المقالات

نضال المرأة في الثورات الفلسطينية

■ المرأة الفلسطينية فتاة كانت أو أما أو زوجة هي عصب رئيسي في الثورات الفلسطينية تاريخيا، وفي الانتفاضتين، الأولى والثانية والثالثة الحالية.

دورها في المقاومة يتخذ أشكالا متعددة، دورا مباشرا في الاشتباك مع العدو، أو في مناولة الحجارة للشباب، كما يجري حاليا ويراه الناس على شاشات التلفزة… هؤلاء الصبايا الملثمات بالكوفية الفلسطينية، أو العلم الفلسطيني، وبطريقة غير مباشرة يشاركن في إعداد الاجيال من الشباب الممتلئ إيمانا بقضية شعبه الوطنية، والمستعد للتضحية بالروح في سبيلها ومن أجلها، ولولا هذه التربية العقائدية للأبناء من قبل المرأة الفلسطينية لما كانت كل هذه التضحيات الفلسطينية الهائلة على مدى قرن زمني!

كم من الفدائيات الفلسطينيات قمن ويقمن بعمليات مقاومة للاحتلال؟ كم منهن قدن مجموعات مقاومة؟ كم من الأسيرات في السجن؟ وكم.. وكم؟ المقصود القول، إن المرأة الفلسطينية لم تغب مطلقا عن مشهد صراع شعبها مع العدو الرئيسي: العثماني والبريطاني من قبل، والصهيوني حاليا. النقطة الدقيقة والمفصلية في نضالات المرأة الفلسطينية، أنه لم يكن مسموحا لها المشاركة في النضال العلني، الذي اقتصر على الرجل، نظرا للظروف الاقتصادية – الاجتماعية التي عاناها الشعب الفلسطيني بشكل عام، وفقا لمراحل تطوره الاقتصادي، والآخر الوطني، ولا يمكن الفصل بين العاملين، وتأثيرات ذلك على المرأة الفلسطينية بشكل خاص. القضية الأخرى، بحكم عوامل عديدة (ليس محلها مقالة صحافية وإنما بحث مستفيض)، لا يمكن الفصل بين واقع المرأة الفلسطينية وواقع المرأة العربية، خاصة أن جزءا كبيرا من الفلسطينيين يعيشون في الشتات العربي، بالتالي فإن التأثر والتأثير بين طرفي المعادلة لا يمكن إنكاره. صحيح أن واقع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني المباشر لا بد أن يفرض سماته على المرأة ونضالاتها أيضا، ولكن عند استعراض قضية المرأة الفلسطينية علينا أخذها في العام وليس الخاص. علامة أخرى تركت تأثيرها المباشر على نضالات المرأة الفلسطينية وهي: الثورة الفلسطينية الحديثة وبالضروة الانتفاضتان السابقتان والانتفاضة الدائرة حاليا. أيضا العامل الآخر فيما يتعلق بوضع المرأة تحت الاحتلال، هو شدة إجرام قوات الاحتلال الصهيوني وفاشيته المطوّرة، وحدة استفزازاته. أيضا بعد فشل الأحزاب الوطنية والقومية والديمقراطية على المستوى العربي (بفعل عوامل عديدة) ولأن الطبيعة تكره الفراغ بالطبع، فإن قوى الشد العكسي، خططت لإعادة المرأة عقودا إلى الوراء، بل قرونا سابقة. قوى الشد العكسي أوقفت حركة تطور المرأة وحقوقها، وعطلت جزءا ليس قليلا من طاقات المرأة الفلسطينية، لكن وعي المرأة الفلسطينية بكل العوامل المذكورة، استطاع الحد من اندفاعة قوى الشد العكسي تلك. لم تستكن المرأة الفلسطينية في أي محطة من محطاتها ولم تقبل بأقل من أن تكون شريكاً رئيسياً في النضال ومواجهة الاحتلال، إلى درجة تحمّل تعذيبه وقمعه، فقدمت على مدار الثورة العديد من النماذج المشرقة التي كانت منارات نضالية وثورية ليس على صعيدي المرأة الفلسطينية وشقيقتها العربية فحسب، بل على صعيد المرأة على النطاق الإقليمي والآخر العالمي. ورغم أن مجتمعنا لا يتصف بالكثير من الإنصاف بحق المرأة عموماً، إلا أن للمرأة المقاومة مكانة خاصة تكسر كل حواجز التمييز ضدها، وتدفع المجتمع لإبداء احترام خاص لتضحياتها ودورها النضالي.

اليوم نعيش أجواء انتفاضة فلسطينية جديدة، وكعادتها المرأة الفلسطينية لم تبق حبيسة منزلها، بل خرجت للشارع وشاركت بفاعلية في المواجهات ضد قوات الاحتلال لتكون في وجه بطش آلة القتل الصهيونية، تشارك في الاعتصامات والمظاهرات وفي تنفيذ كافة أشكال المقاومة البطولية.

