المقالات

هل سيُعاد تشكيل النظام العالمي بعد كورونا ؟؟؟

بقلم : عماد خالد رحمة

من الطبيعي أن يكزن لوباء فايروس كورونا وانتشاره المتصاعد ارتدادات وتداعيات سلبية كبيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والصحي على دول العالم . بخاصة الدول الأوروبية التي عانت من جمود الانتاج الاقتصادي نتيجة الحجر الصحي المنزلي على نطاق واسع .حيث وصلت المعاناة ‘لى أكثر من مليون إنسان أصيبوا بهذا الفايروس الفتَّاك ، وينتظرون كل مخابر العالم أن تحصل على اللقاح الناجع الذي يقضي عليه ويتخلص من أخطاره المميتة .

المشهد السياسي الدولي يشهد الكثير من التحليلات التي ذهبت توقعاتها إلى تبدلات واضحة في العلاقات الدولية ، وحتمية تشكيل نظام دولي جديد ، يقوم على أسس جديدة غير النظام الذي نعيشه ، والمتوقع أن تحدث فيه تغييرات كبيرة في العلاقات الدولية التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية لعشرات السنين . غير أنَّ اللافت في تلك التحليلات وتلك الرؤى التي تناولت على وجه الخصوص مستقبل الاتحاد الأوروبي أنه سيواجه تفكيك عراه وأوصاله بعد إعصار فايروس كورونا كوفيد 19 . وذلك على ضوء كيفية تعامل دول الاتحاد في مواجهة الوباء الذي اجتاحه ، بخاصة الموقف السلبي العلني تجاه ايطاليا التي تعرَّضت لأضرار بالغة ، فقد لحقت بها 14 ألف إصابة ، تلتها اسبانيا التي لحقت بها 12 ألف إصابة أيضاً ، دون أن يُقَدِم لها دول الاتحاد الأوروبي الأخرى الأقل تضرراً أي مساعدة تُذكر، في حين كانتا تواجهان عقبات وصعوبات حقيقية في القدرة على استيعاب هجمة الوباء الأولى ومحاصرتها ، بخاصة انَّ الوباء انتشر بسرعة وبمدة زمنية قصيرة نسبياً ، ولم تجدا من يقدِّم لهما الدعم والمساندة في هذه الأوقات الصعبة سوى الصين وروسيا والتي تفصيلانهما آلاف الكيلومترات ، هذا التقاعس الأوروبي عن مساندة دولتين عضوين أساسيين في الاتحاد الأوروبي وعدم مد العون لهما في محنتهما العصيبة ، ترك ردود فعلٍ سلبية داخل البلدين اللذين شعرا بأنهما تُركا لوحدهما يواجهان مصيرهما القاسي ، وارتفعت داخلهما أصوات يمينية هي في الأساس ضد الاتحاد الأوروبي وتركيبته السياسية والاقتصادية والاجتماعية . داعية تلك الأصوات إلى الاقتداء بـ ( البريكيست ) البريطاني ، لأنَّ دول الاتحداد الأوروبي أدار ظهره لهما في وقت المحن والشدائد .

صحيح أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي تقاعست عن انقاذ البلدين ونجدتهما ، وصحيح أيضاً أنَّ السيدة أورسولا فانير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية ، اعتذرت لإيطاليا حكومة وشعباً عن عدم تضامن الاتحاد الأوروبي معها في مواجهة فايروس كورونا ( كوفيد 19 )، إلا أنَّ الصحيح أيضاً هو أنَّ الدول الأوروبية الأخرى تعاني أيضاً من انتشار فايروس كورونا وليست أحسن حالاً من اسبانيا وإيطاليا، فقد كانت هي أيضاً تحتاج إلى المساعدة . فأوروبا بمجملها تعاني من انتشار الوباء . إنَّ تداعيات انتشار الوباء على الاتحاد الأوروبي قد ساهم في تعليق نظام ( شنجن ) للتنقل الحر بين جميع دول الاتحاد في إطار مواجهة الوباء ومحاصرته . فإن التداعيات المتتالية لن تكون على الأرجح سلبية جداً، بمعنى آخر أن انفراط عقد الاتحاد الأوروبي، والعودة إلى حال التقوقع على الذات، ذلك أنَّ الاتحاد بات ضرورةً لكلِّ دولهِ بنسبٍ مختلفة، فحتى الدول التي لها موقف وتحفظات على دور الاتحاد الأوروبي وسياساته لا تدعو إلى التخلي عنه، وإنما تدعوا إلى إصلاحات بنيوية سياسية واقتصادية وتعقيدات اجتماعية ، وهذا بالتأكيد ما ستكون عليه حال الاتحاد الأوروبي بعد انتشار فايروس كورونا( كوفيد 19) .

الواضح تماماً أنه مازال أمام الاتحاد الأوروبي تجاوز الأزمات كي يؤكد أنه يملك القدرة الكافية على مواجهة أخطر أزمة يواجهها منذ وجوده، وأنه يستطيع التكيف مع المستجدات التي فرضها هذا الوباء الذي يمكن أن يتحوَّل إلى جائحة .

مقالات ذات صلة