم تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وفشل الإستراتيجيّات المعتمدة، خصوصًا إستراتيجية المفاوضات الثنائية، وما أدت إليه من عدم وضوح المشروع الوطني الفلسطيني، بل وتراجعه بعد تكريس مبدأ “تبادل الأراضي” والمفاوضات الثنائية واستبعاد المقاومة، بما فيها المقاومة الشعبية؛ إلى برنامج إقامة دولة فلسطينية على جزء من الضفة الغربية من دون القدس أو معظمها ومن دون حل قضية اللاجئين.

فالأولوية يجب أن تكون لإحياء القضية الفلسطينية وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني من خلال إعادة تعريفه، وهذا يجب أن يحظى بالأولوية ومن دونه لا يمكن أن تحصل المؤسسات على الشرعية حتى إذا جرت انتخابات، لأنها انتخابات تجري تحت الاحتلال ومن دون وفاق ومن دون اعتماد إستراتيجية قادرة على إنهاء الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية.

استنادًا إلى ما سبق، يمكن تحقيق الوفاق الوطني على أساس إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الجامع الذي يجسد القواسم المشتركة، ويتطلب ذلك وضع أسس شراكة سياسية حقيقية، تعطي لكل ذي حق حقه، من خلال اللجوء إلى صناديق الاقتراع بشكل دوري ومنتظم، وعلى جميع المستويات والقطاعات، شريطة أن تكون الانتخابات جزءًا من معركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وليس غطاءً شرعيًا زائفًا للمفاوضات الثنائية معه، التي لا يمكن أن تقود وفق الأسس والمعطيات التي استؤنفت استنادًا إليها إلا إلى ضياع المزيد من الأرض والحقوق والوقت، الذي تستغله إسرائيل أسوأ استغلال لاستكمال فرض أمر واقع احتلالي لا يمكن تجاوزه عن طريق المفاوضات، وإنما يستدعي بشدة أكثر من السابق طريق المقاومة المثمرة ضمن إستراتيجية متكاملة تستخدم كل أشكال النضال السياسي والكفاحي وتستخلص الدروس والعبر من التجارب الفلسطينية السابقة.

لو كانت هناك إرادة سياسية لدى “فتح” و”حماس” لإنهاء الانقسام بدلًا من سعي كل طرف للاحتفاظ بما لديه من سلطة، والسعي لمدّ نفوذه إلى ما يسيطر عليه الطرف الآخر، بالرغم من أنّ الطرفين تحت سيادة الاحتلال المباشرة أو غير المباشرة؛ لكان هناك طريق حتى رغم ما يجري في مصر، ولكن هذا يقتضي عدم انجرار الطرفين للوقوف مع طرف مصري ضد آخر، لأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى دعم الجميع وبمقدورها الحصول على دعم الجميع.

إن “حماس” ارتكبت خطأ فادحًا عندما تعاملت بعد عزل مرسي على أساس أنها مجرد امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأهملت أنها جزء من الحركة الفلسطينية المقاومة للاحتلال، وأي وحدة وطنية الآن يجب أن تبدأ بقيام “حماس” بتمييز نفسها عن جماعة الإخوان المسلمين وتقديم نفسها على أنها حركة فلسطينية، وهذا صعب، ولكن من دونه لا يمكن أن تبقى “حماس” لاعبًا فلسطينيًا رئيسًا، خصوصًا بعد أن أصبح الحكم في مصر يعادي ويحارب الإخوان المسلمين، وسيعادي ويحارب أي امتداد لهم على الحدود المصرية – الفلسطينية في منطقة حساسة، لما يمكن أن يشكله من خطر على الأمن المصري.

وهنا، على “حماس” أن تكف عن الرهان على عودة مرسي وعلى التطورات المحتملة في مصر والمنطقة، فهذا الرهان سقط، فالإخوان المسلمون صعدوا بسرعة ووصلوا الذروة وبدأوا بالهبوط جراء أخطائهم التي ارتكبوا أكبر عدد منها خلال سنة واحدة، فهم استمروا بسياسات نظام حسني مبارك، ولم يوفروا رغيف الخبز ولا الأمان وأقصوا كل الاتجاهات الأخرى، وعادوا الإعلام والمثقفين والقضاء وأخيرًا الجيش، لذا كان المصير الذي واجهوه متوقعًا مع كل الملاحظات التي يمكن أن تقدم أو لا تقدم على صحة اعتماد القوة والحل الأمني، وعلى الخشية من تكرار أخطاء الإخوان المسلمين أثناء حكمهم من قبل الذي يأتي من بعدهم. فلا بد من فلسطنة “حماس” حتى تنضوي في إطار الوحدة الفلسطينية.

وعلى “فتح” أن تكف عن الرهان على الإدارة الأميركية والمفاوضات من دون أوراق قوة ولا وحدة وطنية ولا توفير أسس لنجاحها، التي قادت وستقود إلى الكارثة، وعن الرهان على استنساخ التجربة المصرية في قطاع غزة، فـ”حماس” صعدت وفازت في الانتخابات الفلسطينية قبل صعود الإخوان المسلمين بسنوات عديدة، ويمكن أن تستمر بعد سقوطهم، لأنها كانت حركة مقاومة ويمكن أن تستدعي ورقة المقاومة متى تشاء، ولأن هي من يملك معظم القوة في غزة من سلاح وأجهزة أمنية وما تبقى تحت سيطرة حليف لها (الجهاد الإسلامي)، وهذا مخالف لما جرى في مصر، حيث كان الجيش والمخابرات وأجهزة الدولة العميقة في معسكر مضاد لحكم الإخوان المسلمين، مع أن “حماس” خسرت كثيرًا من الدعم العربي والإسلامي والدولي منذ استيلائها على السلطة في غزة وحتى الآن.

الأيام، رام الله، 20/8/2013

مقالات ذات صلة