المقالات

حماس وقيادة الشعب الفلسطيني

حماس وقيادة الشعب الفلسطيني

نهاد الشيخ خليل

يمكن القول إن مجمل الظروف الراهنة على الصعيد الوطني، وإضافة إلى إدارة الحياة اليومية، وكذلك على مستوى البيئة السياسية الجديدة التي تتشكل في الإقليم وفي العالم، كل ذلك يشير بوضوح إلى وجود حالة فراغ قيادي ورؤيوي في الساحة الفلسطينية، وفيما يلي المحاور الرئيسة التي تدلل على الفراغ القيادي والرؤيوي:

أولاً: غادرت حركة فتح موقع قيادة الشعب الفلسطيني، بالطبع فتح لا تزال موجودة، وقادرة على المنافسة، لكنها لم تعد قادرة أو مؤهلة للقيادة.

ثانياً: حركة حماس لم تستطع حتى اللحظة تسلم القيادة، ويقوم فريق التسوية بإطلاق النار لإرهاب حماس، ومنعها من التقدم نحو القيادة، والحيلولة دون التفاف الناس حولها كقائد للشعب الفلسطيني. ثالثاً: يعمل فريق التسوية على تشويش فهم الناس للمسألة الوطنية، ويبذل جهداً كبيراً لتذويب الفوارق بين برنامج التسوية وبرنامج المقاومة، حتى يفقد الرأي العام البوصلة، ولا يتمكن من رؤية الصواب والخطأ في الموضوع الوطني.

رابعاً: تعاني الإدارات الحكومية المختلفة من ضعف في الأداء، وعدم قدرة على تلبية احتياجات الناس، وهذا يرجع إلى نقص في الخبرات والكفاءات وعجز كبير في الموارد والإمكانيات، وينتج عن هذا حالة من عدم الرضا لدى شرائح ليست قليلة من أبناء المجتمع الفلسطيني.

خامساً: مشروع التسوية السياسية فشل، لكن أصحابه لا يعترفون بالفشل، ولا يبدون أي استعداد للمراجعة، ومشروع المقاومة لفت أنظار الشعب الفلسطيني، وأثار إعجابه في بعض المواطن مثل: حرب الفرقان وحرب السجيل، لكن تيار المقاومة لم يستطع أن يطرح الرؤية الجامعة التي توحد الشعب الفلسطيني بمختلف تياراته وشرائحه وأماكن تواجده خلف تيار المقاومة.

بناء على ما تقدم، يظهر بوضوح وجود فراغ قيادي، وفراغ رؤيوي، إضافة إلى ضعف في النموذج الإداري، وإذا استمرت هذه الحالة فإن المجتمع الفلسطيني سيدخل حالة من الإحباط قد تطول وتمتد عبر الزمن الذي يتواصل فيه هذا الفراغ.

ويمكن القول إن الجهة الوحيدة المؤهلة لملء هذا الفراغ في هذه المرحلة هي حركة حماس، لكن حتى تتمكن حركة حماس من القيام بالمهمة فإن عليها أن تنتبه إلى النقاط التالية:

أولاً: إدراك أن المسألة بحاجة إلى وقت، وأن الأمر لن يحدث بسرعة، بل يحتاج إلى مرحلة انتقالية يجب على حماس أن تثبت خلالها جدارتها أمام الشعب الفلسطيني، وأن تعمل بدرجة كبيرة من الحكمة، وفي نفس الوقت الجسارة والمثابرة.

ثانياً: يجب على حركة حماس خلال المرحلة الانتقالية أن تفتح نقاشاً واسعاً وعاماً على المستوى الوطني لبحث العناوين التالية:

– مراجعة تجربة حركة التحرر وتحديد الصواب والخطأ فيما مضى.

– رؤى وبرامج ومواقف وأفكار وخطط حركة حماس في مختلف مجالات الحياة، وتطوير هذه الرؤى حتى تصبح خططاً وبرامج لعموم الشعب الفلسطيني.

– تحديد المرجعيات التي يجب أن تحكم وتدير العمل الوطني في مختلف جوانبه. ويشترط أن يتم هذا النقاش بشكل علني وجماعي في إدارته ومخرجاته.

ثالثاً: في مرحلة النقاش العام يجب استكشاف القوى الجديدة الداعمة لمشروع التحرر والتشبيك معها، واحترام التنوع داخل المجتمع الفلسطيني، وبناء العلاقة مع مختلف الأطراف على أساس الشراكة الكاملة.

رابعاً: يجب أن تحرص حركة حماس على التجانس في سلوكها في مختلف المجالات، وهنا يجب التأكيد على أنه لا يصح استمرار تمركز حركة حماس حول الحزبية، والفهم الخاص للإسلام وتطبيقاته في الحياة، ومحاولة فرض هذا الفهم على الناس. كما لا ينفع الحديث عن الشراكة، وفي نفس الوقت التفرد في إدارة الحياة اليومية للناس.

خامساً: بخصوص إدارة الحياة اليومية لم تستطع الإدارات الحكومية تقديم نموذج مقنع وملهم، ولا يتوقع أن تتمكن الإدارات من تقديم النموذج المبتغى لأسباب عديدة، منها: ضعف الكادر، وضعف الإمكانيات، وفقدان الحكومة للحد الأدنى من الإمكانيات التي تحتاجها الحكومات لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.

وبناء عليه يجب على حركة حماس العمل من خلال المجتمع للمساعدة في بناء النموذج المقنع والملهم، إضافة إلى جهود السلطة والحكومة.

سادساً: العمل من خلال المجتمع يعني إطلاق الطاقات الاجتماعية التطوعية للعمل في مجالات متخصصة يهدف إلى تعويض النقص والعجز في الأداء الحكومي، بحيث يكون هذا العمل التطوعي منتظماً ومنهجياً ومستمراً.

وهنا يمكن تشكيل لجان شعبية تعمل على مؤازرة القطاعات الخدماتية والإنتاجية المختلفة، مثل: التعليم والصحة والنظافة والشوارع والزراعة.. إلخ.

هذه اللجان المهنية المتخصصة يجب أن تتشكل في كل المدن وتهتم بالقضايا المحلية، بحيث تتكون من كوادر وكفاءات لها احترامها، تشمل أبناء حركة حماس وشخصيات مستقلة، وكوادر فصائلية مختلفة تقبل العمل لخدمة المدن والأحياء.

إن العمل على هذا الصعيد من شأنه أن يحقق فوائد عديدة منها:

1- قيام حماس بدور المدافع عن حقوق الناس، وسعيها لتقديم وتطوير الخدمات المقدمة للجمهور، بدلاً من أن يكون الحمساوي هو الشرطي الذي يكتب المخالفة، وموظف الضريبة الذي يلاحق المتهربين، والموظف الذي يعجز عن تقديم الخدمات للناس.

2- تحسين الخدمات المقدمة للناس وبالتالي استعادة الثقة بين حماس وبين بعض شرائح المجتمع. 3- تنفيذ بروفة للشراكة بين مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني من خلال العمل على المستوى المحلي، ربما تتطور وترتقي لكي تصل إلى المستوى السياسي.

إذا تبنت حركة حماس هذه النصائح، فبالإمكان أن تساهم في تحريك المياه الراكدة، ودفع الأمور باتجاه حل مشكلة الفراغ القيادي والرؤيوي!

فلسطين أون لاين، 11/5/2013

مقالات ذات صلة