الشتات الفلسطيني

الشيخ ماهر حمود || الشعار الإسلامي الكبير .. لماذا وكيف؟

قال امام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود يرفع إسلاميون مفترضون شعارات إسلامية كبرى من قبيل الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية أو الحكم الإسلامي أو الحكم بما انزل الله وما إلى ذلك، ولا شك أن هذا الشعار شرعي ومطلوب وليس اختراع احد أو مبالغة من احد من حيث المبدأ.. ولكن التساؤل ينحصر في مضمون الشعار وتفاصيله، كما يتركز على الأسلوب والإمكانية والظروف المحيطة والمتغيرات وما إلى ذلك.

الذي نراه اليوم إن الذين يرفعون الشعارات الإسلامية الكبرى، هم عاجزون عن تطبيق البدايات البديهية لأي عمل ناجح، فضلا عن عمل إسلامي ناجح، يشبهون بذلك الطالب الفاشل الذي يتحدث عن آماله في أن يصبح أستاذا في الجامعة يشرف على رسالات الدكتوراه، ولم يستطيع أن يتجاوز بنجاح الشهادة الابتدائية، فالأمر ليس سهلا ولا نزهة، وليس مجرد تمن منا أو حلم نحلم به مساء لنستيقظ صباحا فنجده أمامنا جاهزا، أو أن مجرد القضاء على أعداء هذا الشعار بالقتل أو النفي أو الإلغاء تصبح به الطريق ممهدة لإقامة الحكم الإسلامي المنشود، القضية اكبر من ذلك بكثير ولا بد من تفصيل:

أولا: إقرار المبدأ: نعم، الإسلام يطلب منا إقامة حكم الإسلام بين المسلمين، والجدل في هذا الموضوع عقيم وخارج الموضوع، ولا يجد أعداء الشعار الإسلامي، من العلمانيين أو المتأثرين بالمستشرقين، سندا لهم من مفكري وعلماء الإسلام إلا كاتبا واحدا هو الشيخ علي عبد الرازق، هذا الشيخ الأزهري الذي كتب في مطلع القرن العشرين كتابا يتيما لم يكتب غيره اعتبر فيه أن الحكم من شؤون الدنيا وليس من شؤون الدين ، وبالتالي (فأنتم اعلم شؤون دنياكم) كما ورد في الحديث الشريف، فيما اجمع علماء الدين والمفكرون الإسلاميون في التاريخ والحاضر أن إسلام المرء أو إسلام المجتمع لا يكتمل إلا بتحكيم شريعة الله والآيات في ذلك كثيرة لا ضرورة لإيرادها في هذا المجال… وكذلك تجربة الحكم الراشد، الخلافة الراشدة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقضية ليست في المبدأ وليست في رأينا محل نقاش بين الإسلاميين أنفسهم، كما أن حجة غير الإسلاميين في ذلك ضعيفة، لا تستطيع مواجهة حجج الإسلاميين المستقاة من النصوص كما من التجربة التاريخية الواسعة ولكن هذا يحتاج إلى تفصيل كبير.

ثانيا: نعم، نحن مبشرون بعودة الخلافة الراشدة بعد الملك العضوض والملك الجبري وبعد انتشار الظلم والجور في كل مكان، ولكن أحدا لا يستطيع أن يحدد أين ومتى ومن؟ هل بمجيء المهدي أم قبله؟ وأي مهدي نقصد الراوية السنية بذلك أم الشيعية أم غيرهما؟ هل بعطاء رباني دون جهد بشري كحكم (عمر بن عبد العزيز) الراشد الذي جاء بعد حوالي ستين عاما من انتهاء الخلافة الراشدة الأولى ودون جهد من احد؟ أم بجهد بشري وبجهاد؟ هل قبل زوال إسرائيل أم بعد زوال إسرائيل؟ هل هو نتيجة لزوال إسرائيل أم سبب …الخ؟. فهذه كلها وغيرها أسئلة لا يملك احد الجواب عليها ويمكن أن تكون مثار خلاف لا ينتهي مما يجعل الهدف البعيد الذي هو إقامة حكم إسلامي موضع اختلاف اجتهادي بين الذين يتبنونه أنفسهم.

