المقالات

سان مضى.. وغسان آت

سان مضى.. وغسان آت

اسم الكاتب : عادل عبد الرحمن

2013-07-09

حلت الذكرى الحادية والاربعون لرحيل الشهيد الاديب والمفكر غسان كنفاني، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

غسان كنفاني ركب خيول الاصالة العربية، وأمسك اعنتها بفروسية المناضل المبدع، فجمع بين الكفاح السياسي والفن التشكيلي والرواية والقصص القصيرة والكتابة الصحفية. كان غسان في سباق مع الزمن، كأنه كان يعلم، ان موعده مع الرحيل عن الدنيا غير بعيد، فانتج وكتب وشَّكل لوحاته عن القضية ، التي لازمته مع حليب الطفولة منذ رأت عيناه النور في مدينة عكا في الثامن من نيسان/ إبريل عام 1936، عام الثورة الكبرى 1936 /1939، ورافته في لجوئه مع عائلته الى دمشق في اعقاب نكبة العام 1948، وفي ترحاله الى الكويت وبيروت وعمان وغيرها من دول العالم.

ابو فايز مضى الى عالم آخر، ورحل عن دنيا العطاء والانتاج، لكنه باق بين ظهرانينا، باق في رواياته وكتاباته ولوحاته الفنية ودراساته الفكرية / السياسية. ومازال غسان يخوض النقاش والصراع السياسي والفكري مع القوى السياسية القائمة، يدافع عن ثوابته الوطنية، وعن قراءته للصراع بادواته المعرفية ,إستخلاصته في قراءة الحركة الصهيونية ومشروعها الكولونيالي الاستيطاني ، ولم تتمكن آلة القتل الصهيونية الجبانة من إغتيال روح وإنتاج غسان كنفاني،لان ابطال روايته “عائد الى حيفا” و”ام سعد” وغيرها أحياء يحاكون التجربة التاريخية للثورة والمشروع الوطني من جهة، والمشروع الصهيوني من جهة أخرى. رغم انها نجحت في تفجير جسده النحيل في الثامن من تموز/ يوليو 1972.

مضى غسان في الافق البعيد نحو فضاءات متخيلة، حاملا ريشتة ليرسم لنا عبر الدراسات المتواصلة لنتاجاته الادبية والفكرية / السياسية والفنية لوحة الفارس الفلسطيني العربي العائد من وسط غيم المرحلة وعقم مآلاتها، وسقوط ركائز خياراتها. ليعيد مجد الرواية الفلسطينية ويعيد رواية يشع ويهوا الى زواياها المظلمة، بعد ان تراأى لرواتها، وكان التاريخ بات يبتسم لهم، وتناسوا قصة طائر الفينيقي، الذي يولد من الرماد.

*** ***

كأني هذه الايام أرى غسان كنفاني في حلة جديدة، وفي صورة غسان زقطان، الشاعر الفلسطيني، الحائز على جائزة “غريفين” للتميز الشعري، وهي ارفع جائزة عالمية بالشعر في كندا.

غسان زقطان، قد لا يكون فنانا شاملا كما كان غسان كنفاني. لكن ما يميز زقطان، انه ابن عائلة ادبية، فكان لوالده دور كبير في التأصيل للمواهب الادبية، التي برزت عند ابنائه جميعا او على الاقل الذين عرفتهم. فزهيرة زقطان أكملت بعدا في شخص شقيقها، فهي لها اكثر من عمل كتابي، وهي فنانة في عالم التطريز، ومسكونة بفلسطينيتها حتى النخاع. ووضاح الاخ الاصغر لغسان، يلاحق في منمناته اليومية ملامح الحياة الفلسطينية بماضيها وحاضرها عبر جريدة “الحياة الجديدة” معمقا أشعار غسان.

في إحدى اللقاءات القليلة، التي جمعتني مع الشاعر الكبير محمود درويش، سمعته يقول، أن لغسان زقطان مستقبل واعد. لم يكن معنا ثالث، وكان ذلك في مركز خليل السكاكيني. واضاف محمود لي، مع انه بدا لي كأنه يحاكي ذاته الملهمة والناقدة الموضوعية في قراءة مستقبل الشباب الفلسطيني الناظم للشعر.

شهادة محمود درويش، لم ابح بها لاحد، وبقيت معي، ترافقني إلى ان جاء وقت الاعلان عنها بعد تسلم الاديب الشاعر ابو مكسيم جائزة “غريفن”، التي تفوق فيها على 509 من منافسيه الشعراء من اربعين بلدا عن ديوانه العاشر “كطير من القش يتبعني”، تلك الجائزة، التي أكدت للقاصي والداني تفوق غسان، وأكدت نبوءة الراحل الكبير محمود.

غسان زقطان أت مع الجديد من الشعر، ليعمق فصلا آخر من الرواية الفلسطينية، التي بدأها الرواد الاوائل ومن بينهم غسان كنفاني ومحمود درويش وابو سلمى وابراهيم طوقان وحنا ابو حنا وتوفيق زياد واميل حبيبي ويوسف الخطيب وعبد الرحيم محمود واسماعيل شموط ورياض البندك ونصري الجوزي وغيرهم. لاسيما وان الجائزة رغم اهميتها على الصعيد الشخصي، إلآ انها حملت بعدا وطنيا عميقا، مما حد بالرئيس ابو مازن ان يتصل بالادين زقطان، وان يوشحه بوسام الاستحقاق لاحقا، تكريما له على إنجازه.

ولا يضيف المرء جديدا، حين يؤكد لغسان زقطان، ان معركة الثقافة، كانت ومازالت المعركة الاهم مع الرواية الصهيونية العابرة. وانتصاره بالجائزة (غريفن) إنتصار للرواية الفلسطينية الباقية وألاتية مع الزمن الجديد لتحمل صورة الوطن والعودة وتقرير المصير.

الصديق ابو مكسيم، لم ابادر للاتصال به لتهنئته بجائزته، ليس لاني لا اريد، بل لاني قررت ان اوفيه بعض حقه كأديب قبل الحديث معه. لا سيما وان زمالة عمل ربطتني بغسان زقطان في وزارة الثقافة. مع اني عرفته قبل العودة للوطن، حين كان يعمل في صحيفة “الحرية” في دمشق، وبقى حبل الود يربط بيننا، رغم عدم التواصل. مبروك لغسان زقطان ومبروك للثقافة الوطنية وللقضية الفلسطينية.

مقالات ذات صلة