المقالات

أين المال يا لبيد؟ انه في الاحتلال

أين المال يا لبيد؟ انه في الاحتلال

تسفي برئيل

إن الموقع الامريكي على الشبكة العنكبوتية costofwar.com مخصص لمواطنين ذوي أعصاب حديدية، ويظهر فيه من جملة ما يظهر عرض يقف له شعر الرأس لتكاليف الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة في العراق وافغانستان حيث تجري أعداد الدولارات في جنون سريع خارج عن السيطرة.

ولا يمكن وقف انطلاق الأعداد السريع الذي يشير الى الكلفة غير المتصورة لهاتين الحربين وهي تريليون و442 مليارا وبضعة دولارات اخرى. وهذا عرض مذهل ومُغضب بصورة خاصة بسبب حقيقة ان الولايات المتحدة لم تكسب مزيدا من الأمن لنفسها نتاج هاتين الحربين. فالعراق الذي أصبح مرعي ايران السياسي أخذ تنتقض عُراه، وستصبح افغانستان بعد سنة حينما تخرج منها القوات الامريكية دولة تسيطر عليها طالبان.

والمناقضة المنطقية هي انه في حين يمكن تكميم تكاليف الحروب وعرضها بأرقام تنير البصيرة، فانه لا توجد سبيل لعرض قيمة عددية لمفهوم الأمن ولهذا لا امكان ايضا للبرهان على انه كلما أنفقنا على الأمن أكثر حصلنا على مقابل أكبر. ولا امكان للبرهان ايضا على عكس ذلك وهو انه اذا أنفقنا على الأمن أقل حصلنا على قدر أقل من هذه السلعة. والنتيجة هي انه ليس التهديد بل القدرة الاقتصادية هي التي تُعرف ما هو الأمن وأي التهديدات يجب ‘التخلي عنها’.

إن الدول لا تفرض عقوبات اقتصادية على أنفسها بل تُسجن في ترتيبات أولويات لكن النتيجة واحدة. فالعراق وافغانستان ‘فرضتا عقوبات’ ميزانية على الولايات المتحدة التي استقر رأيها بسببهما على ان تُعرف أعداءها من جديد لتُسوغ انسحابها.

واسرائيل في مقابل الولايات المتحدة ما زالت تزعم أنها لا تستطيع ان تغير خريطة التهديدات حينما تتجه الى إقرار الميزانية الامنية، فالجميع أعداء ولا يمكن التخلي عن شيء. فهل يمكن في الحقيقة عدم الاستعداد لحرب التهديد الايراني أو تجاهل خطر الصواريخ من لبنان؟.

وهنا يكمن التضليل. لأنه في حين ان ايران ولبنان هما البقرتان الحلوبان المقدستان للأمن يوجد في قطيع الأبقار هذا بقرات كان ينبغي ان تُذبح منذ زمن كالصراع مع الفلسطينيين.

من غير الممكن تقريبا تخليص تكلفة الاحتلال من معطيات الميزانية العامة وكأنها سر دولة خفي. على حسب بحث قام به مركز أدفا، أنفقت الحكومة منذ كانت الانتفاضة الاولى في سنة 1987 نحوا من 31 مليار دولار على عدد قليل من المواد يمكن تعريفها ماليا كبناء سور الفصل والانفصال عن غزة وتطوير القبة الحديدية وتحصين بلدات غلاف غزة. وقدّر خبراء مختلفون على مر السنين تكلفة الاحتلال في سنينه الأولى الأربعين بنحو من 50 مليار دولار، ويُقدر آخرون المبلغ بضعف ذلك. ويبدو ان الدولة أيضا لا تعلم بالضبط ما هي تكلفة الاحتلال.

لكن هذا لا يهم لأنه ما بقي الاحتلال يعتبر عنصرا ضروريا في تصور اسرائيل الأمني فهو كالتهديد الإيراني. ولا يوجد ما يُفعل فهو هناك وهو أبدي مهما يكلفْ. وقد غابت حقيقة ان الاحتلال هو الذي يُحدث التهديد عن الميزانية العامة. إن العقوبة الاقتصادية التي يفرضها الاحتلال على اسرائيل تُرى في اسرائيل كما تُرى العقوبات الاقتصادية في ايران: فهي امتحان للصمود القومي وهذا لا ثمن له. بعد ان تغلغل الى الوعي ان المستوطنات ليست كنزا أمنيا بل هي عبء أثقل من ان يُحمل نجحت في ان تحول مكانتها من عبء أمني الى كنز قومي ومنحت الاحتلال بذلك شرعية جديدة لا تُقدر قيمتها بثمن. وهي القيمة الموضوعة الآن على باب يئير لبيد الذي يبحث عن المادة العجيبة التي تردم الهاوية الضخمة في الميزانية العامة. وعليه ان يدع قسم الميزانيات يسأل سؤالا واحدا فقط وهو كم سنكسب اذا تحررنا من الاحتلال. بالضبط. وعليه فقط ان يأمر ببناء موقع على الشبكة العنكبوتية يسمى costofoccupation.co.il، تجري فيه الشواقل في ايقاع مخيف. وهناك سيجد ايضا الحل لوضع ريكي كوهين.

هآرتس 10/4/2013

القدس العربي، لندن، 11/4/2013

مقالات ذات صلة