المقالات

الفلسطينيون و”إسرائيل” ما بعد الانتخابات: سياسياً وعسكرياً

الفلسطينيون و”إسرائيل” ما بعد الانتخابات: سياسياً وعسكرياً

عدنان أبو عامر

انتهت الانتخابات الإسرائيلية التاسعة عشرة للعام 2013، وستوضع ملفات دسمة ثقيلة العيار على أجندة الحكومة القادمة، لكن الصراع الدائر مع الفلسطينيين يبدو الأكثر سخونة في ظل انسداد أفق التسوية بصورة غير مسبوقة.

وقد شهدت برامج الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة، تقارباً ملحوظاً في المواقف من قضايا الساعة المطروحة، رغم ما طرح من شعارات متباينة كان لابد منها لغرض “التمايز” المطلوب بنظر الناخبين، وهو ما يدفع للقول أن هذا التقارب في المواقف في موضوع الصراع مع الفلسطينيين، يعود لعدد من الأسباب، فلسطينية وإسرائيلية، أهمها:

1- ميدانياً: الأحداث المتلاحقة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وفاجأت الأوساط الإسرائيلية، بعد انتهاء جولة المواجهة العسكرية الأخيرة ضد حركة حماس في قطاع غزة، وتحولها إلى عدو حقيقي ترى فيها إسرائيل خطراً على مشروعها السياسي في المنطقة، مما عمل على تضييق مساحات الفروقات بين هذه الأحزاب منها.

2- تفاوضياً: اقتراب الطرفين من النقاط الأكثر إشكالاً وجدلاً، لاسيما فيما يتعلق بالحدود الدائمة والكتل الاستيطانية، وبالتالي انزواء القضايا “التكتيكية”، ووصول الطرفين لقضايا الحل الدائم، وهنا يقترب الفائزون في برامجهم السياسية من بعضهم، بحيث تتشابه تصوراتهم المقترحة من الحلول المفترضة مع الفلسطينيين، والحديث يدور حول الأحزاب الكبرى الثلاثة: “الليكود- بيتنا، يوجد مستقبل، والعمل”.

• محاورة حماس

بالنسبة للموضوع الأول، لم يعد سراً أن التعامل مع المستجد الفلسطيني الأكثر سخونة على الساحة الإسرائيلية شكل القاسم المشترك الأكبر بين الأحزاب المتنافسة سابقاً، والفائزة لاحقاً، وبرز ذلك في دعايتها الانتخابية، لاسيما حزب “الليكود” الذي أخذ يزايد على غريمه الخاسر “كاديما”، واتهامه بالتساهل مع حماس.

وإذا ما قدر لليمين أن يشكل الحكومة القادمة بائتلاف يبدأ بـ”الليكود-بيتنا، ويمر بـ”شاس”، وينتهي بـ”البيت اليهودي”، فإنه يرفض فكرة “ترويض” حماس، ودفعها نحو الاعتدال، أسوة بما هو عليه الحال مع أحزاب “العمل، يوجد مستقبل، ميرتس”.

وعبر عن ذلك بصورة واضحة أحد رموز الليكود، رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية السابق، ووزير المالية الحالي “يوفال شتاينيتس”، بقوله: حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية، وهي كباقي الحركات الإسلامية، قد تتغير تكتيكياً وبصورة مؤقتة، لكنها لن تتخلى أبداً عن الأيديولوجية الكامنة في صلب جوهرها، لذلك لا يجوز لإسرائيل القبول بدولة حماس مسلحة بجانبها، لأنها ستكون في تحالف وثيق مع أعدائها خارج الحدود، حتى وإن أظهرت زعامتها مرونة براغماتية في الطريق لهدفها النهائي المتمثل بتدمير إسرائيل.

ولعل الموقف الأكثر وضوحاً لحزب الليكود في التعامل مع حماس عبر عنه “بنيامين نتنياهو” زعيمه الفائز بأقل مما كان يتوقع وفقاً للنتائج المعلنة، حين رأى أن صعود الحركة يشكل خطراً على الدولة، ففي غزة يتمثل الخطر بصعود “دويلة مسلحة” بقيادتها، وفي الضفة يتمثل الخطر بانهيار السلطة الفلسطينية، وإقامة دولة أخرى لحماس أكبر، تتبنى نموذج غزة، وتهدد القدس وتل أبيب.

