المقالات

نتنياهو بين ضرورات الحفاظ على الوضع القائم ومتطلبات التغيير

نتنياهو بين ضرورات الحفاظ على الوضع القائم ومتطلبات التغيير

حلمي موسى

مرة بعد مرة وأسبوعا تلو أسبوع وبنيامين نتنياهو يعجز عن تشكيل الحكومة التي كلفه بتشكيلها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بعد أن أوصى 82 عضو كنيست بنتنياهو. ورغم التقارب السياسي بين مكونات المعسكر المؤيد لنتنياهو سواء من يعتبرون من اليمين القومي أو اليمين الديني أو الوسط العلماني، فإن خلافات داخلية وشخصية لا تزال تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة. والأدهى أن نتنياهو حتى الآن لم يعرض أي إنجاز لمفاوضاته التي أجراها مع القوى الائتلافية المحتملة.

وهكذا فإن ما كان يبدو سهلا صار أكثر صعوبة نتيجة لموقف قائمة «البيت اليهودي» برئاسة نفتالي بينت. ورغم وضوح الأبعاد الشخصية في التوتر القائم بين نتنياهو والليكود من جهة وبينت والبيت اليهودي من جهة أخرى إلا ان هناك أسبابا موضوعية أخرى. فاليمين الديني الذي كان على مدى عقود وجود الدولة العبرية عنصرا مكملا وليس العنصر الأساس نال في الانتخابات الأخيرة ما جعل منه قوة أساسية مركزية. فقد فاز ما لا يقل عن 38 مرشحا ممن يعتمرون القبعة الدينية بعضوية الكنيست ما جعل منهم أكبر قوة ذات اتجاه متبلور أيديولوجيا.

ولكن هذا الفوز أظهر للمرة الأولى الخلاف المستتر بين الصهيونية الدينية والحريديم. وبينما يعتزل الحريديم في أحياء ومدن خاصة بهم ينتشر الصهاينة المتدينون بين عموم الناس في المدن والبلدات ولا يختلفون جوهريا عن الآخرين. وقد تميز الصهاينة المتدينون عن الحريديم في الآونة الأخيرة بسعيهم الدؤوب لاحتلال مواقع القيادة ليس فقط في أحزاب اليمين وإنما في الحكم الإسرائيلي. وأسهم في ذلك واقع أن الصهاينة المتدينين باتوا على رأس الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية ويعتبرون أنفسهم رأس حربة وطليعة اليمين القومي في إسرائيل.

وقد تبين هذا من خلال غزو الصهيونية الدينية أولا لقيادة الليكود وبعد ذلك محاولتهم احتلال قلوب الجمهور اليميني عموما. وربما لهذا السبب انخرط الكثير من قادة الصهيونية الدينية في حركة الاحتجاج الاجتماعي أو تعاطفوا معها. وبأشكال مختلفة شكل الانخراط في قضايا الناس والرغبة في قيادتهم بداية التوتر في العلاقة بين قيادة «البيت اليهودي» والحزبين الحريديين، شاس ويهدوت هتوراه. وهذا ما تجسد في خطاب نفتالي بينت البكر أمام الكنيست حين حمل على تهرب الحريديم من الخدمة العسكرية وطالب بفرض التجنيد الإلزامي عليهم كغيرهم من الإسرائيليين. وهذا تقريبا بين ما قرب جدا وخلق تحالفا بين «البيت اليهودي» و«هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد.

وبديهي أن ليس في ما سبق، بحد ذاته، ما يخلق مشكلة لنتنياهو في تشكيل الحكومة إلا بقدر ما يتعلق الأمر بشركائه. والواقع أن مشكلة نتنياهو الأساسية تتمثل في كون قائمة «الليكود بيتنا» لم تنل سوى 31 مقعدا وعمليا خسرت أكثر من ثلث القوة التي كانت لها في الكنيست السابق. وهذا يجعل من نتنياهو وقائمته ضعفاء أمام الشركاء الآخرين. وبديهي أن الخلاف بين «البيت اليهودي» والحريديم فاقم المشكلة عند نتنياهو. وصارت المشكلة الأكبر عندما تحالف «البيت اليهودي» و«هناك مستقبل» واتفقا على دخول الحكومة معا أو البقاء خارجها معا.

وعجز نتنياهو عن تأليب حاخامات الصهيونية الدينية ضد زعيم البيت اليهودي مثلما عجز حتى الآن عن فك التحالف بين بينت ولبيد. وفي الوقت نفسه عجز نتنياهو عن إقناع أي من لبيد وبينت بالقبول بإغراءات وزارية تحل المشكلة. وبحسب ما يتبدى حتى الآن يقف نتنياهو أمام خيارين: حكومة مع الحريديم تعني بقاء البيت اليهودي وهناك مستقبل خارجها. وهذا يضطره للعمل على جلب حركة تسيبي ليفني وكديما موفاز وحزب العمل بقيادة شيلي يحيموفيتش أو على الأقل شق الحزب الأخير وكسب ثلث أعضائه.

والخيار الآخر هو التخلي عن التحالف مع الحريديم وقبول الائتلاف مع لبيد وبينت. وهناك من يؤمن بأنه في ظل الشكوك القائمة لدى نتنياهو من نيات كل من بينت ولبيد بات من المستبعد اللجوء إلى هذا الخيار. فنتنياهو يعتقد بأن لبيد وبينت يتآمران من أجل إسقاطه لاحقا بعد تجريده من حلفائه الطبيعيين في الحزبين الحريديين.

غير أن المشكلة الأكبر في الواقع الإسرائيلي الراهن تتمثل في حقيقة أنه إذا لم يفلح نتنياهو في تأليف الحكومة فإنه ليس في إسرائيل سواه من سيفلح في ذلك. وحينها لن يكون هناك خيار أمام الرئيس الإسرائيلي سوى الدعوة لانتخابات جديدة على أمل أن يحل الجمهور المعضلة التي خلقها. لكن يصعب تخيل أحد يريد انتخابات جديدة خاصة في الليكود بيتنا والبيت اليهودي وهناك مستقبل. وربما أن الجميع أيضا يخشى الانتخابات المعادة خشية أن يعاقب الجمهور الإسرائيلي الطبقة السياسية بأسرها.

وعلى الأغلب هذا ما يريح نتنياهو ويدفعه للمراهنة على جنرال الوقت. فهو يستطيع تأجيل حسم الموقف حتى آخر لحظة خصوصا أن القانون يمنحه مهلة ثانية بعد الأسابيع الأربعة الأولى. وحينها قد يتخيل أن ما لم يمنحه إياه الجمهور من قوة في الانتخابات يمكن أن يناله عبر التناقضات داخل المعسكرات السياسية. وهذا يقود إلى الاقتناع بأنه رغم المصاعب البادية فإنه لا بديل عن تأليف حكومة ولا بديل عن نتنياهو رئيسا لها. وكثيرون يعتقدون أن نتنياهو لا يزال يفاوض نفسه وهو لم يحدد بعد الوجهة التي يريد الانطلاق فيها: داخلية أم خارجية. وكل من يعرفون نتنياهو يشددون على أنه ملك السعي وراء الإبقاء على الوضع القائم.

السفير، بيروت، 18/2/2013

مقالات ذات صلة