المقالات

حقيقة موقف الإخوان المسلمين من اليهودية والصهيونية

حقيقة موقف الإخوان المسلمين من اليهودية والصهيونية

د. صفوت حسين

من أهم الانتقادات التي توجه لرؤية الإخوان للقضية الفلسطينية هو القول باعتبارهم الصراع في فلسطين صراع بين اليهودية والإسلام، وأنهم لم يدركوا الفرق بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية، وأنهم اعتبروا كل يهودي صهيوني. إن هذه الآراء والانتقادات التي توجه للإخوان يبدو في كثير منها الخلط وعدم تحديد المعاني بصورة واضحة، فضلاً عن تجاهل المبررات التي ساقها الإخوان لتبرير بعض آرائهم وبصفة خاصة فيما يتعلق بعدم التفريق بين اليهودي والصهيوني.

ففيما يتعلق باعتبارهم الصراع في فلسطين بأنه صراع بين اليهودية والإسلام، فنجد حسن البنا يقرر بوضوح ‘أن الأنبياء جميعاً مبلغون عن الله تبارك وتعالى، وأن الكتب السماوية جميعاً من وحيه وأن المؤمنين جميعا في أية أمة كانوا هم عباده الصادقون الفائزون في الدنيا والآخرة، وأن الفرقة في الدين والخصومة باسمه إثم يتنافى مع أصوله وقواعده’.

إن هذه القول وغيره لحسن البنا يوضح بجلاء أن الإخوان المسلمين لم ينظروا للصراع في فلسطين على أنه صراع بين اليهودية والإسلام كما أن الكتابات المختلفة للإخوان توضح أنهم أدركوا الفرق بين اليهودية والصهيونية، وقد أوضح ذلك حسن البنا بوضوح خلال حديثه أمام لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية عام 1946 حيث ذكر ‘أن خصومتنا لليهود ليست دينية…’ ونحن حين نعارض بكل قوة الهجرة اليهودية نعارضها، لأنها تنطوي على خطر سياسي اقتصادي، وحقنا أن تكون فلسطين عربية’. وقد عرف الإخوان الصهيونية اليهودية بأنها حركة سياسية استعمارية غايتها طرد العرب من ديارهم باستعمار أرضهم وهدم وحدتهم وتأسيس ملك لليهود فوق أطلال ملكهم. وإذا كان موقف الإخوان يتسم بهذا الوضوح فلماذا اتسم موقفهم بالعداء نحو اليهود في مصر والذي وصل إلى حد استخدام العنف ضد المصالح اليهودية عام 1948؟.

إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب الإلمام بوضع اليهود في مصر وموقفهم من الحركة الصهيونية، حتى تتضح حقيقة دوافع الإخوان من اليهود، وإنها لم تنطلق من خصومة دينية كما قد يظن البعض لقد تمتع اليهود في مصر بوضع متميز خلال فترة ما قبل ثورة 1952، وقد استطاعوا التحكم في توجيه الاقتصاد المصري وتشير الإحصاءات لسيطرة اليهود على الاقتصاد المصري فقد كان 98′ من رجال البورصة في مصر من اليهود بالإضافة إلى سيطرتهم على 103 شركة مصرية من مجموع شركات مصر البالغ عددها 308 شركة إلى جانب مساهمتهم غير المباشرة في بقية الشركات المصرية وبالإضافة إلى سيطرة اليهود على مختلف مجالات النواحي الاقتصادية، فقد امتدت سيطرتهم على مجال الصحف فقد أصدروا العديد من الصحف المختلفة، إلا أن الأهم من صحفهم هو التحكم في الصحف الأخرى، ومحاولة التأثير عليها من خلال سيطرة اليهود على مجال الإعلانات من خلال شركة الإعلانات الشرقية التي كانت تستولي على معظم الإعلانات.

وفي المجال السياسي فقد عرفت مصر وزيراً يهودياً هو يوسف فطاوي الذي تولى وزارة المالية عام 1924 كما احتل عدد من كبار اليهود مقاعد في مجلس النواب والشيوخ. ومن الملاحظ أن هذا النفوذ الكبير لليهود في تلك الفترة لم يكن متناسباً بأي حال من الأحوال مع نسبتهم العددية فطبقاً للإحصاءات الرسمية فإن عدد اليهود فى مصر بلغ في عام 1917، 59 ألفا، وفي عام 1927 بلغ 64 ألفا، وفي عام 1937 بلغ 63 ألفا، وفي عام 1947 بلغ 66 ألفا وهو أكبر رقم وصل إليه اليهود في تلك الفترة ومع ذلك فإن هذا العدد لا يمثل نسبة تذكر من مجموع سكان مصر الذي كان يبلغ في عام1947، 18 مليوناً و967 ألف نسمة كما كانت مصر مركزا هاما وبؤرة للنشاط الصهيوني حيث أسسس عام 1917 أول فرع للمنظمة الصهيونية العالمية تحت اسم ‘منظمة الصهيونيين بمصر’ وتم افتتاح العديد من الفروع لهذه المنظمة في المدن المصرية بهدف نشر المبادئ الصهيونية بين الجماهير اليهودية في مصر، والمساعدة في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وقد استقبل اليهود في مصر تصريح بلفور بابتهاج وفرح شديد، وأقاموا الاحتفالات في الإسكندرية وطنطا والتي حضرها العديد من يهود مصر.

