المقالات

دراسات أولية في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة

شهدت الحرب الإسرائيلية الثانية على غزة والتي أسماها الإسرائيليون عملية «عمود السحاب» سجالات لم تنته ليس فقط في أوساط العرب والفلسطينيين وإنما أيضا في أوساط الإسرائيليين عما تحقق منها وما لم يتحقق. وخلافا لبعض النظريات الشائعة في منطقتنا والتي تتعامل مع الأحداث، أحيانا، بمنطق النكاية أو تستند إلى منطق المؤامرة، عمد مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إلى إصدار كتيب من 78 صفحة يتناول، بأقلام أبرز الباحثين، مزايا وعيوب تلك الحرب. وقد أشرف على الكتيب شلومو بروم وقام بإجمال مواده رئيس المركز قائد شعبة الاستخبارات الأسبق الجنرال عاموس يادلين.

وينقسم الكتيب إلى قسمين تم في الأول منهما تناول «الأبعاد العسكرية الاستراتيجية» للحرب فيما ركز الثاني على «الأبعاد السياسية». وتضمن القسم الأول خمس مقالات أولاها للجنرال غيورا آيلاند حول «الأبعاد الاستراتيجية» للحرب. وكانت المقالة الثانية للباحث إفرايم كام حول ميزان قوة الطرفين فيما كتب أفنير غولوب المقالة الثالثة بعنوان «الردع الإسرائيلي: هل تحقق الهدف؟» وركزت المقالة الرابعة بقلم مئير ألر على «الجبهة المدنية ـ التعلم من النجاحات» وخصص يفتاح شابير مقالته الخامسة لـ«القبة الحديدية ـ ملكة المعركة».

أما القسم الثاني فافتتحه الرئيس السابق للمركز الدبلوماسي المتقاعد عوديد عيران بمقالته حول «الولايات المتحدة والشرق الأوسط». وتبعه أودي ديكل بمقالته عن «التغييرات في النظام المصري والمعركة في غزة» وأوريت بيرلو حول «الشبكات الاجتماعية: المزاج في مصر». وكتبت إميلي لانداو عن «إيران ـ التدخل من بعيد» بينما ركزت الباحثة عنات كورتس على ما «بين حماس، السلطة الفلسطينية وإسرائيل». وحاول الباحث يورام شفايتزر الإجابة عن سؤال» هل ينتظر تغييرات في العلاقة بين إسرائيل وغزة؟ وبحث غيفان ألترمان في «الجبهة الإعلامية». وكما سلف أجمل عاموس يادلين المقالات كلها وهي المعروضة بكاملها أدناه.

وفي المقدمة لم يخف شلومو بروم واقع أن حرب «عمود السحاب» التي شنت على غزة طوال ثمانية أيام بين 14-21 تشرين الثاني الفائت باغتيال إسرائيل قائد الذراع العسكري لحماس، الشهيد أحمد الجعبري، تمت بمبادرة إسرائيلية جراء القناعة بأن قدرة الردع التي بنيت إثر حرب «الرصاص المسكوب» 2008-2009 قد تآكلت. وأشار الى أنه بسبب هذا التآكل سمحت حماس، وهي السلطة الحاكمة في القطاع، للمجموعات الفلسطينية الأخرى بالعمل ضد إسرائيل بل المشاركة في مثل هذه العمليات. وأوضح أن كل ذلك تم على خلفية تعاظم الخطر المحتمل من القطاع جراء حشد مخزون كبير من الصواريخ البعيدة المدى القادرة على ضرب تل أبيب.

وقد أعد الكتيب رغم الإقرار بأن الوقت لم يمر بعد بشكل كاف لتقييم نتائج العملية وأبعادها الكاملة، ومقدار تحقيقها لأهدافها من وجهة النظر الإسرائيلية، خصوصا ترميم القدرة الردعية وتوجيه ضربة شديدة لحماس والمنظمات الفلسطينية في القطاع. ويشير بروم الى إلى أنه من السابق لأوانه تقدير ما إذا كان وقف النار القائم سيطول كثيرا أم أن الأسباب نفسها التي قادت إلى تقويض اتفاقات وقف النار السابقة ستؤدي مرة أخرى إلى انهيار الاتفاق الجديد وتحدد موعد ذلك. ولهذا السبب يعتبر أن كل الوارد في الكتيب ليس أكثر من تقدير أولي لواقع الحرب الجديدة الذي غدت فيه الجبهة الداخلية هي الجبهة الأساسية من ناحية ومقارنة هذه الحرب بحروب سابقة مع حزب الله وحماس والعبر المستخلصة منها وأثرها على نظرية القتال التي استخدمت في «عمود السحاب». كما تركز المقالات على القيود التي باتت تفرض على أداء الجيش سواء أكانت قيود سياسية أو قانونية أو أخلاقية. وبين هذا وذاك انسياق خلف ما اعتبرته إسرائيل النجم الصاعد لحروبها الجديدة وهي منظومات الدفاع ضد الصواريخ وخصوصا منظومة «القبة الحديدية» ضد الصواريخ قصيرة المدى.

ومن الواضح أن الخيط الرابط بين المقالات هو ما حاول يادلين التركيز عليه في الخلاصة وهو أن الوضع يتطلب إعادة فحص ليس مواضع الخلل وحسب وإنما زوايا ونقاط النجاح. ويتبين من قراءة المقالات أن الظروف المحيطة وخصوصا ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» شكل عنصرا بالغ الأهمية في الأداء الإسرائيلي العام وفي تقييد أهداف الحرب وربما أيضا في مقدار الدعم الأميركي لإسرائيل. وهذا قاد بالتأكيد إلى قراءة المتغيرات في الحلبة الدولية ومقدار بقاء الولايات المتحدة، وهي الحليف المركزي لإسرائيل، القوة الأعظم الأولى في العالم.

وبدا واضحا مقدار القلق من أثر الحرب الأخيرة ونتائجها على الساحة الداخلية الفلسطينية سواء لإظهارها جدوى العمليات العسكرية، عبر المكاسب السياسية التي تحققت لحماس، أو إظهارها فشل تفكير فتح السياسي عبر استمرار الجمود في عملية التسوية السياسية. ومن المؤكد أن ميزان القوى الداخلي الفلسطيني يؤثر في الصورة العامة للأداء الإسرائيلي خصوصا إذا كانت في إسرائيل حكومة تريد التسوية أو حكومة لا تريدها. ففي كل الأحوال ينظر إلى واقع أن الحرب تعيد توجيه الأنظار للقضية الفلسطينية الأمر الذي لا ترتاح إليه حكومة يمينية مثل حكومة نتنياهو أفيغدور ليبرمان.

على أن الكتيب بمقالاته يبدو بعيدا عن إثارة الاهتمام في إسرائيل المنشغلة حاليا بأمور انتخاباتها العامة والتي لم يعد الجمهور يهتم فيها لا بما جرى في الجيش الإسرائيلي من فضيحة «وثيقة هرباز» ولا بما كشف عنه رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين عن مدى هزالة تفكير القيادة الحالية. فالفضائح الكبرى في إسرائيل تعمق الاستقطاب القائم والذي بات بشكل فاضح أكثر جلاء ليس بين يمين ويسار وإنما بين يمين ويمين متطرف.

حلمي موسى

السفير، بيروت، 14/1/2013

مقالات ذات صلة