المقالات

الضفة الغربية تتحول إلى “مواقع رماية” ضد المستوطنين

الضفة الغربية تتحول إلى “مواقع رماية” ضد المستوطنين

عدنان أبو عامر

جاء مفاجئاً نبأ الخلافات الحادة بين وزارتي الدفاع والمالية في إسرائيل حول كلفة تحصين سيارات المستوطنين في الضفة الغربية، خشية من العمليات المسلحة التي ينفذها الفلسطينيون ضدهم، إذ اتهمت الأولى الثانية بعدم تحويل 5 ملايين شيقل مخصصة لهذا الغرض، علماً بأن الحكومة تحصن سيارات المستوطنين على حساب ميزانية الجيش، لكن بسبب الهدوء النسبي الذي شهدته الأعوام الأخيرة، تراجع طلبهم على تحصين سياراتهم، رغم تنامي الظاهرة في مناطق مختلفة من الضفة.

ولعل ما فاقم من القلق الإسرائيلي من استهداف المستوطنين في الضفة، الإحصائيات التي أعلنها جهاز “الشاباك” الأمني، وأكدت أن عدد عمليات المقاومة ضدهم تزايدت منذ العملية العسكرية “عامود السحاب” على قطاع غزة قبل ثلاثة أشهر، حيث شكلت الحرب دافعاً للمنظمات الفلسطينية في الضفة، سواء كان عبر إلقاء الحجارة، أو الزجاجات الحارقة، وأحياناً إطلاق الرصاص، بشكل لم نشهده من قبل، بحيث أن الجيش رصد ارتفاعاً بنسبة 300% في العمليات!

هذه الأرقام تؤكد أن المنظمات الفلسطينية أخذت أبعاداً متقدمة في استخدام أساليب جديدة ومتطورة لاستهداف الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة، وربما ما ساعد في حدوث هذا التطور امتلاكها للعتاد والتسليح على قلته.

• التخطيط والتنفيذ

ولعل المظهر الغالب على العمليات المسلحة السائدة في الضفة الغربية في الآونة الأخيرة يكمن في إطلاق النار التي تطال قوات الاحتلال ومواقعه العسكرية، والمستوطنين ووسائل نقلهم ومواصلاتهم، فهو أسلوب قد لا يحتاج لكثير عناء أو تخطيط، مقارنة بأشكال العمل الأخرى التي تتطلب الدقة والتخطيط السليمين لضمان نجاح التنفيذ كالعمليات الانتحارية واقتحام المستوطنات ووضع العبوات الناسفة.

ومن الملاحظ أن إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة تتم بشكل شبه يومي، وبصورة متزايدة نسبياً، مقارنة بالأشكال والوسائل الأخرى، فيما تحمل الإحصاءات الإسرائيلية والفلسطينية أرقاماً ملحوظة لإجمالي حوادث إطلاق النار التي تتم ضد أهداف عسكرية واستيطانية.

وتتنوع الاستهدافات الفلسطينية للأهداف الإسرائيلية في الضفة الغربية، لتأخذ شكل إطلاق النار على مستوطنة حيناً، وعلى موقع أو برج عسكري حيناً آخر، وعلى قافلة أو سيارة عسكرية أو استيطانية حيناً ثالثاً، أو أي هدف إسرائيلي يتاح للفصائل الفلسطينية المسلحة، وقياساً لمستوى هذه العمليات وتخطيطها وطبيعة الهدف الخاص بها تكون نتائجها، فالتخطيط الجيد يقود لتنفيذ جيد، وبالتالي إلى نتائج جيدة في معظم الأحيان.

وهذا اللون من العمليات يقدر عليه الجميع، فلا يقتصر فقط على ذوي الانتماء الحزبي والتأطير التنظيمي والعاملين في الخلايا المسلحة الذين تسعفهم وتمكنهم حدود قدراتهم وإمكانياتهم على تخطيط وتنفيذ العمليات الانتحارية، واقتحام المستوطنات النوعية، وإطلاق القذائف، بل يجري الأمر على أي فلسطيني يريد التصدي للاحتلال، ليحوز السلاح بداية، ثم ينقض على أي هدف إسرائيلي، عسكرياً كان أم استيطانياً، بأقل قدر من التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تفرض نفسها في سلك العمل المسلح المنظم.

وقد تمثل تحول المسلحين الفلسطينيين بالضفة الغربية في أسلوب عملهم في تكتيك جديد يقوم على اعتبار البندقية أفضل من القنبلة، وهو خطوة قد تؤدي لتسهيل العمليات ضد الجيش والمستوطنين من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على قدر أكبر من التبرير السياسي.

ومع ذلك، فإن الأساليب الفلسطينية تتغير معتمدة على أوضاع الساحة الميدانية، ففي حين تتطلب الهجمات الانتحارية بالقنابل فريقاً وخبرة، إلا أن الهجوم بالزجاجات الحارقة والبنادق أسهل في التنفيذ، وهو ما يقلق إسرائيل من هذه الخلايا المتخصصة بالكمائن والقنص، لأنها تنتقي نوعية الأهداف التي تختارها، وخبرتها وقدرتها تشير إلى قدرة عسكرية متنامية.

فكل العمليات التي وقعت في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة كانت بحاجة إلى رصد، إعداد، ومنطقة داعمة تمكن “السمك من الغوص في مياهه”، مع العلم أن أن هذا النوع من العمليات المسلحة يشكل استنزافاً للآلة العسكرية الإسرائيلية!