ثانيا: ما بين التاريخ والحاضر فارق كبير: لا شك أن صراعنا مع الفرنجة الصليبيين ثم مع التتار مثلا، ثم مع كثير من المعتدين والمستعمرين كان يخضع لظروف مختلفة، لقد كانت القوى متكافئة، فهم يقاتلون بالسيف ونحن ندافع بالسيف، بل كنا أكثر تقدما كما يذكر الكاتب اللبناني المبدع (أمين معلوف)، عضو الأكاديمية الفرنسية، في أول كتاب له (الحروب الصليبية كما يراها العرب)، وهو تعليق على نصوص استقاها من المؤرخ الكبير (ابن الأثير) اثبت فيه تقدم العرب والمسلمين في الطب وغيره على الفرنجة… وكان صلاح الدين الأيوبي يحتاج فقط في ذلك الوقت إلى أن يجمع الفرسان من الموصل إلى دمشق إلى القاهرة تحت لوائه ليصبح المقاتلون بسيوفهم قادرين على مواجهة الفرنجة بسيوفهم أيضا فكانت حطين وكان الانتصار.

أما اليوم فالفارق التقني بيننا وبين الغرب كبير جدا، يحتاج الإنسان فيه إلى أن يفكر في حالنا وتخلفنا العلمي والصناعي قبل أن نصبح رغما عنا أتباعا لمن يعطينا السلاح ويزودنا بالاختراعات الحديثة الضرورية للنصر، هذا فضلا عن وجود فئة تدعي الإسلام تحرم أو تستخف بالعلوم الحديثة وتكتفي بالعلم الشرعي وتعتبر أن إقامة الدولة الإسلامية لا تحتاج للعلوم الحديثة، بل فقط للعلوم الشرعية، وان الله قد سخر لنا الغرب ليصنع، ونحن بدورنا نستعمل اختراعاته.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثالثا: وحدة الأمة: هنالك شروط لا بد منها هي أكثر من بديهية وعلى رأسها وحدة الأمة، فان كانت الأمة متفرقة متنازعة لا يتفق فيها فريق مع الآخر على كيفية الوضوء وكيفية الوقوف بالصلاة، وليس فيها فقهاء قادرون على حسم نزاعات بسيطة مفترضة، فكيف يمكن الحديث عن الخطوة التالية؟ أو هل هنالك جهة قادرة على فرض رأيها الفقهي على الآخرين حتى ولو بالقوة؟ بالتأكيد لا يوجد.

رابعا: الرسالة تقرأ من العنوان، فان كان من يتحدث عن الخلافة الراشدة يجهل مبادئ الإسلام ويخالف أبسط تعاليم الإسلام، فكيف له أن يصل إلى القمة الأعلى دون الارتفاع بالتدرج المنطقي والسليم.

لقد رأينا وسمعنا ممن يرفع هذه الشعارات الكبرى جهلا بأبسط المبادئ ومخالفة لبديهيات الإسلام، فكيف السبيل إلى الوصول إلى الأعلى؟ فلا بد إذن من خطوات كثيرة واجبة قبل رفع الشعار، وأهمها أن يتعلم رافعو الشعار أنفسهم الإسلام (!).

خامسا: الاجتزاء والانتقاء: لا يجوز انتقاء حكم شرعي وترك أجزاء، فالعدل وإنصاف المظلومين وإطعام الفقراء ومواجهة الفساد في المجتمع وخدمة الناس في حاجاتهم اليومية التي لا تؤمنها الحكومات الظالمة والعدالة في توزيع الثروة، وثروة البترول على رأسها، كل ذلك واجبات شرعية لا تقل أهمية عن تطبيق الحدود الشرعية قبل تأمين العدالة والحاجات البشرية الرئيسية للناس، من المسكن إلى الطبابة إلى التعليم…الخ، وذلك طبعا جزء لا يتجزأ من القاعدة الشرعية المستقاة من الحديث النبوي (ادرؤوا الحدود بالشبهات)…

بعض الإسلاميين المزعومين يصورون للناس أن الإسلام هو فقط رجم الزاني وقطع يد السارق وقتل المرتد وكفى… وهذا تشويه خطير يمارسه إسلاميون مزعومون ينبغي وضعهم عند حدهم وعدم إبرازهم في وسائل الإعلام كممثلين للفقه الإسلامي والشريعة أو كعلماء ودعاة وما إلى ذلك.

