المقالات

أزمة إسرائيل في انتخابات الكنيست

2013-01-30

خلقت انتخابات الكنيست الإسرائيلي التاسع عشر التي جرت قبل أيام أزمة جديدة داخل إسرائيل ،فقد خلطت الأوراق بين الأحزاب الإسرائيلية، وأدت إلى هزيمة كبيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيا والتكتل اليميني الذي يتزعمه. علما أنه عندما دعا إلى تلك الانتخابات، فقد اعتقد أن تعيده وكتلته إلى السلطة بشكل أقوى مما كان عليه في السنوات الثلاث الأخيرة. إلا أن تلك الانتخابات أفقدته عشرة مقاعد في الكنيست الجديد، وأدت إلى صعود أحزاب جديدة لم تكن تشكل أي خطر على حكومته قبل الانتخابات لأنها لم تكن موجودة من قبل.

فقد توزعت مقاعد الكنيست الإسرائيلي الجديد ما بين معسكر اليمين والمتدينين الذي يضم تحالف الليكود – بيتنا برئاسة نتنياهو الذي نال 31 مقعدا، وحزب المستوطنين الجديد بقيادة نفتالي بينيت 12 مقعدا الذي حصل على أصوات المستوطنين بمن فيهم الذين كانوا يؤيدون الليكود من قبل. وحزب اليهود الشرقيين المتدينين (شاس) بقيادة إيلي يشاي 11 مقعدا، وحزب اليهود الغربيين المتدينين (يهدوت هتوراه) 7 مقاعد.

د.أحمد سعيد نوفل
د.أحمد سعيد نوفل

وبين معسكر الوسط واليسار والفلسطينيين العرب، فقد نال حزب (يش عتيد هناك مستقبل) الجديد برئاسة يائير لبيد 19 مقعدا، وحزب العمل برئاسة شيلي يحيموفتش 15 مقعدا، وحزب هتنوعاه برئاسة رئيسة الوزراء الإسرائيلي السابقة تسيبي ليفني 6 مقاعد، وميرتس اليساري برئاسة زهافا غلأون 6 مقاعد، وحزب كديما برئاسة شاؤول موفاز مقعدين.

أما الفلسطينيون، فقد أبقت النتائج على قوتهم البرلمانية ب 11 مقعدا، موزعة على ‘القائمة الموحدة- العربية للتغيير’ بقيادة الشيخ إبراهيم صرصور، وتشمل ‘الحركة الإسلامية الجنوبية’ و’العربية للتغيير’ و ‘الحزب العربي الديموقراطي’.

وتضم إضافة إلى الشيخ صرصور، كل من الدكتور أحمد طيبي ومسعود غنايم وطلب أبو عرار (نائب جديد) وطلب الصانع. و’الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة’، وهي حزب عربي يهودي برئاسة النائب محمد بركة، ونالت أربعة مقاعد بركة، والدكتور حنا سويد واليهودي الشيوعي دوف حنين، والدكتور عفو أغبارية. وحزب ‘التجمع الوطني الديمقراطي’ برئاسة النائب جمال زحالقة وله ثلاثة مقاعد زحالقة وحنين زعبي والنائب الجديد باسل غطاس.

ومن خلال تركيبة الكنيست الجديد، فقد لوحظ أن 47 نائبا، يدخلون الكنيست لأول مرة وهي أعلى نسبة في تاريخ الكنيست الإسرائيلي منذ قيام إسرائيل. كما أن 52 عضوا لم يكونوا أعضاء في المجلس الأخير. كما أن اليهود المتدينين باتوا يشكلون ثلث أعضاء الكنيست (38 من مجموع 120 نائبا)، منهم 19 عضوا من اليهود الحريديم، علما بأن عددهم كان 28 في الكنيست الأخير. ولأول مرة يرتفع عدد المرأة في الكنيست إلى 26 نائبة منهن 8 نائبات عن حزب بيليد لوحده، بينما كان عددهن 22 في الكنيست المنحل. وانخفض عدد الجنرالات إلى أربعة فقط أبرزهم رئيس الأركان السابق موشي يعالون.

