المقالات

اجنحة لا تصلح للطيران!!

اجنحة لا تصلح للطيران!!

نضال عبد العال

نهر البارد 342013

قال لي صديقي عندما اهداني العصفورفي ا لقفص: لقداشتريته فرخا صغيرا،كان قد ولد توا،وربيته واطعمته بيدي حتى صاريافعا مفعما بالحيوية، لا ينفك يتنقل من مكان الى اخر في مساحة تقل عن نصف متر تسورها القضبان من كل اتجاه، ولدي احساس بانه ضاق ذرعا من العيش معي في “بركس”.

اني اهديك اياه لأني ارجو له افقا اوسع مدا، الا يكفيه انه محجوزا في قفصّ! وقفص في بركس ايضا!؟

كنا وقتها نجلس انا وصديقي في صبيحة يوم “آذاري” مشمس على شرفة بيتي المطلة على المخيم، يزين المشهد منظرا رائعا لمصب النهر في البحر الملاصقين للمخيم من جهتي الجنوب والغرب، واضاف صديقي ويقصد بقوله البلبل: انه يستحق هذه الشرفة، اذ ما علقته هنا فسوف يشعرا انه حر، متمتما بصيغة الرجاء: قد يعوضه ذلك مرارة الاسر!.

شكرته ممتنا على هديته الرائعة والتي بادر بتقديمها عن طيب خاطر، وربما كان امله ان يخلص البلبل المسكين من ظروف مفروضة عليه هو قسرا جراء ما جرى في المخيم، فهو ينتظر فرجا قريب في اعادة اعمار المخيم، فيما البلبل غير معني بما جرى للمخيم مثله تماما، ولكن غير مضطرا للانتظار سنوات ليتخلص من ظروف الحياة في “بركسات الحديد”.

كنت فرحا جدا بهذه الهدية، وحاولت قدر المستطاع ان اعوض عن ما فاته، فقد ظل حديث صديقي و تمنياته للعصفور الصغير في بالي، وصار هذا الضيف الجديد جزءا من عائلتنا، التي انشغلت في طعامه وشرابه، اخراجه يوميا ليعلق على الشرفة صباحا وادخاله مساء، هل يناسبه الهواء ام تزعجه الشمس الحادة؟ هل يأكل كل انواع الاطعمة التي نأكلها نحن؟ او يكتفي بالحبوب الخاصة ؟

لقد مضى على وجوده بيننا ما يقارب عشرة ايام، كنت خلالها احاول ان اكون سجانا مهذبا ومتفهما لحاجاته كريما معه اطعمه ما نأكل واشربه ما نشرب انقله من مكان الى اخر ليتمكن من الاستمتاع بالمشهد من زوايا مختلفة، مرة اعلقه على شرفتي واخرى على نافذة المطبخ ثم احمله الى نافذة غرفة الاستقبال، لم اتوانى عن القيام بما يجب لأعلمه ان الفضاء اوسع من بركس! وان العالم مشهدا مترامي الاطراف، وبالإمكان النظر اليه من زوايا عديدة لا حدود لها.

الى ان قهرتني تلك الفكرة، لقد رباه صديقي فرخا في قفص، وطيلة خمس سنوات عاش مأسورا ليس في قفص وحسب بل في “بركس” ايضا. فهل يعرف هذا العصفور الصغير انه طير ومجبولا بالحرية!؟ وانهواقرانه من شاهد بعضهم في اقامته القصير عندي يكملون مشهد الطبيعة الرائعة، الشجر والشمس، النهر والزقزقات التي تملأ الفضاء صخبا وانغاما، وهو عازف مبدع شغوف بالحرية في سنفونية الطبيعة.

كان يطعمه بيديه ويمده بأسباب البقاء مغموسة بجرعات الادمان خلف القضبان وحتى صار الموت دونهامحتما، فقد قتل فيه غريزة البحث عن الحرية . وعندما بدأت اعلمه اسباب الحرية كنت ازيد في قتله وامعن في تعذيبه، تعلم سر البحث عن الحرية وتعرف على قساوة البقاء خلف القضبان، ولم تعد تلك القضبان حدود الامن والطمأنينة ، وما يحميه من عبث الاخرين وقساوتهم ليس القفص، بل اجنحته، وكلما كان اكثر حرية كان اكثر امنا وطمأنينة.

واذا كنا، صديقي وانا مذنبين حتما، هو قتل فيه غريزة الحرية،ولذا لم يشعر بعذاب القفص، وانا علمته اياها وحرمته منها، لقد شاهد لذة العيش حرا فتعرف على ألم العيش في قفص. ولكن، من منا ذنبه اكبر؟

لقد فكرت ان جريمتي تفوق ذنب صديقي اضعافا، كيف اعرفه على الحرية واحرمه منها!؟لقدقررت ان افتح باب القفص،لان الحق في التعرف على الحريةيعني الحق في عيشها،والا فلا معنى لها، لقدظل باب القفص مفتوحا طيلة اليوم،ولكنه لم يخرج،وحين حاولت اجباره على الخروج ،بدامذعورا،تماماكأنني ارغم حرا على الدخول الىقفص !!

ألم تكن الحرية قضية بالنسبة له؟ أم انه عشاها كما تعلم عيشها في زنزانة؟ الم اعرفه عليها ؟ والم يكفيه انه شاهد اقرانه احرارا؟ حين مددت يدي الى القفص وسحبته خارجا واطلقته، بدا لي مربكا ومضطربا ولا يعرف ماذا يفعل، لم يحرك اجنحته حتى ، وحين حركها بدا وكنه يتعلم الطيران توا، فهو لا يقوى على الطيران في هذا الفضاء المفتوح ، يسقط ارضا كلما قطع مسافة نصف متر هي مساحة القفص، لقد شعرت بان الحرية صارت بعد هذا الاسر الطويل عبئا ثقيلا عليه. لا يكفي ان يرى افقا مفتوحا وفضاء حر ورائعا بل يحتاج الى اجنحة قوية تستطيع حمله على الطيران، وحتى يحصل على القوة المطلوبة يحتاج الى التدرب عليها. تبدأ الحرية حين يبدأ في التعلم على الطيران وليس حين افتح له باب القفص.

هل الحرية ان نعيش ما تعلمناه فقط؟ ام نتعلم كي نعيش لنتعلم …انها وقبل اي شيء ان نكون احرارا في ان نعرف ثم لنكون احرار في العيش كما عرفنا.

نضال عبد العال نهر البارد 342013

مقالات ذات صلة