سادسا: انتقاء سوريا مثلا لإقامة حكم إسلامي مفترض وترك الأماكن الأولى كالسعودية أو مصر (الأزهر) أو غيرهما … قضية تحتاج إلى تفكير وما أظن أن اتخاذ قرار بهذه الأهمية يمكن أن تتفرد به جهة واحدة، ولا يتصور عاقل بعد هذه السنوات الثلاث أن قرار “الثورة” على النظام في سوريا واستقدام المقاتلين كان قرارا “إسلاميا”، بل انه قرار اتخذته جهات لا تطبق الإسلام في شيء، وبعضها عدوة الإسلام ولفكرة الحكم الإسلامي والعدالة والشورى وتوزيع الثروة… الخ.

واليوم بدأت السعودية تتخلى عن المقاتلين الذين أخرجتهم من السجون شرط الذهاب “للجهاد” في سوريا، وللأسف ان وقف السعودية لدعم الإرهاب يأتي نتيجة للضغوط الأميركية ولا يأتي نتيجة لفتوى من العلماء أو نتيجة موقف شعبي مفترض أو غير ذلك، كيف تقوم دولة إسلامية والداعم الرئيسي هو السعودية وخلفها أميركا وبعض أوروبا وربما إسرائيل (!!!)؟. كيف تقوم دولة إسلامية بدعم سعودي أميركي.

سابعا: نظرة بعض الإسلاميين إلى التاريخ الإسلامي، نظرة خيالية، لا تمت إلى الواقع بصلة، فالبعض يظن أو يتصور أن الإسلام كان حاكما طوال التاريخ الإسلامي وصولا إلى سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ثم إعلان انهاء الخلافة بعد ذلك بحوالي عشر سنوات، ولكننا لا ننظر إلى حقائق الأمور فنرى الحسنات والسيئات ثم نرى كم كان الكثيرون من “الخلفاء” إسلاميين فعلا…

فلقد كثر القتل وسفك الدماء بشكل لا يمكن آن يكون القاتل فيه إسلاميا بالمعنى الذي يقصده الإسلاميون المعاصرون، فأين الإسلام في إطلاق يد الحجاج بن يوسف في عهد عبد الملك بن مروان في القرن الأول من قرون الإسلام مثلا؟… ولماذا يتم إعدام سعيد بن جبير وهل حُكّمت الشريعة في ذلك؟ توارث الحكم هل هو خلافة أم ملك عضوض أليس بدعة؟ ولماذا هذه البدعة لا تدخل النار كبقية البدع، وان كانت لا تدخل النار لأنها ليست بدعة في الدين، فمعنى ذلك اننا وافقنا على أن الحكم شأن من شؤون الدنيا فلماذا نختصم مع العلمانيين؟ ولنكتف بالصلاة والعبادة ونترك شؤون الدنيا لأهلها على طريقة الشعار (الدين لله والوطن للجميع) مثلا، وإذا تركنا التاريخ الإسلامي وما فيه لاتساع الموضوع وانتقينا الخلافة أو السلطنة العثمانية التي يعتبر بعض “الإسلاميين” الإعلان عن إلغائها يوما ما مأساويا في التاريخ وكأن الإعلان عن إلغائها بعد عشر سنوات عمليا من نهايتها الحقيقية كان قرارا بإنهاء الإسلام.

والحق يقال أن “الخلافة العثمانية بقي فيها من الحكم الإسلامي” شيء واحد، والله اعلم، هذا الشيء هو أنها رمز لوحدة أراضي المسلمين وخيمة واسعة، سواء كانت ممزقة أم لا، تجتمع تحت هذه الخيمة أكثر بلاد المسلمين… أما على الصعيد التشريع والقوانين فقد أدخلت تشريعات كثيرة من الغرب منذ أيام سليمان القانوني ثم أن تحالفات وحروب السلطنة العثمانية لم تكن خاضعة لمقاييس إسلامية بالمعنى الفقهي والتشريعي، بل كانت خاضعة للظروف ولموازين القوى، فهل كان قرار إنشاء القائمقاميتين في لبنان إسلاميا؟ هل كان قرار إنشاء المتصرفية إسلاميا؟ وماذا عن انفصال مصر عن الخلافة العثمانية؟ وماذا عن المجازر المرتكبة بحق الأرمن، بغض النظر عن العدد الحقيقي لتلك المجازر، إنما بالتأكيد لم يكن قرارا إسلاميا.

فهذه أمثال وليست كل الحقائق….. وللبحث صلة بإذن الله.

الجمعة, 07 فبراير 2014 17:41

موقع مخيم الرشيدية

مقالات ذات صلة