المقالات

هل تجرأ السعودية “العظمى” على غزو سوريا!

فجأة تنطلق جوقة من العواصم التي تعمل من أجل تفتيت وحدة سوريا: الرياض تعلن أنها سترسل قوات برية لمحاربة داعش , وتنقل الأنباء خبرا عن تدريب 150 ألف جندي سعودي للقيام بالمهمة! الناطق باسم الجيش المصري يعلن عن إرسال خبراء عسكريين مصريين لتدريب الجيش السعودي . تركيا العثمانية صاحبة الأحلام التوسعية في الشمال السوري, والتي سبق وان احتلت لواء الإسكندرون, تعلن عن اعتزامها التدخل البري في سوريا, وتقصف مدنا يحتلها الأكراد. الولايات المتحدة تبارك الخطوة السعودية كما بعض الدول العربية الأخرى. تل ابيب تعلن عن اعتقال خلية لحزب الله في طولكرم (وكأن الحزب اصبح بديلا للمقاومة الفلسطينية!). الناتو سيجتمع في بروكسل لبحث الخطوة السعودية.. الخ.

جنون العظمة – وأقولها كطبيب – هو حالة مرضية ذهانية ,حيث يصاب الإنسان بحالة من الهذيان الدائم, كما تسيطر على المصاب به, معتقدات نابعة من الشعور بقدراته الخارقة (بارانويا) . بالتالي فهوحالة نفسية مرضية يصاب المريض بها بالأوهام, نتيجة لشعوره بعقدة الاضطهاد من قبل الأخيرين ,الذين يحرصون على ذلك لكونه شخصا عظيما ومهما للغاية. نتنياهو أحد المصابين بهذا المرض ,لكن دولته تمتلك القرار وترسانة الاسلحة القادرة في بعض الأحيان (وليس بشكل استراتيجي) على تغيير معادلات الواقع. أما هؤلاء , فقراراتهم تنبع من الآخرين وليس من ذواتهم , وحتى ما حصلوا عليه من طائرات واسلحة حديثة , فإن استعمالها مرهون بقيادة الأمريكيين لها! بالتالي نتساءل: أية قرارات مستقلة يمكن لهؤلاء اتخاذها بمعزل عن السادة؟هؤلاء ليسوا أكثر من حجارة شطرنج والعوبة بايدي الآخرين.

كل ذلك جاء بعد انهزامات متتالية لتنظيمات الإرهاب في منطقة حلب , وفي الوقت الذي يضج فيه السوريون في ادلب الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة, بالشكوى من اقدام المسلحين الهاربين من ريف حلب أمام تقدم الجيش، على انتزاع بيوتهم بالقوة ليسكنونها واسرهم، وسط تأكيدات ان هؤلاء يقدمون على السطو متسلحين بفتاو من مجالس الشورى التابعة للتنظيمات ,وتحديدا من مجلس شورى”جيش الفتح”., وفي الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري تقدما ملحوظا في ريف حلب الشمالي, مما أخضعه لسيطرة الجيش السوري, وقد أصبحت مدينة الرقة على طريق التحرير أيضا ,مما أربك القوى العربية والإقليمية والدولية ,المتضررة من هذه الإنجازات! وهو ما يعني: قطع الإمدادات التركية نهائيا عن الإرهابيين, ودفن الأحلام التوسعية العثمانية الأردوغانية في سوريا والوطن العربي ,مرة واحدة وإلى الابد. ويعني أيضا إسقاط مخطط تفتيت سوريا أسوة “بالسندروم” العراقي. من الطبيعي والحالة هذه, أن تفقد معظم هذه الأطراف اعصابها! وتصاعد كل من السعودية وتركيا من تهديداتهما ,غير مدركتين لنتائج هذا الفعل الجنوني. الولايات المتحدة الأكثر شمولية في فهم الواقع الدولي, خاصة بعد اتفاقها وروسيا من خلال وزيري خارجية البلدين, على تحقيق وقف إطلاق نار في سوريا خلال أسبوع, وبعد مؤتمر ميونيخ (البارد القرارات كبرودة السياسات الأمريكية في سوريا – وفقا للناطق السعودي),الذي تلا “جنيف 3”, وعلى أبواب “جنيف4” في 25 فبراير الحالي.. لن تسمح للشطط السعودي – التركي بأن يأخذ مداه! فامريكا وحيث أوباما هو بمثابة “بطة عرجاء” ,وهو الوصف الذي يطلق على نهاية الولاية الثانية لكل رئيس أمريكي, يكون خلالها عاجزا عن اتخاذ قرارات حرب استراتيجية… الولايات المتحدة لن تبدأ حربا من أجل عيون القادة السعوديين .