في المقابل، فإن ما يطرحه اليمين، الفائز مجتمعاً بـ61 صوتاً مقابل 59 للوسط واليسار، يختلف عما يتبناه حزب العمل تحديداً، الذي لم يعر انتباها كثيرا في اختلاف القيادة الفلسطينية، سواء كانت بزعامة فتح أو حماس، رغم تفضيله للأولى، لاعتقاده أن إسرائيل أعلنت شروطها للحوار مع أي زعامة فلسطينية وهي: وقف العنف، تجريد المنظمات من سلاحها، الالتزام بالتعهدات والاتفاقيات الموقعة، الاعتراف بإسرائيل، وحذف البنود الداعية لإبادة إسرائيل الواردة في ميثاق حماس.

وأبدى الحزب عبر دعاية رئيسته الفائزة “شيلي يحيموفيتش” مرونة ملحوظة بإمكانية محاورة حماس، مع التزام الأخيرة بالشروط السابقة، وإذا ما أعلنت الأخيرة التزاماً بذلك، يؤكد الحزب المرشح للدخول في ائتلاف حكومي متوقع، أنه لن يبقى من سبب يمنع اعتبار الحركة أهلاً للحوار في إطار مفاوضات تجرى في المستقبل.

ورغم أن حزب “الليكود-بيتنا” صاحب النصيب الأكبر من مقاعد الكنيست، يعتقد جازماً بعد أن خاض حرب غزة الأخيرة ضد حماس أن إسرائيل كسبت معركة، لكنها خسرت حرباً في صراعها الدائر مع الفلسطينيين، لكن عسكريين وأمنيين بارزين دخلوا اللعبة الانتخابية على مختلف القوائم الحزبية، ومن أبرزهم “موشيه يعلون، عمرام ميتسناع، يعكوف بيري، عمير بيرتس”، وغيرهم، أثبتوا هذه الحقيقة العملياتية عبر عقد مقارنة بين حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين، والحرب الأميركية ضد تنظيمات القاعدة، على النحو التالي:

1- تكتيكياً: جاءت إنجازات إسرائيل في مجالات الاستخبارات والدِقة، والحدِّ من الخسائر، أفضل من الولايات المتحدة وبريطانيا في أفغانستان، ونجحت بالوصول لصورة استخبارات جيدة إزاء حماس، بما فيها اغتيال وتصفية قياداتها السياسية والعسكرية، وآخرهم أحمد الجعبري، قائد كتائب القسام، وهو ما مُني فيه الأميركيون بالفشل ضد القاعدة، باستثناء “ابن لادن”.

2- إستراتيجياً: خسرت القاعدة قواعدها في أفغانستان، وفقدت قدرتها على التجنيد، وتعبئة وتدريب آلاف الشبان، وتعرضت ركيزتها السياسية المتمثلة بنظام طالبان للإزالة، فيما أقامت حماس في قطاع غزة قواعد تدريب علنية تدرب فيها آلاف المتطوعين، وصناعة صواريخ وتطوير أسلحة بصورة شبه علنية، وتعززت مكانتها السياسية نتيجة حربها الأخيرة، وظهورها كـ”منتصرة” أمام إسرائيل.

• مستقبل المفاوضات

على الصعيد السياسي مع السلطة الفلسطينية، فإن غياب حزب “كاديما” الخاسر الأكبر في نتائج الانتخابات “المفاجئة”، قد يعني تراجعاً لفكرة استنساخ تجربة الانفصال الأحادي الجانب من قطاع غزة في الضفة الغربية، أو بعض أجزائها على الأقل، بعد ترديد مرشحه الأبرز “شاؤول موفاز” في دعايته الانتخابية أن المهمة المركزية أمام الحكومة القادمة تكمن في تحديد خطوط حدود آمنة ودفاعية توفر الأمن لمواطنيها.