شهدت وتشهد الانتفاضة الشعبية التي تدور نضالاتها في ربوع وطننا الحبيب، مشاركة كبيرة عبّرت عن حجم كفاح المرأة الفلسطينية، وجسدت وعي وإدراك المجتمع لدور المرأة في العقلية الفلسطينية، التي قوبلت بردود فعل مرحبة من المتابعين لهذه المشاركة في غالبيتها الساحقة، ولكن هذا الترحيب لم يخلُ من جهل واضح بواقع المناضلات الفلسطينيات، وما سبق أن قدّمنه ويقدّمنه في مواجهة الاحتلال، فسارع الكثيرون لاعتبار ما يحدث، تطورا غريبا على مسيرة المرأة الفلسطينية ودورها، وفي ذلك اجتزاء واضح للصورة والنضالات التي قدمتها المرأة عبر كفاحها الطويل.

من مناضلاتنا الفلسطينيات ميمنة عز الدين القسام، طرب عبد الهادي، عقيلة البديري، نبيهة ناصر، الأختان مهيبة وعربية خورشيد، عادلة فطايري، يسرا طوقان، فاطمة أبو الهدى، نجلاء الأسمر، حياة البلبيسي، جوليت زكّا، فاطمة برناوي، عبلة طه، لطيفة الحواري، خديجة أبو عرن، ليلى خالد، ريما بلعوشة، زهيرة أندراوس، أمينة دحبور، دلال المغربي، دعاء الجيوسي، لينا النابلسي، شروق دويات، وهديل الهشلمون اللتين تعرضتا لإطلاق النار بدم بارد بقصد القتل من قبل جنود الاحتلال، فاستشهدت هديل واعتقلت شروق، بالإضافة للشهيدتين حلوة زيدان وفاطمة غزال، اللتين استشهدتا في ثلاثينيات القرن الماضي، والشهيدة شادية أبو غزالة. وهذا دليل عظمة المرأة الفلسطينية ودورها النضالي الوطني.

المرأة الفلسطينية شاركت في المواجهات وبكثافة، وتشارك في عمليات المقاومة الفردية التي بدأت تبرز في الفترة الأخيرة كوجه من أوجه النضال ضد المحتل الغاصب، صمود كراجة ابنة الـ27 عاماً أقدمت على تنفيذ عملية مقاومة على حاجز قلنديا العسكري شمال القدس، صمود أكّدت أنها لم تفكر كثيراً، وما كان يدور بخاطرها، بضع تساؤلات تدور كلها حول «كيف لهذا الغاصب المحتل أن يمنعني من دخول أرضي؟ ولماذا عليّ أن أقبل هذا الواقع المُذلّ بأننا دوماً بحاجة لإذن من الاحتلال لأيّ فعل نقوم به»، وكانت تُجيب على هذه التساؤلات كلّها بعبارة واحدة وهي «سأوصل رسالتي «. «شعرتُ بأنني أعظم بكثير من دولة إسرائيل، أقوى من أسلحتهم، صوتي أعلى من صوتهم، فلسطين هي أمي»، هذا ما قالته كراجة في وصفها لمقاومتها. نعم، المرأة الفلسطينية مبدعة في كافة المجالات: هي عالمة، أديبة، شاعرة، رئيسة تحرير صحيفة، مخرجة سينمائية، وقبل كل شيء هي أم، زوجة، أخت، حبيبة. لا يمكن تعداد مجالات إبداع المرأة الفلسطينية فذلك يحتاج إلى مجلدات.

هذا هو الوجه المشرق لنضال شعبنا الفلسطيني، هذه هي الصورة المكتملة، فالمرأة ليست تابعة، بل هي شريك أساسي، في الماضي والحاضر والمستقبل، والأكيد أن المرأة الفلسطينية ستكون في كل محطات النضال رقماً صعبا لا يمكن تجاوزه. كانت دماء الشهيدات آيات الأخرس، ووفاء إدريس، وريم الرياشي، وهنادي جرادات، وميرفت مسعود، وأم الاستشهاديات فاطمة النجار، زيتاً ووقوداً أشعل الانتفاضة. وفي عتمة السجون، تسطع الأسيرات الفلسطينيات وهجاً وصموداً، منهنّ القيادية في الثورة الأسيرة خالدة جرار، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، والأسيرة لينا الجربوني عميدة الأسيرات الفلسطينيات، والنماذج كثيرة، فنبع العطاء الفلسطيني لا ينضب ولا يمكنه أن يجف. ننحني إجلالا لنضالات المرأة الفلسطينية في الكفاح ضد العدو المابعد فاشي… كل التحية للمرأة العربية أيضا.

د.فايز رشيد

26 ديسمبر, 2015

مقالات ذات صلة