أيضا فإن اللاعب الإيراني لا يمكن تجاهل دوره في قواعد اللعبة في سوريا؟ فما بالك في الدور الروسي النشط منذ أربعة شهور, والذي حقق إنجازات في مدة قصيرة , لم يحققها ما يسمى بـ “التحالف الدولي ” في سنتين. تدرك واشنطن جدية العامل الروسي في الخارطة الاستراتيجية للمنطقة. تصريح مدفيديف (رئيس الوزرار الروسي) بأن الخطوة السعودية – التركية لربما تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة, هو التصريح الأكثر حزما, فبوتين معروف بحزمه الفعلي, لكن أن ياتي التصريح من رئيس الوزراء, فيعني فيما يعنيه: أن كافة اتجاهات الحكم في روسيا مجمعة ,على عدم التفريط بالمنجزات الروسية في سوريا.

وفقا للقانون الدولي , فإن الدور الروسي في سوريا جاء بطلب رسمي من حكومة الاخيرة, منذ تلك اللحظة, علت الاصوات الناعقة عن “إمبريالية” روسيا و”اطماعها التوسعية” في المنطقة, وغير ذلك من الاتهامات , التي سبّحت قبلا بحمد التدخل الامريكي – الغربي بغطاء خلفي صهيوني في سوريا, باعتباره “مساعدة إنسانية”, من أجل “إعلاء شأن الديموقراطية” في “البلد المنتهِك لحقوق الإنسان”, وكأن كل بلد تدخّل ويتدخّل في سوريا ,هو اعرق من ديموقراطية وعدالة “جمهورية أفلاطون” الفاضلة,وأشد حرصا على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من سويسرا, في زمننا .

الهدف الرئيسي المعلن للسعودية من التدخل ، هو القضاء على “داعش”، ولكن الهدف الخفي والحقيقي، هو مساندة قوات “معارضة” الرياض في قتالها لاسقاط النظام في دمشق، وتغيير موازين القوى على الارض، وقد زودت السعودية مؤخرالمعارضة بصواريخ أرض – أرض ووستقوم بتمويلها خلال ايام بصواريخ أرض- جو, وامر تنفيذي بإسقاط الطائرات المهاجمة حتى لو كانت روسية!

السعودية مثلما قلنا, تعيش حالة “جنون العظمة”على صعيدين: محاولة تجنب اي هزيمة سياسية او معنوية في سورية، والثأر من النظام بعد ان استثمرت المليارات وخمس سنوات من التخطيط السياسي والعسكري لاطاحته، والثاني تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية “سنية” في مواجهة “المحور الايراني”، وسورية احد اضلاعه الرئيسية، وتوظيف كل ما لديها من قدرات عسكرية ومالية في هذا المضمار، ايا كانت التكاليف المادية والبشرية. لكن ليس للسعودية قدرة عهلى مجابهة معركة كهذه, فالحديث سيدور ساعتها عن إزاحة هذا النظام من الخارطة السياسية الجغرافية في المنطقة. اغلب الظن ان السعودية ستكتفي بمساعدة المعارضات التابعة لها بأسلحة نوعية, وستقوم الاخيرة بتهريبها لداعش , فالاخير في النهاية هو منتج سعودي(لا تنسوا القاعدة!). أما تركيا فسيكون اجتماع الناتو كفيلا بلجمها.

لن ننسى ما قاله توماس فريدمان ( في جريدة نيويورك تايمز) بعد لقائه مع كل من محمد بن نايف ولي العهد، والامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، والحاكم الفعلي للسعودية، لعدة ساعات . قال بعد عودته من الرياض: “ان اكثر ما يخافه المسؤولون السعوديون الذين التقيتهم هو هجوم “داعش” على إسرائيل ,لان هذا يعني انهيار التحالف السني الذي يريدون اقامته، وانهيار استراتيجيتهم”، واضاف “المسؤولون الذين التقيتهم (لم يذكروا كلمة الصراع العربي- الاسرائيلي، ولو مرة واحدة)، كنا نتمنى على حامي حمى الحرمين الشريفين , رصد الأموال التي أنفقها هباء في سوريا ,لو أنفقها على عروبة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين!أفليس الأقصى حرما شريفا؟ لكن تهويد الأخير وكل استغاثاته لم يسمعها العاهل السعودي, فتحرير دمشق من وجهة نظره أهم من تحرير فلسطين.

د.فايز رشيد

مقالات ذات صلة