ومع ذلك، فإن ما أعلنه “نتنياهو” في الآونة الأخيرة من عزمه الانسحاب داخل حدود الضفة الغربية من طرف واحد، ودون اتفاق مع السلطة، لفرض وقائع على الأرض، ترسم حدود الدولة الفلسطينية القادمة، قد يصطدم بعقبة ائتلافه المتوقع، لاسيما إن كان يمينياً صرفاً، حيث يعتبر الضفة جزءً من إسرائيل، واعتباره أن هذه الخطوة -إن تمت- ترسخ اعتقاد الفلسطينيين بأنها هروب إسرائيلي حتمي تحت ضربات القوى المسلحة!

ومع انسداد أفق المفاوضات بصورة مطبقة، فقد احتلت فرضية اندلاع انتفاضة ثالثة حيزاً كبيراً في برامج الأحزاب والدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وأخذت تزايد على بعضها في اتهامها للحكومات المتعاقبة بالفشل الذريع في وقف مدّ انتفاضة الأقصى، والتراجع المريع في إجراءاتها الأمنية ضد المسلحين.

ولذلك يعتقد زعماء اليمين الإسرائيلي الفائزين أن مواجهة الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حماس، تأتي ضمن محاربة مكثفة يومية ومتطورة ومتقدمة، وكما أسماها “موفاز” وزير الدفاع الأسبق، فإنها “سباق ماراثوني طويل، وليس عَدواً لمسافات قصيرة”، وقد تخطت إسرائيل العوائق التي وضعت في طريقها ممن يتربصون بها، وباتت من الدول المتصدرة للكفاح العالمي ضد تلك الجماعات، للدرجة التي دفعت “نتنياهو” مثلاً لأن يبارك العملية الفرنسية الأخيرة في مالي، باعتبارها امتداداً لمحاربته حماس في الأراضي الفلسطينية!

وهنا تتزايد الاتهامات الموجهة للحكومات المتعاقبة برئاستي “أولمرت ونتنياهو” في إخفاقهما عن الرد على المقاومة الفلسطينية، لاسيما الصواريخ المتساقطة على المستوطنات المجاورة لقطاع غزة، والإشارة إلى أن خطأهما تمثل بأنهما لم تقومان، بموازاة بناء الجدار الأمني حول غزة عام 1994، ببناء جدار مشابه في الضفة، فهل يكون هذا على رأس المشاريع المتوقعة في الحكومة القادمة؟

أما حزب العمل -الذي استفاق انتخابياً بصورة غير متوقعة بعد أن شهد تراجعاً مريعاً في شعبيته خلال السنوات الأخيرة- فيتخذ لنفسه موقفاً وسطاً بين هذه الاتهامات المتبادلة بين الساسة والعسكر، ويرى بأن النصر الميداني على الفلسطينيين لا يُقاس بالمرات التي احتل فيها الجيش مدن رام الله وجنين ونابلس، أو عمليات الإحباط التي قام بها الشاباك، بل يتجه في هذا المحور يساراً نحو مواقف “ميرتس” معترفاً بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته إسرائيل في السنوات الأخيرة، سواءً بفهمها المغلوط للهدف السياسي، والاستخدام الخاطئ للقوة العسكرية.

في ذات الوقت، تعتقد قطاعات واسعة في حزب العمل بالقاعدة العسكرية القائلة: “من يسعَ لقتلك، سارع لقتله”! لتكون منطلقاً بعمل الجيش ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة، وفي الوقت ذاته تستعيد مخططات آباء الحزب الأوائل “إسحق رابين وشمعون بيريس” من حيث الإسراع ببناء الجدار في الضفة، وإحداث فصل من خلال إقامة معابر على امتداده، وفتح الجسور والمعابر إلى الأردن ومصر، والامتناع قدر الإمكان عن إقامة حواجز ونقاط مراقبة وتفتيش بين التجمعات الفلسطينية.

أخيراً..فإن بقاء حماس مسيطرة على قطاع غزة، وتقويها أكثر فأكثر عسكرياً وسياسياً وإقليمياً، مقابل التراجع المتواصل للسلطة الفلسطينية، مالياً وسياسياً، قد يجعل الأحزاب الإسرائيلية في حالة تغيير متوقع لمواقفها المعلنة منها، إن بقي الحال على ما هو عليه، ومرهون بطبيعة الائتلاف المتوقع تشكيله الأسابيع القادمة.. لننتظر ونرى.

المونيتور، 24/1/2013

مقالات ذات صلة