أرشيف المنتدى

الراعي والقطيع في مفهوم العم أبوحسين!

الراعي والقطيع في مفهوم العم أبوحسين!

مما لا شك فيه، أن الأغلبية الساحقة من شعبنا الفلسطيني باتت تنظر بعين الخوف والقلق إلى ما يدور من إشتباكات مسلحة داخل مخيم عين الحلوة.. متسائلاً، ما الذي يدور هناك، ولمصلحة من هذا الإقتتال الفلسطيني الفلسطيني؟!.

وكعادتي في محاولة فهم الأشياء، شددتُ الرحال بإتجاه بيت العم أبوحسين، لعلّي أجد عنده تفسيرا لأحداث إذا ما إستمرت فقد نكون أمام تكرار مأساة نهر البارد آخر.. لكن بأكثر وحشية وتدمير وتهجير، لما يشكله مخيم عين الحلوة من كثافة سكانية ومركز للقرار السياسي والعسكري الفلسطيني في لبنان!

هممت بطرق باب العم أبوحسين عند وصولي.. لولا أني سمعت بعض الأصوات الشبيهة بالصراخ قادمة من وراء الباب. للحظة، أردتُ العودة من حيث أتيت. لكن الباب لم يُمهلني.. ها هو العم ابوحسين أمامي فاتحاً الباب وكأنه يريد مغادرة بيته غاضباً!. قلت بشيء من الإرباك.. أعتذر، يبدو أني قد جئت في وقت غير مناسب. نظر إليّ بعين المُدرك لهكذا مواقف غير مُتوقعة.. ثم وبلحظة لا يُتقن فِعلها إلا قلة من الرجال، إبتسم حتى أزالت بسمته كل غضب يعلو ملامح وجهه الفلسطيني.. كيف لا ونحن من أكثر الشعوب إن لم نكن أكثرها قهراً للصعاب رغم مرارتها!.

قال: تفضل ولا تُصَعِّب عليَّ الأمور يا بُني.. إنت مش غشيم عن خالتك إم حسين وخرابيطها. قلت محاولاً تبريد ما يكون قد حدث بينهما: لا أعتقد أن الحاجة ترغب في زعلك.. قاطعني وهو يتقدم أمامي إلى داخل البيت مرحباً: يا رجل طول النهار وهيِّ آخ يا رُكبي وآخ يا رجليِّ.. ولما بقولها خلينا نروح نشوف الدكتور بتقولي، لأ ما بدي خلص أنا منيحة ما فيني إشي مش مستاهلة نروح للدكتور. فكيف بدك تجيب صبر وتحل هيك معادلة نسائية غريبة؟!. وأنا أحاول الجلوس في مقعدي جاءنا صوت الحاجة أم حسين مرحباَ ومبتسماً.. ثم قالت: يا خالتي عمك ابوحسين الله يسامحه، هوي بس مش طويل بال. يعني كلما ما بشكيله وجعي لازم نروح للدكتور.. بالله عليك تحكي الصحيح، أي هي زيارة الحكيم ببلاش.. ما هو الكشفية وحق الدواء وأجار الطريق بطلعوا بنص الشهرية. يا بنيِّ.. الله أحسن من الكل وهو وحده الشافي هلق باخذ حبة بندول وإن شاءالله بروح الوجع. أنا يا خالتي مرّات بحب أفش خلقي لعمك أبوحسين لكن شكله بهالإيام مش طايق حتى فشة الخلق!.

إستدرتُ إلى العم ابوحسين وقلت مُعاتباً: هل يٌعقل أن نغضب أمام هذا الفكر الإنساني الفلسطيني المتجلي والصابر بشموخ؟!. نظر إلى زوجته ثم خاطبني قائلاً: ولأنها من سيدات الصبر والشموخ.. تراني أغضب منها لأجلها!. قاطعتنا الحاجة إم حسين وهي تغادر الغرفة قائلة: عليِّ الجيري إنكو بتستاهلوا أحلى فنجان قهوة.