وواجه نتنياهو نكسة حقيقية بتراجع تمثيل تحالف الليكود بيتنا اليميني في الكنيست الإسرائيلي من 42 عضوا إلى 31. ولم يعد حزب الليكود الذي يتزعمه ممثل في الكنيست إلا ب 20 مقعدا، على أساس أن بقية الفائزين هم من حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي افيغدور ليبرمان. وستكون هذه أول مرة في تاريخ إسرائيل يترأس فيها رئيس الحكومة حزبا لا يمثل في الكنيست سوى ب20 مقعدا من أصل 120. علما أنه من المعروف عن نتنياهو أنه لم يفز بأغلبية كبيرة عندما شكل حكومتيه السابقتين. ففي المرة الأولى التي ترأس بها الحكومة عام 1996 فقد فاز على زعيم حزب العمل في ذلك الوقت شمعون بيريز بأغلبية لا تتجاوز النصف بالمائة. وفي المرة الأخيرة عام 2009، ترأس الحكومة، بينما لم يفز حزبه سوى على 27 مقعدا، مقابل حزب كاديما الذي كانت تتزعمه تسيبي ليفني والذي حصل على 28 مقعدا. ولكن نتنياهو استطاع أن يجمع تكتلا من أحزاب اليمين والمتدينين أهلته لترؤس الحكومة، وفي هذه المرة سوف يحبر على الدخول في ائتلاف حزبي مع أحزاب الوسط كحزب لبيد الجديد.

وتعود أسباب خسارة تحالف الليكود بيتنا إلى فقدان الليكود لقيادات مهمة كبيغين الابن ودان ميريدور، والوضع الاقتصادي لإسرائيل وزيادة الاحتجاجات على سياسات نتنياهو الاقتصادية خاصة التي حدثت في صيف 2011، والعجز في الميزانية الذي بلغ 40 مليار شيكل (حوالي 10 مليارات دولار أمريكي). إلى جانب التوتر في علاقاته مع الولايات المتحدة، والانتقادات التي وجهها قبل الانتخابات بفترة قصيرة الرئيس الأمريكي أوباما لنتنياهو والتي اتهمه فيها بالجبن السياسي وبأنه ‘يعمل ضد مصلحة إسرائيل ومستقبلها’، وزيادة عزلة إسرائيل على الصعيد الدولي. وفشل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووصول صواريخ المقاومة إلى القدس وتل أبيب. وحتى على الصعيد الداخلي في علاقات نتنياهو المتوترة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي لم يوافق على ما قاله الأول بخصوص الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه ليس شريكا في المفاوضات، مما زاد في أزمة الثقة بين الرئيس الإسرائيلي ورئيس حكومته.

ولهذا فإن انعكاس انتخابات الكنيست الجديدة، لن تكون سهلة على نتنياهو كما كانت في الحالتين السابقتين من حيث تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. لأنه بات مجبرا على التعامل مع قوى سياسية جديدة فرضت نفسها في الانتخابات لم يكن يتوقعها من خارج أحزاب اليمين المتطرف الذي كانت تسانده في الماضي واعتاد التعامل معها، كأحزاب إسرائيل بيتنا والمفدال وشاس ويهودات هاعفوده.لأن الأحزاب الجديدة هي أقرب لأحزاب الوسط منها لأحزاب اليمين المتدين المتطرف، وأعني بذلك حزب ‘يش عتيد’ الذي يتزعمه الصحافي الإسرائيلي يائير لبيد، والذي كان المفاجأة الكبيرة في هذه الانتخابات. فقد نال حزبه الذي يشارك لأول مرة في الانتخابات على 19 مقعدا، بمعنى أنه بات الحزب الثاني مباشرة بعد حزب الليكود العريق في الحياة السياسية الإسرائيلية. ولبيد هو نجل وزير العدل السابق، يوسف ‘تومي’ لبيد الذي ترأس حزباً علمانياً مناهضاً بشدة لليهود المتطرفين ‘شينوي’. والذي حقق تقدماً عام 2003 عبر حصوله على 15 مقعداً قبل ان يتراجع وينتهي لاحقاً. ويضم حزب ‘يش عتيد’ أحد المتطرفين، ونائبين من اصول اثيوبية، ودرزياً، ومنشقة عن حزب ‘ميريتس’ اليساري، ومسؤولاً سابقاً في ‘شين بيت’. وهناك اختلافات كثيرة في المواقف السياسية والاقتصدية والاجتماعية بين هذا الحزب، ومواقف نتنياهو وأحزاب اليمين الديني المتطرف. لأن البرنامج السياسي لحزب ‘يش عتيد’ يطالب بالامتناع عن إلحاق الضرر للطبقات الفقيرة والوسطى في إسرائيل، ووضع قانون يلزم المتدينين والعلمانيين، بالخدمة في الجيش، والاتفاق على تخفيض حقيقي وكبير في أسعار السكن. واستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. ويلخص بيليد موقف حزبه بالقول ‘نحن نريد لإسرائيل أن تكون دولة طبيعية، بعيدة عن التطرف اليميني وعن التطرف اليساري’. بل أن أحد قادة الحزب مئير كوهين قد اشترط مشاركة حزبه في أي حكومة بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، وعدم إقامة مستوطنات جديدة.

