المقالات

خمسة أسباب لرفض الكونفدرالية

خمسة أسباب لرفض الكونفدرالية

باتر محمد علي وردم

في كل مرة تصطدم فيها المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية بحائط العناد الإسرائيلي، يتم إعادة طرح فكرة الكونفدرالية الأردنية-الفلسطينية كحل لأزمة الاحتلال الإسرائيلي وذلك عن طريق “تسريبات” من وسائل إعلام مختلفة وتقارير مراكز دراسات إسرائيلية ومحاولات تفسير اية لقاءات سياسية بين أطراف أردنية وإسرائيلية وكأنها أدلة على وجود تفاهمات حول الكونفدرالية، وكأن هذه التفاهمات مثلا لا يمكن التوصل إليها عن طريق المكالمات الهاتفية السرية أو السكايب!

لا يوجد أمر يتفق عليه الأردنيون من كافة الأصول والمنابت أكثر من رفض الكونفدرالية. الدولة الأردنية حسمت موقفها في هذه القضايا منذ فترة طويلة من خلال عدة تصريحات للملك ترفض الكونفدرالية رفضا مطلقا في الوقت الحالي وقبل قيام الدولة الفلسطينية، ولكن البعض لا يزال يريد إستعادة أشباح الخيار الأردني. وبالنسبة لكل شخص يحمل على رأسه أذنين وعينين وفي داخل رأسه عقل قابل للاستخدام فإن هذا الموقف الأردني غير قابل للتأويل أو إساءة التفسير ولا يمكن إعتبار أية محاولة للتشويش على هذا الموقف سواء من ناحية إفتعال تصريحات سرية أو العمل على نشر فكرة الكونفدرالية بمبررات سياسية مثالية إلا نوعا من التضليل غير المقبول. وفي هذا السياق من المفيد التذكير بخمسة اسباب رئيسية لرفض الكونفدرالية:

1- الكونفدرالية قبل إقامة الدولة الفلسطينية هي مصادرة لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وربما تؤدي إلى الإنهاء التام لفكرة الدولة الفلسطينية وهذا ليس ابدا في صالح الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني كما يتعارض ذلك مع كل القرارات الدولية وقرارات الجامعة العربية ويلغي حق العودة والتعويض نهائيا.

2- الكونفدرالية هي مدخل لمساعدة إسرائيل على التنصل من التزاماتها الدولية ويحمل الأردن عبء حل القضية الفلسطينية ما يؤدي في النهاية إلى دعم الوطن البديل والحل الأردني كما يريده متطرفو اليمين الإسرائيلي

3- الكونفدرالية ستؤدي إلى تجميد تام لمسيرة التنمية السياسية وتزيد من الضغوطات الاقتصادية في الأردن إذ ستجعل الأولوية لدمج الأرض والشعب الفلسطيني في نظام سياسي موحد يسوده الهاجس الأمني وضعف التنمية وسوف يعطل من نمو الحركات والأحزاب الوطنية الأردنية وبرامجها الموجهة للتنمية السياسية في الأردن، لأن “دولة الكونفدرالية” من الصعب جدا أن تكون ديمقراطية كما أن الموارد الاقتصادية المحدودة ستتعرض للمزيد من الاستنزاف نتيجة الحاجة إلى إدارة مناطق تحت سيطرة السلطة الفلسطينية حاليا.

4- ما زالت التيارات السياسية في فلسطين منقسمة حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية. القيادة السياسية في فتح وبعض الشخصيات المستقلة تؤمن بحل الدولتين، بينما بعض التنظيمات العسكرية في فتح والجبهات اليسارية وحماس والجهاد الإسلامي لا تزال غير واضحة في مدى قناعتها بهذا الحل ورغبتها الحقيقية في تجاوز هذا الإطار إلى التحرير الكامل للأراضي المحتلة في العام 1948. وإذا كانت الدولة الأردنية تتناسق في رؤيتها مع قيادة فتح فإن هناك اختلافات هائلة وجوهرية مع التنظيمات الأخرى مما يجعل الدولة الأردنية في حالة صدام مع تنظيمات سياسية فلسطينية لها رؤيتها المختلفة ستكون جزءا من دولة الكونفدرالية.

5- بعد قرار فك الإرتباط في العام 1988 وبعد الإنتفاضتين الفلسطينيتين نشأ جيل جديد في الشعب الفلسطيني يتميز بالحس العالي للمقاومة والطموحات والآمال الهائلة في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وقدم هذا الجيل الكثير من التضحيات من أجل تحقيق هذا الطموح ولن يرضي بكونفدرالية مع الأردن لأن هدفه الرئيسي هو الدولة الفلسطينية. كما أن هذا الجيل إضطر وبسبب العدوان الإسرائيلي المستمر إلى الإحتكام للسلاح وتم إنشاء العديد من التنظيمات والفصائل المسلحة المختلفة والمتباينة في توجهاتها إلى درجة المواجهات المسلحة وهذا ما قد يجعلها في حالة مواجهة تشبه الكابوس مع الأجهزة الأمنية الأردنية في حال تمت الكونفدرالية وأصبحت أجهزة الأمن الأردنية مطالبة بتحقيق الاستقرار الأمني، وهذا السيناريو واقعي جدا ولكنه وصفة للكارثة ولا يمكن أبدا القبول به أو الترويج لحدوثه تحت اي مبرر.

رفض الكونفدرالية هو الأمر الذي يوحد كافة القوى السياسية الأردنية تقريبا، وهذا ما يتطلب دعم المواقف الرسمي للدولة في هذا السياق وعدم تعريضها لضغوطات قد تؤدي إلى زيادة في احتمالات اللجوء الدولي إلى هذا الخيار.

الدستور، عمّان، 4/2/2013

مقالات ذات صلة