المقالات

اقتصاديات السلام

بقلم: الدكتور نزار محمود

لو كنا نحن المتنازعين ندرك قيمة السلام “لتحاربنا” من أجله!!

إنه تاريخ البشر منذ أن عرفناه، وحسب الرواية الدينية، والتي تؤيدها الكتابات والرسومات السومرية والبابلية القديمة، فقد قتل قابيل ابن آدم عليه السلام أخاه هابيل لهوى في نفسه (مع اختلاف طرح الرواية).

وإذا حاولنا أن نحدد الأسباب الرئيسية لتلك النزاعات فإنها تقع في العقول والنفوس، بغض النظر عن تصنيفاتها السياسية والاقتصادية والتاريخية والثقافية وغيرها.

في العقول، في عدم إدراك أسبابها وحيثياتها وطرق وأساليب حلها أو التوفيق بين أطرافها أو تقدير تكاليف تبعاتها.

وفي النفوس، وما أدراك ما بها وبأمزجتها وأهوائها وعقدها. فكم من صراع قام وحرب نشبت ليس إلا لأسباب ونوازع شخصية ونفسية لقادة أو شيوخ أو ملوك أو حكام.

أعود للتركيز على عنوان مقالي: اقتصاديات السلام. فمن المعروف أنه لا تقوم تنمية ويهنأ الناس بثمارها إلا عندما يسود أمن وأمان واستقرار، وهو ما لا يتحقق دون سلام.

وبعكسه فإنه سيساق الآلاف إلى سوح القتال وسيموت الكثيرون ويتيتم أطفال وتدمر أموال وممتلكات ويتوقف تعليم وإنتاج.

أعجبتني قصيدة بعنوان “الحرب” لإبني “مهند” ذي الأربع عشر عاماً، حيث تقول:

يوم بعد يوم، والحرب تحصد أرواح آلاف الجنود، كما يحلو لقيصر…

اخوة يرشقون بعضهم بالنار، الديدان والفئران تتكاثر وتمسخ ما تبقى من حياة الشباب،

شباب يعاني ويموت، أحلامهم تموت، شجاعتهم تذهب سدى مع قلوبٍ حانقة من شدة الغضب…

رجال، نساء، أطفال وحيوانات يُحشرون، عالم يحتضر.

وقبل ان تسقط القنبلة التي مزقت جسده الى أشلاء، صاح ذاك الجنرال: هيا، الى أمام…

الاسلاك الشائكة قرب تلال الأموات، وذاك الغريب وزوجه وطفله: كالحلم، كالريح، يختفون في غيابت الجب…

كالطائر، يتخطون الاسلاك، والموت والدمار على قدم وساق…

اتوسل اليكم: لا للحرب! آلآف الجثث: لا نريد منها المزيد، فقد بلغ السيل الزبى،

لا نريد تجاوز حد الاسلاك الى مسار الدمار، حيث لا نظفر هناك سوى بتلك الجرذان…

“انتهت القصيدة”

لو أخذنا ورقة وقلماً واستعنا بحاسبة صغيرة وجلسنا نجمع ونجمع ما ألحقته الحروب من خسائر ببني الإنسان، وتخيلنا ماذا كان يمكن أن تعمر وزهت به الأرض والحياة مما لم يكن قد كنسته الحروب من أرواح وأجساد وثروات.

هل نسمح لأنفسنا أن نؤمن بأنها الأقدار وما من سبيل عنها غير الرضوخ لمشيئات الأرض وبني الإنسان؟! هل علينا أن نصدق أن الحروب ضرورة في كبح جماح تزايد ذلك الإنسان والطغيان؟! وهل لتنظيم النسل وحبوب منع الحمل ما يمنع الحروب ويحقق السلام؟!

حمامات السلام التي رفرفرت في أعلام دول وحملها الآلاف من بني البشر ما كان لها أن تطير بحرية إلا فوق دبابات وتحفها بنادق “الكلاشينكوف”!

وهكذا هو ذلك الإنسان وتلك هي الحياة ولا ينبغي لنا أن نسبح في خيال أو نعيش أوهام، هكذا كانت، وهكذا لا زالت، وسنحلم أنها لن تكون كذلك في يوم من الأيام.

ولم تكن “سويسرا”، عديمة الجيش، إلا جزيرة مصطنعة لا يقاس عليها في حياة البشر من حال!

برلين، ٢٩/٣/٢٠٢٠

مقالات ذات صلة