المقالات

مثلث خطير

مثلث خطير

غاي بخور

ان أسعار القمح في العالم أعلى مما كانت دائما. ومصر هي مستهلكة القمح الكبرى في العالم وهي تستورد أكثره والنتيجة ان ملايين المصريين جياع. لا الدستور ولا مسائل الديمقراطية ولا المظاهرات، بل الجوع ببساطة. وقد هرب السياح من الدولة التي كانت الى وقت قريب تعتاش على السياحة وأصبح عدد يزداد من المصريين يسألون: ما الذي جاء من الوعود الكبيرة للاسلام السياسي الذي زعم ان الشريعة الاسلامية ‘هي الحل’؟ ان مقدار خيبة الأمل كمقدار التوقعات قبل سنة. الى أين ستتجه الجموع. والحديث عن دولة فيها نحو من 88 مليون من السكان الخائبي الآمال الذين أصبحت ‘ثورتهم’ كابوسا.

دُفعت مصر الى مثلث قاتل يبدو ألا مخرج منه الآن. يوجد في أحد رؤوسه الاسلام السياسي المنقسم على نفسه، فالاخوان المسلمون بازاء السلفيين الذين هم أكثر تطرفا. ويوجد في الرأس الثاني التيارات القومية التي لا يوجد حب كبير بينها بعضها لبعض ايضا. ويقوم الجيش في الرأس الثالث وما تزال قوته فيه.

وهكذا نشأت أعراض تسبب الشلل، فكل رأس يتجرأ على التقدم وتقوية نفسه يضعف على نحو آلي لأن الرأسين الآخرين يتوحدان عليه. فقبل سنة تجرأ الجيش على ان يخطو الى الأمام ويقوي نفسه فضعف فورا لأن الاسلاميين والقوميين اتحدا عليه لسبب خاص. وقبل ‘الثورة’ الأخيرة خطا القوميون الى الأمام مع مبارك وقووا أنفسهم وحينها ضعفوا على نحو آلي لاتحاد الجيش مع الاسلاميين. والاسلاميون يخطون الى الأمام اليوم ويقوون أنفسهم لكنهم سيضطرون الى التراجع أمام القوميين والجيش.

كانت احدى المفاجآت في السنة الأخيرة الشراكة التي تمت بين رأسين الجيش والاخوان المسلمين حينما وعد الرئيس مرسي الجيش بعدم المس بامتيازاته الاقتصادية. لكن اذا جُرت مصر الى اتجاه الاسلام الراديكالي فلن يستطيع الجيش الاستمرار في تأييد ذلك وقد يحدث تعاون مع الرأس الآخر.

كانت مصر دائما دولة متوازنة و ‘دولة المؤسسات’، كان تعاضد القوة فيها بمنزلة ظاهرة مباركة. بيد انه الآن بعد انهيار السنتين الاخيرتين ومع كل الكراهية والخوف، لن يحظى أي رأس بشرعية الرأسين الآخرين لاقرار اوضاع الدولة.

ولد من هذا المثلث غير المقدس شلل وطني يُخرب الدولة. ولا يوجد في مصر أدنى قدر من القاسم المشترك المطلوب لانشاء ائتلاف مستقر واحد. فالعداوة الوجودية بين التيارات القومية والاسلاميين لا تُمكّن من الاتصال كما لا تستطيع فتح الفلسطينية الاتصال بحماس أو بالجهاد الاسلامي. وهذه لعبة حاصلها صفر فكل واحد على يقين من ان الآخر معني بالقضاء عليه وقد يكون هذا صحيحا.

سيُعلن في الاسبوع القادم الدستور الجديد في مصر. ويبدو ان الدستور الاسلامي لمرسي سيجتاز بأكثرية غير كبيرة وهو ما يعِد باستمرار الاحتجاجات والمظاهرات وسفك الدماء. فالتحدي بين الأطراف يزداد شدة فقط والردود تزداد سخونة. وكل رأس يتحدى الرأسين الآخرين وهو على يقين من عدالته المطلقة.

نحن في اسرائيل ننظر في استشراف الى عمق الكراهية بين الأطراف في مصر كما هي في العالم العربي كله ايضا. وان الصراع معنا يبدو هامشيا وغير تأسيسي اذا قيس بهذه العداوة العميقة. ليس لاسرائيل اهتمام بالتدخل في مصر أو في سوريا بل بالحفاظ على استقرار الحدود والاتفاقات التي تم التوقيع عليها. ومن السخرية ان اتفاق السلام المصري مع اسرائيل خاصة والحفاظ الأساسي عليه من القواسم المشتركة الوحيدة بين رؤوس المثلث المتنازع الثلاثة بل انه قاعدة ما للتفاهم المصري الداخلي.

يديعوت 20/12/2012

القدس العربي، لندن، 21/12/2012

مقالات ذات صلة