شكرتُ لطفها ثم تابعت مع العم أبوحسين: يبدو يا عم أبوحسين أن أحداث مخيم عين الحلوة قد رفعت وتيرة الغضب وقللت مساحة الصبر لديك!. قال مبتسماً: لست متأكداً لكنها جزء من الهمّ الكبير الذي نعيشه. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن ما يحدث هناك هو حلقة من مسلسلات التآمر التي تعيشها القضية الفلسطينية منذ عقود. فبعد أن تنصلت الدول العربية بخبث من مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية يوم أن دفعت بمنظمة التحرير الفلسطينية لتكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. منذ ذلك الحدث المشؤوم.. ونحن من حيث لا ندري نقود التنازلات العربية التي يسعى لها العرب والعالم الغربي بدون أن نستطيع أو نجرؤ على محاكمتهم على جريمتهم بحق قضيتنا.. لقد أصبحنا من حيث ندري أو لا ندري نمثل – التابع والمتبوع معاً – لهذا الإنهيار العربي الذي نشهده، ومن يرفض منّا كفلسطينيين الإنصياع لتلك الرغبات الشيطانية إما أنه يُقتل وإما أنه يُسجن وإمّا يُعزل ويحاصر ليجوّع حتى الإنهيار!.

قلت: أوافقك الرأي، لكن يا عم أبوحسين، أحداث مخيم عين الحلوة إقتتالٌ بين الفلسطينيين أنفسهم ولا دخل للعرب والغرب في ما يحدث هناك.. فلماذا نرمي الحِمل على أكتاف الآخرين تحت ذريعة المؤامرات. نحن من يجب أن يتحمل عواقب ما يدور من أحداث داخل مخيم عين الحلوة!.

بعد أن داعب مسبحتة التي لا تفارقه قال: يا بني لا يغرّنك ما تشاهده وكأنها حالة منفردة غير مرتبطة بعجلة الأحداث. بل هي أحداث متلاحقة منذ نكبة مخيم نهر البارد، أحداثٌ حيكت بعناية كما تحاك الشبكة العنكبوتية. حتى جاء ما يسمى بالربيع العربي ليكمل ضرب كل ما تبقّى من ملامح الهوية العربية والقومية العربية. لقد نجحوا يا بني في زرع الطائفية البغيضة داخل الشارع العربي التي بدورها نجحت في إحداث سلخ فكري بين المواطن وبين إنتمائه الوطني لصالح طائفته.. حتى يسهل بعد ذلك جرفه هو والوطن بإتجاه المجهول كما يحصل الآن، ثم أضاف: وما يؤسف حقاً هو إنغماس بعض الفلسطينيين في تلك المخططات متفاخرين بركوبهم قطار الصراعات الدموية على إمتداد الوطن العربي، حتى بتنا كشعب وقضية على أبواب دفع فاتورة (غياب الحس الوطني) عند هؤلاء.. وكأن فلسطين وشعبها لا تزال ينقصها المزيد من التفتت والإجحاف الدولي.. ومن التجاهل والنكران من قبل القرار الرسمي العربي بحقها!.

قلت مسائلاً وقد أغراني السرد رغم سوداويته، إذن برأيك يا عم أبوحسين أن أحداث مخيم عين الحلوة ما هي إلا طفحٌ وبائي أصاب الجسم الفلسطيني نتيجة للتغذية الفاسدة من قبل أرباب ما سمي بالربيع العربي سعياً لإفساده بعد أن تم إفساد إلى حدٍ كبير الجسم العربي، لكن برأيك كيف السبيل لوقف ذلك الذي أسميته التغذية الفاسدة؟!. قال بعد أن أطال النظر إلى خارطة فلسطين المُعلقة على صدر الحائط:

لست مُنجِّماً ولا قائ للكف.. لكن إذا ما أردنا لهذا الإنحدار أن يتوقف، علينا أن نوقف هذا التخبط السياسي داخل القرار الرسمي الفلسطيني ونحصنه بموقف وطني فلسطيني يُعيدنا إلى يوم _ كنا نُخيف ولا نَخاف ونُملي ولا يُملى علينا _ ثم أضاف، يا بني يقال أنه عندما يكسر الراعي عصاته طوعاً أو برغبة منه ليسلك درباً غير درب قطيعه.. حتماً ستهجره العيون الساهرة على أمن القطيع، وستخلو الساحة إلا من التيوس المتناطحة فيما بينها.. بعدها لا يحق لنا أن نسأل، كيف إندسَّ الذئب والثعلب وابن آوى بين القطيع تمهيداُ للبطش بهم؟!

لم يُنقذني من دهشتي سوى قدوم الحاجة إم حسين وهي تقدم لي فنجان قهوتي العربية الأصيلة التي أعشقها.. ولنا لقاء..

أبورياض