• التهديد الاستراتيجي

أكثر من ذلك، يعتقد الفلسطينيون أن تركيزهم المسلح في استهداف المستوطنين والجنود في الضفة الغربية تسلب من إسرائيل المبررات الأخلاقية بخصوص الطابع العنيف للمقاومة الفلسطينية، وعلى مستوى الصراع الإعلامي الدولي لا يرفض أحد مقاومة شعب يرزح تحت الاحتلال العسكري منذ 46 عاماً، عندما يخوض صراعاً ضد جنوده ومستوطنيه.

كما أن نجاح العمليات التي تقوم بها الخلايا المسلحة في الضفة ضد الجنود والمستوطنين توجه “ضربة قاسية” للجيش الإسرائيلي، وقوة ردعه، وتشجع شباناً آخرين على الانضمام لصفوفها، لاسيما وأن تكتيك إطلاق النار يمكن المسلحين من العودة بسهولة للمناطق الفلسطينية، حيث يشير الواقع الميداني في الضفة الغربية إلى أن القدرات الالكترونية الجيدة جدا، ووسائل الرؤيا الليلية، والجدران المعقدة، وأبراج الحراسة لا تكفي لمواجهة مسلح فلسطيني منفرد يحمل بندقية شخصية.

وقد جاء رد الفعل الإسرائيلي على كثرة هذه العمليات وتزايدها، لاعتبارها “تهديدات إستراتيجية”، دفعت بصناع القرار للدعوة لإقامة سياج أمني فاصل حول التجمعات الاستيطانية في الضفة، خاصة “آرئيل، غوش عتصيون، معاليه أدوميم”، لحمايتها من عمليات فلسطينية محتملة، في ضوء توقع الجهات الأمنية المختصة بأن الخلايا المسلحة ستستمر في تنفذ عملياتها.

ويتضح من المعطيات الميدانية في الضفة اتساع ما يمكن أن يسمى “مؤشّر الخوف”، بحيث أن دوريات عسكرية إسرائيلية، ودبابات تساندها المروحيات، بدأت بمهام غير اعتيادية من حيث المسؤوليات والمهام الميدانية، واتساع الدائرة في المستوطنات، ومحيطها وكافة الطرق والمعابر المؤدّية إليها، واعتماد أسلوب التمويه لإعطاء الصورة للخلايا الفلسطينية وفرق الرصد وجمع المعلومات بوجود أنماط جديدة وشديدة من التيقّظ والحمايات الأمنية والحراسات، للحيلولة دون أن يتمكّن أحد من تنفيذ أية عمليات، سواء كانت عسكرية أو خطف، تمهيداً لتبادل أسرى كما صرحت حماس وجناحها العسكري في أكثر من مناسبة.

والواضح أن ما سبق يتم تنفيذه بشكلٍ دقيقٍ فيما يتعلّق بالمشاهدات، عدا عن الأمور غير المعلنة، فيما يشكّل عنصر المفاجأة أداة أخرى وسلاحاً ذا فعالية في سياق ملاحقة المجموعات المسلحة، حيث تعتبر المستوطنات المحيطة بالمدن الفلسطينية نابلس أمثلة حية على ما سبق ذكره.

ويمكن ملاحظة بالعين المجردة تلك التحرّكات، ويتناقلها الفلسطينيون كخبرٍ عادي يأتي في سياق النشاطات الإسرائيلية، لاسيما إطلاق القنابل المضيئة ليلاً، في الوقت الذي تتحرّك فيه السيارات العسكرية مستخدمة الأضواء الشبيهة بأضواء سيارات الإسعاف، ناهيك عن النشاط المكثف للمروحيات العسكرية ليلاً ونهاراً، وعلى طول نقاط التماس والمستوطنات تتكرّر الصورة بشكلٍ أوسع تصل في كثير من الأحيان لاتخاذ الأمكنة لمهاجع ومراكز للدبابات المجنزرة، وهو ما ينطبق على معظم المستوطنات.

ويشير واقع التجربة في الضفة الغربية، أن المعسكرات التابعة لقوات الجيش تعتبر مواقع متقدّمة يقع على عاتقها العبء الأكبر في تنفيذ وإسناد المهام، بل والتخطيط لها من حيث قربها وتواصلها مع ضباط أمن المستوطنات والدوريات المسلحة للمستوطنين هناك، والذين وصل الحال ببعضهم للقيام بالتنقل من المستوطنات والمغادرة لساعات من أجل التسوّق، مستخدمين الدبابات المجنزرة في أحدث “تقليعة” من تقاليع الهوس الأمني والخوف والهلع الشديدين الذي يحاصر أدق التفاصيل اليومية للمستوطنين في الضفة.

كل هذه التفاصيل تشكل ضغطاً عالي الحساسية على الملف الأمني الإسرائيلي، والتداعيات الناجمة عن نجاح المسلحين الفلسطينيين باختراق الاحتياطات، يدفع باتجاه تفريغ المستوطنات، وإشعار الإسرائيليين بفقدان الأمان في كلّ أنحاء الضفة، حتى في الأسواق والمركبات والكرفانات الاستيطانية هنا وهناك.

Al-Monitor ، 15/2/2013

مقالات ذات صلة