ونجاح لبيد قد يمكنه في حال حدوث خلاف مع حكومة ائتلاف برئاسة نتنياهو، أن يشكل الحكومة الإسرائيلية في المستقبل، أو يتناوب مع نتنياهو على رئاستها. على الرغم من أنه يفتقد إلى التجربة القيادية التي يتمتع بها نتنياهو. ولكنه يستطيع أن يفرض على نتنياهو تسوية يستمر في اطارها رئيسا للحكومة بالتناوب مع نتنياهو، بدلا من أن يوافق على أن يصبح وزيرا في الحكومة الإسرائيلية القادمة.

ولهذا فقد اعترف رئيس الكنيست، وأحد قيادات الليكود، رؤوفين رفلين بان التركيبة المتوقعة من الحكومة المقبلة قد تكون عاجزة عن ايجاد حلول في قضايا رئيسية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي كانت مدار خلاف في الكنيست السابقة، وهذا سيؤدي إلى حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة، يدخل إسرائيل في أزمة من جديد .

وكان من الطبيعي أن يكون حزب الوسط ‘يش عتيد ‘، أول الأحزاب الإسرائيلية التي اتصل بها نتنياهو بعد الانتخابات لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسته وعارضا على لبيد أهم احدى ثلاث حقائب في الحكومة، وهي الخارجية أو المالية أو الدفاع. والهدف من ذلك منع الحزب من التحالف مع أحزاب الوسط واليسار وتكون الحكومة برئاسته. واتصلت زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفتش، فعلا بلبيد وعرضت عليه ذلك قائلة ‘أنت حققت انتصارا كبيرا يعبر عن رغبة جامحة في الجمهور بأن يحصل تغيير، فلا تعطي نتنياهو فرصة تشكيل حكومة. بإمكاننا أن نشكل حكومة برئاستك وبشراكتنا معا’.

إلا أن لبيد رفض حتى هذه اللحظة العرض. وأكد أنه يفضل التحالف مع نتنياهو بشرط أن يغير الأخير تغييرا جوهريا في عدد من القضايا الجوهرية، وأهمها تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفقراء والطبقة الوسطى وإدخالهم بالضمان الصحي وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء، وتحقيق المساواة في تحمل الأعباء في الدولة، ويقصد بذلك تجنيد اليهود المتدينين بالجيش أو الخدمة المدنية الإلزامية (وهو الأمر الذي ترفضه الأحزاب الدينية)، وتحريك عملية السلام.

ويبدو أن نتنياهو سوف يخضع في النهاية للشروط التي وضعها لبيد، من أجل كسب 19 عضوا من حزبه إلى جانب الحكومة التي سوف يشكلها، ليحصل على ثقة أكثر من نصف أعضاء الكنيست. كما أن دخول حزب الوسط إلى الحكومة الإسرائيلية سوف يساعد نتنياهو في تغيير صورة إسرائيل الدولية، بعد السياسة الخارجية المتطرفة التي قادها مع حليفة ليبرمان في الأعوام الثلاثة الماضية، ويساعد في تحسين علاقات إسرائيل مع الرئيس الأمريكي أوباما. بل أن ذلك بمثابة المخرج الوحيد للأزمة التي وجد نتنياهو وتكتله اليميني فيها بعد الانتخابات الأخيرة. والمهم بالنسبة لنتنياهو، أن يبقى رئيسا للحكومة الإسرائيلية أطول فترة ممكنة، ولو أدى ذلك إلى التراجع عن قناعاته الخاصة في القضايا الخلافية العديدة مع الأحزاب الإسرائيلية الأخرى.

القدس العربي، لندن، 30/1/2013

د.أحمد سعيد نوفل

مقالات ذات صلة