وخلال الحرب العالمية الثانية تصاعد النشاط الصهيوني في مصر نتيجة تواجد جيوش الحلفاء في مصر والتي كانت تعج باليهود الذين ملأت الأفكار الصهيونية المتعصبة عقولهم ولقد تلقفتهم المنظمة الصهيونية في مصر ويسرت لهم سبل الالتقاء بالطائفة اليهودية لرسم الخطط من أجل التعاون وتحقيق الأهداف الصهيونية. ولم يتوان زعماء الصهاينة في مصر عن جمع المال وإرسال حصيلته أولا بأول إلى فلسطين ومع صدور قرار التقسيم في نوفمبر 1947 وقرب قيام الكيان الصهيوني ازداد حماس يهود مصر وأخذوا يعبرون عن ذلك مطالبين الإنجليز بسرعة الجلاء لإتمام قيام دولتهم وتسهيل هجرة يهود مصر والعالم إليها لقد كان الإخوان على وعي تام بخطر اليهود في مصر ونشاطهم الصهيوني، كما أن إنشاء النظام الخاص في الجماعة والذي كان يحتوي على قسم للمخابرات أتاح للجماعة فرصة الوقوف على نشاط اليهود في مصر من خلال تتبع ومراقبة هذا النشاط، لقد كان الموقف العدائي لليهود في مصر ودعمهم للمشروع الصهيوني بكافة الوسائل دافعا للإخوان لاتخاذ موقف عدائي منهم وقد أخذ الإخوان يحذرون من خطر اليهود في مصر فنشرت مجلة النذير سلسلة من المقالات تحت عنوان ‘خطر اليهود في مصر’ حذرت فيه من سيطرة اليهود الاقتصادية على الذهب والفنادق الكبرى والعقارات والأملاك، ونبهت للدور الخطير الذي تقوم به شركة الإعلانات الشرقية، من خلال تحكمها في الإعلانات، وقيامها بمنح ومنع الإعلانات حسب اتجاه الصحف وموقفها من اليهود ‘ومن الظواهر الدالة على ذلك ما نشاهد من إحجام الصحف عن نصرة الحق الإسلامي مادام يتعارض مع مصلحة اليهود’.

لقد دعا الإخوان اليهود لمشاركة مواطنيهم المسلمين والمسيحيين في موقفهم من قضية فلسطين، وتوضح كتابات الإخوان التي تناولت موقف اليهود حقيقة موقفهم من يهود مصر.

ففي مقالة مطولة لصالح عشماوي عام 1938 بعنوان ‘اليهود في مصر وموقفهم من قضية فلسطين’ تحدث فيه عن يهود مصر الذين ينعمون بالثروة والرخاء، وأن المسلمين والأقباط قد ثاروا وعقدوا الاجتماعات والمؤتمرات من أجل فلسطين بينما لم يتحرك اليهود ‘أروني يهودياً حضر اجتماعاً أو ساهم في مؤتمر فلسطين ودلوني على يهودي سار في مظاهرة أو أرسل احتجاجاً على الأعمال الإجرامية في فلسطين واذكروا لي يهودياً جمع مالاً أو تبرعا للمجاهدين العرب في فلسطين’. وفي نهاية المقال يطلب من اليهود تحديد موقفهم بوضوح وأن يتخذوا موقفا واضحا وصريحا لتأييد الفلسطينيين ‘لا يا سادة لا نريد عبثا ونفاقا، لا نريد خداعا وتمويها. نريد من زعماء اليهود دينيين ومدنيين ومن رؤساء العشائر منهم أن يعلنوها كلمة صريحة يتنصلون فيها من الصهيونية، ويعلنون انضمامهم إلى المصريين في المطالبة بإنصاف العرب وحل القضية الفلسطينية على الوجه الذي يرضيهم، وأن ينشروا هذا الإعلان على صفحات جرائدهم اليهودية في مصر فضلا عن الجرائد الأخرى وأن يبلغوا الحكومة الإنجليزية والى المركز الرئيسي للجمعيات الصهيونية.. ويطالبهم بتقديم دليل عملي بالتبرع بما يتناسب مع ثروتهم … وبهذا وحده تبرأ ذمة اليهود في مصر فإذا لم يفعلوا كان لنا الحق أن نعتقد في أنهم صهيونيون يؤيدون الإنجليز في فظائعهم في فلسطين’ ثم يتحدث بعد ذلك عن إرسال اليهود التبرعات للصهاينة ويطالبهم بالمبادرة بإعلان موقفهم وإلا ‘فسنقاوم الانجليز واليهود في مصر وفي فلسطين’.

إن هذا المقال يوضح بجلاء موقف الإخوان من اليهود في مصر، والعوامل التي جعلتهم يأخذون موقفا عدائيا منهم.

وفي مقال آخر عام 1945 يؤكد فيه الإخوان على نفس المعاني وأنه يجب على اليهود في البلاد العربية أن يتنصلوا من الصهيونية ويستنكروها بالأفعال لا بالأقوال حتى يتضح إذا كانوا صهيونيين أم عربا، لأنه كلما اشتدت الأزمة تظهر أصوات خافتة مكبوتة من بين اليهود تذكر أنهم مصريون ولا شأن لهم بالصهيونية، بينما الواقع يؤكد أنهم لا يقدمون أي مؤازرة في الملمات وفي أواخر عام 1947 يرسل حسن البنا خطابا إلى حاخام وكبار الطائفة الإسرائيلية ونظرا لأهمية هذا الخطاب، وتعبيره عن موقف الإخوان من يهود مصر ننقل نصه كاملا:- ‘فقد قرأت بجريد (أخبار اليوم) وجريدة (الزمان) أمس أن الحكومة المصرية فقد اتخذت التدابير اللازمة لحماية ممتلكات اليهود ومتاجرهم ومساكنهم….. الخ.

فأحببت أن أنتهز هذه الفرصة لأقول أن الرابطة الوطنية التي تربط بين المواطنين المصريين جميعا على اختلاف أديانهم في غنى عن التدبيرات الحكومية والحمايات البوليسية ولكن نحن الآن أمام مؤامرة دولية محكمة الأطراف تغذيها الصهيونية لاقتلاع فلسطين من جسم الأمة العربية وهي قلبها النابض. وأمام هذه الفورة الغامرة من الشعور المتحمس في مصر وغير مصر من بلاد العروبة والإسلام، لا نرى بدا من أن نصارح سيادتكم وأبناء الطائفة الإسرائيلية من مواطنينا الأعزاء بأن خير حماية وأفضل وقاية أن تتقدموا سيادتكم ومعكم وجهاء الطائفة فتعلنوا على رؤوس الأشهاد مشاركتكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية ماديا وأدبيا في كفاحهم القومي الذين اتخذوه – مسلمين ومسيحيين – لإنقاذ فلسطين، وان تبرقوا سيادتكم قبل فوات الفرصة لهيئة الأمم المتحدة والوكالة اليهودية ولكل المنظمات والهيئات الدولية والصهيونية التي يهمها الأمر بهذا المعنى وبأن المواطنين الإسرائيليين في مصر سيكونون في مقدمة من يحمل علم الكفاح لإنقاذ عروبة فلسطين.يا صاحب السيادة: بذلك تكونون قد أديتم واجبكم القومي كاملا وأزلتم أي ظل من الشك يريد أن يلقيه المغرضون حول موقف المواطنين الإسرائيليين في مصر وواسيتم الأمة كلها والشعوب الإسلامية في أعظم محنة تواجهها في تاريخها الحديث ولن ينسى لكم الوطن والتاريخ هذا الموقف المجيد’.

إن هذه الكتابات توضح بجلاء أن الإخوان كانوا على وعي تام بالدور الصهيوني ليهود مصر وأن موقف يهود مصر قد اتسم بالغموض والمراوغة من الناحية الرسمية فلم يتخذوا موقفاً واضحاً ولو ظاهرياً مؤيداً لعرب فلسطين وأن الإخوان قد حرصوا على دعوة اليهود لمشاركة أبناء الأمة المصرية جميعا في جهودهم لإنقاذ فلسطين. ولكن يهود مصر لم يستجيبوا لهذه النداءات، وهو الأمر الذي رسخ الشكوك التي انتابت الرأي العام في مصر حول حقيقة موقفهم وتأييدهم للصهيونية وبدلا من أن يتخذ اليهود خطوت واضحة لإثبات انتمائهم وولائهم لوطنهم لجأوا بدلا من ذلك إلى رفع شعار التفرقة بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين.

إن بعض الكتابات للإخوان التي تتحدث عن اعتبار كل يهودي صهيوني وكل صهيوني يهودي يجب أن ينظر إليها في سياق النشاطات الصهيونية ليهود مصر ويمكن القول بأن الإخوان المسلمين قد عرفوا الفرق بين اليهودي كصاحب دين، واليهودي الصهيوني المنتمي لهذه الحركة السياسية من الناحية النظرية، ولكنهم لم يجدوا فرقا بين الاثنين من الناحية العملية لصعوبة وجود فواصل واضحة بين اليهودي والصهيوني كما وضح ذلك من خلال موقف يهود مصر المساند للصهيونية، ويبدو أن التعميم الذي وقع فيه بعض الإخوان باعتبار كل يهودي صهيوني كان متأثرا بموقف اليهود في مصر ولهذا جاء موقفهم نابعا من اعتبار عملي أكثر منه اعتبار فكري بدليل كتابات حسن البنا التي توضح بجلاء الفرق بين اليهودية والصهيونية.

القدس العربي، لندن، 1/2/2013

مقالات ذات صلة